أثار الانفجار المأساوي الذي وقع في العاصمة اللبنانية؛ بيروت، الأسبوع الماضي، العديدَ من ردود الفعل في منطقة الشرق الأوسط، وما وراءها. وقد تعهدتِ العديد من الدول، وبدأ جزءٌ منها بالفعل في تقديم التبرعات، بتقديم أنواعٍ أخرى من المساعدة. من جانبه، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان، وسار بشجاعة بين الحشود الغاضبة في شوارع بيروت، ووجدهم يطلبون من بلاده استعادة الانتداب لإنقاذهم من الطبقة السياسية الفاسدة، التي دمرت مدينتهم مرة أخرى. هذه الحقيقة الأخيرة، وهي المسؤولية التي يتحملها كادر القيادة اللبنانية عما حدث، تشير إلى اعتبار مهم يجب ألا نغفل عنه في هذه اللحظة العاطفية، ألا وهي المخاطر التي ينطوي عليها ضخ المال في لبنان.
من فرنسا وصولًا إلى أستراليا، وعدت العديد من الدول بتقديم مساعداتٍ مالية للبنان. ووعد رئيس الوزراء حسن دياب بإجراء انتخابات مبكرة في 8 أغسطس، بعد أربعة أيام من الانفجار، في ظلِّ حالة الغليان التي تجيش في صدور السكان، واحتلال المتظاهرين للعديد من الوزارات واشتباكهم مع قوات الأمن، ناهيك عن الهجمات على المنشآت الدبلوماسية اللبنانية في الخارج. والسؤال: متى سيتم إجراء هذه الانتخابات؟ وتحت أي ظروف؟ وما الحلول المتوقعة في حال تولي النظام ذاته والشخصيات نفسها؟
جميع هذه الأسئلة غير واضحة. لكن مثل هذه الانتخابات قد تكون بمنزلة “ورقة توت” لتبرير تقديم المال لأولئك الذين يطلق عليهم تأدبًا اسم “الحكومة اللبنانية”. وهذا هو الخطر الأول، الأخلاقي والعملي: ضخ الأموال في نظام خلق هذه الأزمة، ومن ثم المساعدة على إدامته.
الخطر الواضح الآخر يتعلَّق بحزب الله، الامتداد اللبناني للحكومة الثورية الإسلامية في إيران التي تسيطر بحكم الأمر الواقع على لبنان. حزب الله مُدرج على قائمة المنظمات الإرهابية لدى معظم الدول الشرق أوسطية والغربية، وبالتالي فإن تحويل الأموال إليه جريمة.
كانت محاولة الالتفاف حول هيمنة حزب الله على لبنان هي القوة الدافعة وراء النقاش الدائر في الدول الغربية، وأغلبها دول الاتحاد الأوروبي، حول ما إذا كان تصنيفه كمنظمةٍ إرهابية ينطبق على الحزب بأكمله أم مجرد “الجناح العسكري” له فقط.
هذا التمييز بين العمل العسكري -الذي يسميه حزب الله “الجهاد” أو “أنشطة المقاومة”- والعمل السياسي غير موجود في الواقع داخل حزب الله. وكما أوضح نائب زعيم الحزب، نعيم قاسم، فإن الحزب هو “هيكل هرمي” حيث تصدر كافة التعليمات من الأمين العام حسن نصر الله1. ويبدو أن هذا النقاش يقترب من نهايته، حيث كانت ألمانيا أحدث دولة تغير قانونها ليعكس الواقع. والاستثناء الغريب هو أستراليا، فعلى الرغم من المستويات المكثفة جدًّا من نشاط حزب الله الإجرامي والإرهابي، فإن الحكومة لا تصنف سوى التنظيم الأمني الخارجي، وهو خط قانوني فاصل يكاد يكون صعبًا جدًّا مراقبته من الناحية النظرية، كما هو من الناحية العملية.
