سام مولنز**
في 14 أغسطس الماضي، اعتقلتِ الشرطةُ السويدية رجلًا في مدينة أوسترسوند بعد أن تلقت تقاريرَ تفيد بأنه كان يقود سيارته في ميدان بالمدينة بطريقةٍ مريبة. وقد احتجز في البداية بسبب احتمالية وجود مؤامرة لارتكاب جريمة قتل، لكن في اليوم التالي تغيرت التهمة إلى التآمر لارتكاب “جريمة إرهابية”، بناء على أدلة عُثر عليها في سيارته. وأوردت الصحف السويدية أن الرجل من أصل “أوزبكي”، وقد تقدم بطلب للجوء ورفض، وله صلات محتملة بإرهابي ستوكهولم ومواطنه رحمت أكيلوف. وفي اليوم نفسه الذي اعتقلت فيه السلطاتُ السويدية المشتبه به -الذي لم يُذكر اسمه بعد في أوسترسوند- أصدرتِ السلطاتُ الألمانية لائحةَ اتهام ضد ثلاثة مواطنين عراقيين، جاءوا أيضًا إلى أوروبا كطالبي لجوءٍ، واعتقلوا بتهمة التخطيط لهجومٍ بسيارةٍ مفخخة، مُستوحى من الأفكار الجهادية. ويبدو أن هذه الحالات تؤكد الآن مخاوف قديمة من تسلل الإرهابيين ضمن تدفقات المهاجرين إلى أوروبا من أجل شن هجمات. ومع ذلك، ولكي نفهم الصورة الأكبر يجب أن نضع هذه الأحداث في سياقها.
تعود التوقعات القائلة بأن تنظيمَ “داعش” أو جماعاتٍ مماثلة، قد تتسلل وسط تدفقات المهاجرين، إلى عام 2014 على الأقل، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. وكان العديد من المراقبين (بمن فيهم كاتب هذا المقال) يشككون في صدقية ذلك في البداية. لكن منذ نوفمبر 2015 بدأ هذا الموقف في التغير عندما اكتشف أن اثنين من المهاجمين في باريس قد جاءا بالفعل إلى أوروبا، وهما يتظاهران بأنهما مهاجران. وفي وقتٍ لاحق، اتضح أن فريق الهجوم بأكمله تقريبًا قد فعل الشيء نفسه، كما فعل أعضاء رئيسيون في الخلية التي نفذت تفجيرات مارس 2016 في بروكسل. ونحن نعلم الآن أن هذه الأمثلة، وغيرها من الأمثلة المعروفة، مثل مهاجمي سوق عيد الميلاد في برلين، أنيس عمري ورحمت أكيلوف، المذكورين أعلاه، كانت مجرد غيضٍ من فيض. ومع ذلك، فلا داعيَ للذعر.
في كتابي الذي صدر مؤخرًا، «التسلل الجهادي لتدفقات المهاجرين إلى أوروبا: الجناة، طريقة العمل والآثار المترتبة على السياسة»، حددت 144 إرهابيًا جهاديًا مزعومًا تسللوا وسط المهاجرين إلى أوروبا في الفترة ما بين عامي 2011 إلى 2018، وناقشتُ تساؤلاتٍ من قبيل: من هم؟ كيف سافروا؟ وما الذي فعلوه بمجرد عبورهم الحدود إلى أوروبا؟ وكيف تم القبض عليهم أو قتلهم؟
وهنا، من الأهمية بمكان ملاحظة أن هذا العدد يمثل أقل بكثير من 1% من العدد الإجمالي للمهاجرين الجدد. ومع ذلك، فهذا العدد أيضًا أكثر بكثير مما توقعه الكثيرون. وقد كان لهؤلاء المتسللين تأثير كبير بالفعل. وهناك مؤشرات عدة على أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، وتُظهر التطورات الأخيرة أن عدد “طالبي اللجوء الإرهابيين” لا يزال في ازدياد. ولحسن الحظ، لدينا الآن صورة أوضح بكثير عن التهديد ومواطن الضعف التي تمكن الإرهابيون من استغلالها. فالأمن، سواء على الحدود الخارجية لأوروبا، أو داخلها، أصبح أكثر إحكامًا بكثير. وفيما يلي ما نعرفه حتى الآن..
