عين أوروبية على التطرف
توفي رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في 13 مايو، عن عمر يناهز 73 عامًا، وبالتالي حدث ثالث انتقال للسلطة التنفيذية في الاتحاد منذ الاستقلال. الرئيس الجديد هو الأخ غير الشقيق للشيخ خليفة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الرجل الذي يضطلع بدور قوي في سياسة الدولة منذ نحو عقد، لاسيما في السياسة الخارجية، وهو الآن حاكم إمارة أبوظبي، إضافة إلى رئاسة السلطة التنفيذية في الاتحاد.
ماقبل قيام الدولة
في أوائل القرن التاسع عشر، بدأ حكام ما سيصبح الإمارات، التي تشكِّل الإمارات العربية المتحدة، إبرام هدنة في عام 1820 – وبالتالي أصبحت تُعرف باسم “الإمارات المتصالحة”- وصارت محميات بريطانية غير رسمية: ليست مستعمرات بالمعنى الكامل للكلمة، ولكن كانت لندن مسؤولة عن أمنها الخارجي ودخلت الدول في النسيج الأوسع للإمبراطورية البريطانية.
استمر هذا الوضع حتى عام 1971، عندما انسحبت بريطانيا من “شرق السويس” ووقعت الإمارات المتصالحة السبع معاهدة تم بموجبها الاعتراف بها كدولة موحدة ومستقلة. كان أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة المستقلة هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي توفي في عام 2004 وحل محله ابنه الأكبر، الشيخ خليفة.
العصر الحديث
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة تحولًا سريعًا منذ الاستقلال. أضحت دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن الدول العشر الأولى من حيث احتياطيات النفط المؤكدة وإنتاج النفط اليومي. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي الذي كان أقل من 1.5 مليار دولار في عام 1971 إلى أكثر من 350 مليار دولار. وهذا يعني أن اقتصاد دولة الإمارات شهد نموًا يُقدّر بنحو 230 مرة- ليس نسبة مئوية- في الوقت الحالي مما كان عليه قبل نصف قرن. ورغم المخصصات المرصودة للزيادة الهائلة في عدد السكان- من ربع مليون شخص في عام 1971 إلى زهاء عشرة ملايين نسمة الآن- ، ويبلغ عدد مواطني الإمارات الحاملين لجنسيتها قرابة مليون نسمة، وقد ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 5,000 دولار إلى ما يقرب من 38,500 دولار، أي قرابة ثمانية أضعاف.
حافظت دولة الإمارات على روابطها الوثيقة مع الغرب كشريك في الأمن والتجارة، كما يتضح من زيارة دوق كامبريدج، الأمير ويليام، إلى الإمارات بعد فترة وجيزة من وفاة الشيخ خليفة لنقل تعازي الملكة. في عصر يعاني فيه الشرق الأوسط من التعصب والطائفية الدينية، كانت الإمارات رائدة في إيجاد بديل. ففي عام 2019، على سبيل المثال، افتتحت الإمارات بيت العائلة الإبراهيمية، كنيس يهودي وكنيسة ومسجد تحت سقف واحد. واتخذت خطوات أخرى على الصعيد المحلي ضد التطرف، لا سيما حظر جماعة الإخوان المسلمين وتطوير استراتيجيات إعادة تأهيل المتطرفين، خاصة في المؤسسات السجنية. وفي عام 2020، قادت الإمارات، مع البحرين، الطريق للسلام الإقليمي من خلال الاعتراف بدولة إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، ووسعت العلاقات مع الدولة اليهودية منذ ذلك الحين على جبهات متعددة من السياحة إلى التكنولوجيا السيبرانية. وقد انعكس هذا أيضًا في التعازي التي أُرسلت إلى أبو ظبي بعد وفاة الشيخ خليفة: فقد نعى بابا الروم الكاثوليك فقدان زعيم أظهر “قيادة متميزة وبعيدة النظر” و “التزامًا بقيم الحوار والتفاهم والتضامن بين الشعوب والتقاليد الدينية”.
في أعقاب الربيع العربي، حيث شهدت العديد من الدول الإطاحة بحكامها الذين ظلوا في الحكم لفترات طويلة وتولي جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلامويين، تصدرت الإمارات جهود احتواء هذا التطرف، خاصة من خلال الانضمام إلى البحرين والمملكة العربية السعودية ومصر لتجريم تنظيم الاخوان المسلمين وعزل الانظمة العربية الداعمة للإسلامويين. علاوة على ذلك، برزت الإمارات كلاعب قوي في التحرك المباشر ضد الإرهابيين الإسلامويين، سواء كانت جهات فاعلة غير حكومية مثل تنظيم القاعدة وداعش، أو جمهورية إيران الإسلامية الثورية، ما جعل الأمريكيين يطلقون عليها “إسبرطة الصغيرة” نظرًا لجهودها الضخمة على هذه الجبهات.
لقد لعب الرئيس الجديد أدوارًا مهمة في كل هذه التطورات. وفي الوقت الذي يلج فيه العالم حقبة ربما أكثر غموضًا من العقد الماضي، في ظل غزو روسيا لأوكرانيا الذي يزعزع استقرار أسواق الغذاء العالمية، فضلًا عن إثارة التساؤلات بشأن سلامة الدول الصغيرة والمعايير التي تحظر استخدام الإرهاب كأداة لسياسة الدولة، تبرز الإمارات كشريك مهم للأمن العالمي.