وفي حين أن النقل غير المقصود للموارد إلى حزب الله يشكِّل مصدر قلق، هناك أيضًا قلق من أن تستغل الجهات الفاعلة هذا الوضع لتزويد حزب الله عمدًا بالموارد، تحت غطاء المساعدات الإنسانية. وكان بنجامين فينتال، وهو زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والصحفي جوناثان سباير، قد أفادا في شبكة “فوكس نيوز” الأسبوع الماضي أن “مقاول أمن خاص”، يدعى جيسون ج. تمكن في ألمانيا من جمع ملفٍ وصل إليه حول “صفقة شراء الأسلحة في قطر كجزء من عملية تجسس على ما يبدو”، يفيد بأن أحد أعضاء النظام الحاكم في قطر قد “موّل شحنات أسلحة” إلى حزب الله.
واللافت هو الآلية التي نُفِّذَ بها هذا التمويل: “وفقًا للملف، قدَّمت جمعيتان خيريتان قطريتان أموالًا نقدية لحزب الله في بيروت “تحت ستار الغذاء والدواء”. وذكر أن المنظمتان المشاركتان هما جمعية الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، ومؤسسة التعليم فوق الجميع”. لذا، ينبغي أن تخضع مشاركة هذه الجمعيات الخيرية القطرية وغيرها من المؤسسات الخيرية للتدقيق.
“أكد جيسون ج. الذي عمل لصالح أجهزة استخبارات مختلفة، لشبكة فوكس نيوز أن كبار مسؤولي الاستخبارات الألمانية ينظرون إلى ملفه على أنه صحيح ووثيق الصلة”، ويقول الصحفيان إنهما “تحققا” بأنفسهما من الملف. كما أن هذا التقرير يتَّسِق مع نمط أوسع من السلوك القطري.
فعلى سبيل المثال، أثارت الجمعيات الخيرية في قطر مشكلات في أماكن أخرى، لا سيما في سوريا والسودان، حيث اتُهمَت بالتعاون مع المتطرفين والترويج للتطرف. كما أن صلات قطر بحزب الله وغيره من الميليشيات الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني موثقة توثيقًا جيدًا.
ففي منتصف عام 2017، دفعت قطر قرابة مليار دولار لبعض الميليشيات الطائفية الأكثر خبثًا التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق والجهاديين السنة في سوريا كجزءٍ من صفقة فدية. ولدى قطر سجل في استخدام مدفوعات الفدية كغطاء لتوجيه الأموال إلى المتطرفين.
في أوائل عام 2018، تحركت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطلب من قطر وقف أنشطتها فيما يتعلق بحزب الله والحرس الثوري الإيراني بشكل عام بعد أن كشفت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن كبار المسؤولين القطريين كانوا على علاقة وديّة مع قادة الإرهاب الإيراني، بمن فيهم حسن نصر الله والراحل قاسم سليماني، الذي قاد العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
هذا السلوك القطري المتهور، الذي يهدِّد أمن واستقرار المنطقة، هو الذي دفع المجموعة الرباعية العربية لمكافحة الإرهاب إلى مقاطعة الدوحة في عام 2017، التي أظهرت بعض النجاح في الحد من قدرة قطر على خلق المتاعب في جميع أنحاء المنطقة، على الرغم من أنه، كما تشير هذه التقارير الأخيرة، لا يزال هناك عمل يجب القيام به. وفي هذا الوقت الحرج الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وضع سياسة لاحتواء جمهورية إيران الإسلامية، وتستخدم طهران الميليشيات التي يديرها الحرس الثوري الإيراني لقتل الأمريكيين في القواعد العسكرية، يثير الدعم القطري لهذه الميليشيات سؤالًا مثيرًا للقلق حول مدى حكمة وسلامة قرار الولايات المتحدة الاحتفاظ بقواتها في قاعدة “العديد” في الدوحة.
وختامًا، فهذا هو الوقت لمساعدة اللبنانيين على تضميد الجراح؛ الجراح الجسدية لشعبهم وعاصمتهم، وسياستهم المنقسمة. ومن شأن السماح للقوى الخارجية ذات الأجندات الخبيثة بالاستفادة من هذا الوضع أن يضر بهذه المساعي الحميدة. لذا، يجب أن تكون هناك شفافية في المساعدات التي تحتاج إليها بيروت بشدة.
المراجع:
[1] Qassem, N. [2005]. Hizbullah: The Story from Within, translated by Dalia Khalil, pp. 125-31