- إحصاءات مهمة
بادئ ذي بدء، رغم أن أكثر من اثنتي عشرة دولة أوروبية قد اكتشفت استضافتها ما لا يقل عن إرهابي واحد من طالبي اللجوء، فإن ألمانيا لديها حصة الأسد (أقل بقليل من نصف المجموع المعروف). وبما أن ألمانيا استقبلت أيضًا أكبر عدد من جميع طالبي اللجوء في الآونة الأخيرة، يبدو أن هذه السياسة قد عرّضتها أيضًا إلى مستوى عال من المخاطر. ورغم أن هذا الربط بين الأمرين ليس مثاليًا -ومن المرجح أن يُقابل بقدرٍ كبير من عدم الارتياح- فإنه أمر يجب الاعتراف به. ذلك أن هذا التهديد يتوافق تقريبًا مع تدفقات المهاجرين الأوسع نطاقًا بعددٍ من الطرق الأخرى، بما في ذلك الجنسيات [الأخرى]، فضلًا عن طرق السفر وتوقيته وأساليبه. وتشير الإحصائيات إلى أن السوريين شكّلوا القسم الأكبر من طالبي اللجوء ممن اُكتشف أنهم إرهابيون (بنسبة 40%)، يليهم العراقيون ومواطنو شمال أفريقيا والأفغان. وإضافة إلى معظم المهاجرين غير الشرعيين القادمين حديثًا إلى أوروبا، سافر معظمهم عبر طريق البلقان خلال عام 2015، ويبدو أن الغالبية العظمى منهم قد استخدمت نفس المهربين وخضعت لنفس ظروف السفر الخطرة التي يتعرض لها أي شخص آخر. وببساطة، يمكن القول بأنهم ساروا مع التيار السائد.
بمجرد دخول 61% من طالبي اللجوء، ممن اكتشف ارتباطاتهم بتنظيماتٍ إرهابية إلى أوروبا، يبدو أنهم شاركوا في أنشطة إرهابية، حسبما يُعرف أو يُزعم. وإجمالًا، كانوا مسؤولين عما لا يقل عن اثني عشر هجومًا في ست دول أوروبية (وقتل 182 شخصًا)، فضلًا عن أكثر من عشرين مؤامرة أُحبطت أو أُجهضت، كانت موجهة ضد أهدافٍ في أوروبا، وأربع هجمات كانت موجهة إلى الخارج. وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم داعش هو المنظمة الإرهابية الوحيدة التي استثمرت في “عمليات خارجية” ضد أوروبا. وذلك باستثناءٍ واحدٍ مشكوك فيه، من خلال التسلل وسط المهاجرين. واللافت أن أكثر العمليات التي قامت بها داعش نجاحًا وهي (هجمات باريس وبروكسل) خطط لها وقام بها أوروبيون، حيث وفرت لهم حشود المهاجرين الغطاء المثالي للعودة إلى ديارهم دون أن يتم اكتشافهم. وقد ارتكب معظم الهجمات المتبقية مواطنون أجانب يبدو أنهم تطرفوا بعد وصولهم إلى أوروبا (كما يبدو في حالة العراقيين الثلاثة الذين صدرت بحقهم لوائح اتهام في ألمانيا مؤخرًا).
إضافة إلى التخطيط للهجمات وتنفيذها، شارك ما يقرب من ثلث طالبي اللجوء الإرهابيين في أنشطة دعم “غير عنيفة”، بما في ذلك تعزيز الأيديولوجية الجهادية، والتجنيد، وتسهيل السفر وجمع الأموال. وقد أظهرت نسبة كبيرة من الحالات (58%) شكلًا من أشكال الصلة بالإجرام أو بالتورط فيه، بما في ذلك عمليات التهريب والاتجار بالمخدرات والاحتيال. فعلى سبيل المثال، يُزعم أن عبد السلام تازي وهشام الحنفي قد عملا كمسؤولي تجنيد لصالح لتنظيم داعش، بعد أن طلبا اللجوء في البرتغال في عام 2013. وسافر هذان المغربيان إلى أماكن كثيرة، مستخدمين 47 هوية مختلفة بينهما، وجمعا أكثر من 70 ألف يورو باستخدام الاحتيال ببطاقات الائتمان. وفي الوقت نفسه، فإن رجل الأعمال السوري أنور دادو، الذي طلب اللجوء عن طريق الاحتيال في السويد في عام 2012 وهرب في وقت لاحق من سجن دانماركي، متهم بأنه رئيس شبكة متطورة من المهربين ووسطاء التحويلات المالية. ويُقال إن عصابة دادو قد نقلت أكثر من مليوني يورو، أرسل بعضها إلى جبهة النصرة.
