أمريتا بهيندر**
تبرز أهميةُ الشراكة الهندية الإماراتية من أوجهٍ عدة، سواء من جهة أبعادها الاستراتيجية، أو توقيتها، وكذلك من كونها تمكِّن البلدين من الاضطلاع بدورٍ رئيسٍ في التصدي للتطرف. وتتشابه الدولتان من وجوه عدّة، لعل أبرزها أن كلتيهما تقدِّم نموذجًا لتعايش الأديان والثقافات في العالم.
في الخطابِ الأول من ولايته الثانية، صاغ رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي في مايو 2019 شعارًا جديدًا أضاف فيه عبارة “ثقة الجميع” إلى الشعار الرئيس لحملته لرئاسة الوزراء، “شراكة الجميع والتنمية للجميع”. وفيما يتعلق بدولة الإمارات، جاء إعلانُ صاحب السمو، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أن عام 2019 سيكون “عامَ التسامح” في دولة الإمارات، ليبرز التزام الدولةِ بترسيخ قيم التسامح والحوار والتعايش، والانفتاحِ على الثقافات المختلفة.
يتعين على دولٍ مثل الهند والإمارات أن تكون مستعدة للحرب، ولكنها حربٌ غير تقليدية. فلقد أصبح العالم اليوم مكانًا مختلفًا، ومن ثم اختلفت الأسلحة أيضًا. لم يعد التهديد الرئيس مصدره جيوش العدو الرابضة على الحدود، بل أصبح التهديد مصدره تسلل الأفراد والأفكار والدعاية، سواء من الفضاء الإلكتروني أو من أي مكان آخر، والتي يمكن أن تزرع الفتنة في النظام السياسي لأي دولة. وفي تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة (ACLED) المعنية برصد النزاعات وتحديد الأزمات، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، تم الكشف عن أن الهند من بين الدول الجديدة التي وجد فيها تنظيمُ “داعش” الإرهابي موطئَ قدمٍ.
تمكن تنظيم داعش الذي يقوده أبو بكر البغدادي، من أن يعيد تجميع صفوفه، ونفَّذ التنظيم، للمرة الأولى، عملياتٍ خارج قاعدته الأساسية في العراق وسوريا، وفاق عدد هذه العمليات ما قام بها داخل دائرة تمركزه الرئيسية. وتتزايد خطورة التهديد الذي تواجهه الهند من هذا التنظيم وتصبح أكثر وضوحًا عندما يتم فحص بعض الحقائق المتعلقة بديموغرافية الهند. إن ما يقرب من 65٪ من سكان الهند البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، هم دون سن 35 عامًا، وحوالي 50٪ أقل من 25 سنة، وتحتضن الهند ثاني أكبر تجمع للمسلمين حول العالم، ومن ثم يصبح الشبابُ الهندي “الوقود” الذي يتطلع المتطرفون إلى السيطرة عليه. وأخذًا في الاعتبار التفوق الاستخباراتي لدولة الإمارات، وتركيزها على التسامح، وقيادتها لحربٍ ضد التطرف، فيمكنها مساعدة دولٍ أخرى في هذه المعركة، ومنها الهند.
لا يأتي خطر التطرف في شبه القارة الهندية من تنظيم داعش فقط، فلقد دعا رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، مؤخرًا جماعة الإخوان المسلمين إلى كشمير، وهي نسخة للتطرف تحتاج أيضًا إلى كبح، خشية أن يصبح خطرًا أكبر من أن يمكن التصدي له فيما بعد.
فمن الأمثلة على التهديدات التي تركت لتفاقم التطرف في الولايات الشمالية في الهند، مانيبور وناجالاند، حيث تحول التطرف إلى حالة يهاجم فيها المتمردون المسلحون قوات الأمن بصورة روتينية. وإحدى الجماعات الرئيسة التي تهاجم الحكومة الهندية بشكل منتظم هو المجلس الاشتراكي الوطني في ناجالاند، الذي يريد إنشاء دولة ثيوقراطية “للمسيح”. ثم هناك حركة خاليستان، التي لا تحظى بدعم كبير بين السيخ الذين تدعي أنها تمثلهم، ولكن القوى الخارجية استخدمتها كأداة لزعزعة استقرار الهند.