- اكتشاف الإرهابيين المتسللين
وبما أن عمليات مراقبة الحدود قد انهارت بالفعل عندما جاء معظم هؤلاء الأفراد إلى أوروبا، فليس من المستغرب أن نعلم أن عدد طالبي اللجوء الإرهابيين الذين تم إيقافهم على الحدود الخارجية هم تسعةٌ فقط. أما الغالبية العظمى (85%) فتم اكتشافهم داخل أوروبا (بعدما نفَّذ بعضهم هجمات بالفعل). وقد ساعدت الدول الشريكة -وعلى رأسها الولايات المتحدة- وكالاتِ مكافحة الإرهاب الأوروبية في العثور على بعض هؤلاء النشطاء، على سبيل المثال من خلال استخبارات الاتصالات.
وفي حالة الأوزبكي المحتجز مؤخرًا في السويد، يبدو أن تردده وافتقاره إلى الخبرة والمهارة هو الذي أدى إلى اكتشافه. ومن ناحية أخرى، أجهزة الاستخبارات الداخلية هي التي اكتشفت أولًا العراقيين الذين كانوا يخططون لتنفيذ هجمات باستخدام السيارات المفخخة في ألمانيا. ومع ذلك، فإن أهم مصدر وحيد للتحقيقات في مخططات طالبي اللجوء الإرهابيين (الذي يمثل خُمس جميع الحالات على الأقل) هو تلقي بلاغات من أشخاص كانوا على اتصال بالجناة المعنيين. وشمل ذلك الأصدقاء وأفراد الأسرة، ومسؤولي المساجد، والأشخاص الذين يعملون مع المهاجرين، ولكن في أغلب الأحيان، جاءت معلومات سرية من داخل مجتمع المهاجرين.
ورغم مثل هذه الأمور المشجعة، فإن هذا النوع من المساعدة لم يتم من دون مشكلات. ووفقًا لمسؤولي إنفاذ القانون والاستخبارات الألمان الذين تحدثت إليهم، كان هناك عدد كبير جدًا من المعلومات حول طالبي اللجوء، ولم تكن هناك سوى أدلة قليلة جدًا تدعمها، ومن ثم فإن الغالبية العظمى منها لم تؤد إلى أي نتيجة. ويبدو أن الكثير من تلك المعلومات كانت مدفوعة بضغائن شخصية، بل كانت في الواقع تهدف إلى التضليل العمدي أو زائفة تمامًا.
وكثيرًا ما تصطدم التحقيقات في هذا المجال بالتحدي الأساسي نفسه الذي واجه محاولات مقاضاة “المقاتلين الأجانب” العائدين، أي عدم وجود أدلة من مناطق الصراع. ومع ذلك، فإن المشكلة تزداد حدة عند التعامل مع المواطنين الأجانب الفعليين. وفي هذا الصدد، قال أحد المحققين الفيدراليين إن “الأشخاص الذين لم يذهبوا قط إلى أوروبا عادة لا يكون لديهم سجلات جنائية هنا. الأشخاص القادمين من دول [ليس لديها].. مؤسسات فعالة لا يمكن فحص سجلاتهم مع دولهم.. [و] الأشخاص الذين ليس لديهم وثائق قانونية يمكن التحقق منها، قد يقدمون معلومات كاذبة، ومن ثم لا تؤدي عملية التحقق إلى شيء”. وبعبارة أخرى، “نحن نتعامل مع أشخاص لا يمكننا التحقق من سجلاتهم الشخصية”. والنتيجة هي أن الادعاءات، نادرًا، ما تتحول لاتهاماتٍ، وحتى عندما يتم ذلك، فإن النتيجة غالبًا ما تكون غير مضمونة.