إن قوات إنفاذ القانون وإرساء الأمن في الهند قادرة وعادلة. وتتعامل مع المتطرفين، المسلمين والمسيحيين والسيخ والهندوس، دون تفرقة. ففي حملة أمنية في أغسطس 2018، اعتقلت فرقة مكافحة الإرهاب في ولاية ماهاراشترا ثلاثة رجال ينتمون إلى جماعاتٍ هندوسية متطرفة في الولاية. واتُهموا بالتآمر لارتكاب عمل إرهابي. وفي الآونة الأخيرة، أصبح موضوع الإرهاب الهندوسي شائعًا في المناقشات الأجنبية بشأن الهند. وتنتشر التقارير المتعلقة بحوادث ما يسمى بحراس الأبقار والإعدام خارج نطاق القانون على يد الغوغاء في وسائل الإعلام ووجود مساعٍ لإقامة أمة هندوسية. غير أن الحقيقة أكثر تعقيدًا.
أولًا، لا يوجد في الهندوسية مفهوم التحول إلى الدين الهندوسي، وبالتالي فإن الأمر مختلف عن الديانات الأخرى التي تسمح بذلك وتعتبر التحول إليها انتصارًا. ثانيًا، والأهم من ذلك، لا توجد في الواقع هوية “هندوسية” متجانسة. فكلمة “هندوسية” المستمدة من الكلمة السنسيكريتية “Sindhu“، التي هي اسم نهر السند الذي يتدفق عبر الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية، هي في الأساس تسمية جغرافية تشمل جميع السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة. وفي عام 1995، عرّف حكمٌ أصدرته المحكمة العليا في الهند “Hindutva” [هي الشكل السائد للقومية الهندوسية في الهند] بأنها “طريقة حياة”، وهو أمر يختلف عن التعصب الديني الهندوسي الأصولي الضيق.
وإلى جانب هذه النقاط المتعلقة بالطبيعة الدينية في الدولة، لاقت المسألة الأكثر أهمية المتمثلة في قيام بعض الأشخاص بتنفيذ القانون بأيديهم إدانة شديدة من مودي، والسلطات الهندية، وهي ملتزمة بدعم سيادة القانون وحماية حياة وحرية كل مواطن.
مثلها في ذلك مثل جميع الدول، لدى الهند عمل تقوم به، ولكنها تتبنى التسامح واحتضان جميع الفئات كمُثل عليا، مثل الإمارات. وفي ظل تنامي التطرف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول الغرب الديمقراطية، فمن الضروري أن تعزز دول مثل الهند والإمارات روابطها في مختلف المجالات -الاستراتيجية، والاجتماعية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية- حتى يتمكنا من مواجهة الأجندات المتطرفة التي تنشط في مناطق مختلفة من العالم بشكل أفضل. وختامًا، فهناك حاجة ملحَّة لتعزيز هذه الجهود المشتركة، ليس لجعل العالم أكثر أمنًا في الوقت الحالي فقط، بل للأجيال القادمة أيضًا.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
** محاميةٌ هندية شهيرة، وهي كاتبة عمود في المطبوعات الهندية البارزة، كما أنها كاتبة تلفزيونية. لديها 15 عامًا من الخبرة في المجال القانوني. سبق وعملت كمستشارٍ قانوني لمجموعةِ شركاتٍ أمريكية، عندما قررت التخلي عن وظيفتها للقيام بدور نشِط في التغيير الذي تمر به الهند. دخلت في السياسة، وكانت الناطقة الرسمية باسم حزب “بهاراتيا جناتا” الحاكم، وهي حاليًا العضو التنفيذي في الحزب في جناح الشباب.