- تحديات المواجهة: الحاجة إلى التعاون المؤسساتي المشترك
وبالمثل، ورغم أن تبادل المعلومات بين الوكالات المنوطة بمكافحة الإرهاب قد اعتُرِف به منذ وقتٍ طويل باعتباره تحديًا رئيسًا في هذا المجال، إن لم يكن التحدي الرئيسَ، فإنه يتفاقم بسبب حقيقة أن عددًا كبيرًا من وكالات الهجرة – التي لم تكن تقليديًا جزءًا من استراتيجيات مكافحة الإرهاب- أصبحت تشارك الآن في هذه العمليات ولديها دور مهم تقوم به. وتعليقًا على ذلك، أشار ممثل للإنتربول في عام 2017، إلى أن “الدول التي لا تجري عمليات فحص منهجية للمدرجين على قواعد بيانات الإنتربول كجزء لا يتجزأ من دراستها لطلبات اللجوء” والمعلومات المهمة، مثل قرار رفض اللجوء بسبب التورط في الإرهاب أو الجريمة، لا يتم تقاسم المعلومات معها بشكل منهجي”.
لكن لحسن الحظ، الوضع ليس محبطًا كله. فرغم أن الصفقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وليبيا مثيرة للجدل، فقد خفضت بشكل كبير عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الشواطئ الأوروبية، مما جعل الأمورَ أكثرَ سهولة، مما كانت عليه في السابق. وفي الوقت نفسه، شهدت القدرة على ضبط الحدود الخارجية تحسنًا كبيرًا، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى القوى العاملة الإضافية والخبرات التي توفرها الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل (المعروفة باسم فرونتيكس) واليوروبول، مما يعني أنه يتم تسجيل جميع المهاجرين الوافدين حديثًا وفحصهم بشكل صحيح. وهذا أمر في غاية الأهمية، على خلاف الوضع في السابق، الذي كان يعني أن آلافًا من المهاجرين يتمكنون من دخول أوروبا دون أن يخضعوا للضوابط الأمنية اللازمة. وكما أكد أحد مسؤولي أمن الحدود، فإن الوضع الآن “أفضل بكثير جدًا.. مما كان عليه في ذروة الأزمة في عام 2015”. ومن شأن ذلك أن يزيد من صعوبة اختراق الإرهابيين المعروفين (المسجلين في قواعد البيانات) للحدود الخارجية. كما استثمرت وكالتا فرونتيكس ويوروبول وقتًا وجهدًا كبيرين في تطوير دليل “مؤشرات المخاطر المشتركة” لمساعدة ضباط الخطوط الأمامية في التعرف على المؤشرات المحتملة للتورط في الإرهاب التي قد تستخدم بعد ذلك لإحالة المشتبه بهم، الذين قد لا يكونون مسجلين في أي قواعد بيانات، لعملية تحقق إضافية.
في داخل أوروبا، تعمل أجهزة الشرطة والاستخبارات بشكل أوثق مع وكالات الهجرة، حيث يدرك الطرفان الآن أهمية هذا التعاون. وفي بعض الأماكن، تواصل مسؤولو مكافحة الإرهاب أيضًا بمراكز الاستقبال المحلية ودور إيواء طالبي اللجوء (التي تديرها مؤسسات غير حكومية) من أجل تزويدهم بالتدريب الأساسي الذي يشمل التوعية الثقافية، والسلوكيات المشبوهة التي تستحق الإبلاغ، ومعلومات عن المتطرفين المعروفين الذين ينشطون في المنطقة. ولا شك أن هذا النوع من التوعية يساعد في بناء الثقة، ويوفر للعاملين في مجال الهجرة، في الخطوط الأمامية، أشخاصًا يمكنهم التواصل معهم، في حالة وجود أمورٍ مقلقة.
وقد تعززت هذه الأنواع من المبادرات عبر التغييرات المهمة التي أُدخلت على قواعد بيانات الاتحاد الأوروبي. بداية، مُنحت الوكالات الوطنية الأوروبية لإنفاذ القانون، وكذلك اليوروبول، إمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات اليوروداك (النظام الأوروبي لمضاهاة بصمات الأصابع)، التي تستخدم لتسجيل بصمات المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء. وعلى نفس المنوال، أتيحت لفرونتكس إمكانية الوصول إلى نظام معلومات شنجن الذي يتضمن إشعارات تتعلق بالأشخاص والمركبات وغيرها من الأشياء لأغراض إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب. كما تم تحديث نظام معلومات شنجن للسماح للمستخدمين بإجراء عمليات بحث باستخدام بصمات الأصابع، والآن أصبح إلزاميًا على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إنشاء نظام إنذارٍ في نظام معلومات شنجن لجميع الحالات التي تنطوي على جرائم إرهابية. وبالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء عدد من فئات الإنذار الجديدة، بما في ذلك قرارات العودة وحظر دخول المواطنين الأجانب. وهذه التغييرات، وغيرها من التغييرات التقنية المخطط لها أو الجارية، ستقلص الثغرات التي تمكن الإرهابيون من استغلالها.
- مقترحات للعمل
ومن أجلِ تضييق الخناق على تسلل الإرهابيين وسط المهاجرين في المستقبل، هناك عدد من المجالات الرئيسة التي يجب على أوروبا أن تهتم بها. أولًا، وقبل كل شيء، الحاجة إلى تحسين تبادل المعلومات مع دول المصدر ومراكز المرور العابر خارج الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد، أوضح مسؤول في اليوروبول، أن “ما نحتاج إليه هو المعلومات الاستخبارية.. وكلما كان من الأفضل أن نتعاون ونتبادل المعلومات ونحصل على هذا التعاون، مع هذه الدول الأصلية [التي يأتي الإرهابيون منها]، زادتِ الفرصُ المتاحة لنا لاكتشاف الإرهابيين الذين يأتون إلى الاتحاد الأوروبي وسط تدفقات الهجرة غير الشرعية”.
ورغم أن المفوضية الأوروبية تسعى إلى تحقيق هذا النوع من التعاون بالضبط، فإن تطويره سيستغرق بلا شك بعض الوقت. وهناك أيضًا التحدي الإضافي المتمثل في التعامل مع الدول المعادية أو المتصدعة التي تعاني صراعاتٍ، الأمر الذي يدعو إلى تعزيز تبادل المعلومات بين المؤسسات العسكرية وسلطات إنفاذ القانون. ورغم أنه تبذل حاليًا جهود لمعالجة هذا الأمر، ولكن لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله.
إضافة إلى ما سبق، يجب معالجة تحديات تبادل المعلومات والتعاون داخل الاتحاد الأوروبي. ولذلك يجب على وكالات مكافحة الإرهاب مواصلة السعي لإقامة علاقات عمل أوثق، سواء فيما بينها أو مع مختلف الهيئات المسؤولة عن الهجرة وطالبي اللجوء. ويمكن تيسير ذلك عن طريق تزويد وكالات الهجرة بإمكانية الوصول إلى قواعد بيانات إنفاذ القانون ذات الصلة. فعلى سبيلِ المثال، أوصى الإنتربول بتوسيع نطاق الوصول إلى قواعد بياناته “لجميع السلطات ذات الصلة، بما في ذلك سلطات مراقبة الحدود والسلطات المسؤولة عن فحص طلبات اللجوء”.
وعلى مستوى القاعدة الشعبية، ستكون جهود التوعية -التي ورد وصفها بإيجاز أعلاه- أساسية لتعزيز التعاون في هذه “الظاهرة”، ومن المرجح أن تلعب دورًا جوهريًا أيضًا في تطوير الاستخبارات البشرية المحسنة، التي ثبت أنها حاسمة في الكشف عن الإرهابيين الذين يتخفون في صورة طالبي لجوء. ونظرًا إلى أن معظم هؤلاء الأفراد لا يُكتشفون على الحدود الخارجية، بل داخل أوروبا نفسها (عادة بعد مرور أكثر من عام على وصولهم لأول مرة)، قد يكون هذا الخيار هو الأكثر فعالية المتاح من حيث التكلفة والعائد المتحقق.
علاوة على التدابير الرامية إلى تحسين قدرات اكتشاف طالبي اللجوء الإرهابيين في المقام الأول، هناك حاجة إلى إيجاد سبل أكثر كفاءة وفعالية للتعامل معهم. ففي حالة أنيس عمري، على سبيل المثال، كان متطرفًا عنيفًا معروفًا، وأعرب مرارًا وتكرارًا، عن رغبته في شنّ هجمات وكان على اتصال بعناصر تنظيم داعش في ليبيا. ومن غير المعقول الحاجة إلى الإشارة إلى أن الحقوق الجماعية للمواطنين الأوروبيين ينبغي أن تكون لها الأولوية على حقوق هؤلاء الأفراد. وفي حين أن تعزيز سلطات الاحتجاز الوقائي والترحيل قد يكون مثيرًا للجدل، فإن هناك اعترافًا متزايدًا بضرورة القيام بذلك في بعض الحالات. وحقيقة أن إيطاليا، الدولة التي تستخدم الترحيل بشكل مكثف، لم تتعرض حتى الآن لهجوم جهادي كبير، تشير إلى أن ذلك يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية فعّالة.
ومن ناحيةٍ أخرى، من الضروري أيضًا اتباع أساليب أكثر ليونة. ويبدو أن 16% فقط من طالبي اللجوء الإرهابيين حتى الآن قد تطرفوا داخل أوروبا (الغالبية العظمى منهم كانوا بالفعل منتمين إلى تنظيمات إرهابية)، ولكن عمليات الدعوة للإرهاب داخل الدولة قد تزداد مع مرور الوقت. ولهذا السبب، من الأهمية بمكان الحد من مخاطر الوقوع عُرضة للتطرف قبل أن تتطور.
وفي سياق طالبي اللجوء، فهذا يعني تحسين فرص تعلم لغة الدولة المضيفة، فضلًا عن توفير فرص التعليم والعمل. وكما أشار أحد الموظفين في أحد الدور المخصصة لطالبي اللجوء، “إن الأشخاص الذين يأتون إلى هنا يعانون من ملل قاتل.. لدينا أشخاص كانوا هنا لمدة عام، وآخرون لثمانية عشر شهرًا، ليس لديهم شيء يفعلونه سوى الجلوس أمام الإنترنت”. ورغم أنه لا ينبغي أن تندرج الجهود الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين الوافدين حديثًا، وتعزيز فرص إدماجهم تحت عنوان مكافحة الإرهاب، فإنها يمكن أن تلعب دورًا مهمًا.
وفي حين أن أزمة الهجرة قد انتهت رسميًا، وفقًا للمفوضية الأوروبية، إلا أن الآثار، بما في ذلك صعود المد الشعبوي والإرهاب اليميني، بالإضافة إلى التطرف الجهادي، لا تزال محسوسة. ولا تزال الهجرة الواسعة النطاق إلى أوروبا مستمرة، وهناك سبب كاف للاعتقاد بأنها ستتصاعد مرة أخرى في المستقبل. وبالنظر إلى الصورة الكبرى للوضع، فإن تسلل الجهاديين لهذه التدفقات صغير نسبيًا، ولا ينبغي أن يمثل النقطة المرجعية الأساسية في معالجة قضية الهجرة. لكنه يظل مهمًا. وبدلًا من المبالغة العمياء في المشكلة بدافع الخوف، أو إنكار وجود المشكلة، يجب أن نسعى إلى رصدها وتحليلها باستمرار ومن دون عواطف. الأحداث الأخيرة في السويد وألمانيا، وأماكن أخرى في أوروبا، تذكرنا بأن التهديد لا يزال قائمًا، ولكن لا توجد في الوقت الحاضر أي مؤشرات على أنه في حالة تصاعد، بل تقدم أدلة إضافية على تحسن سجل أوروبا في مجال مكافحة الإرهاب.
* الآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط ولا تمثل بالضرورة موقف الحكومة الأمريكية حيثيعمل ضمن مؤسساتها. من جانبه يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
** أستاذ في مركز آسيا والمحيط الهادئ للدراسات الأمنية في هاواي، وزميل فخري في جامعة ولونجونج، بأستراليا. ويعمل، في وقت إجراء هذا البحث، أستاذًا في دراسات مكافحة الإرهاب في مركز جورج سي مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية، بألمانيا.