في الأسبوع الماضي، شهدت مصر هجومين إرهابيين كبيرين. بعد فترةٍ بدَت فيها مصر قادرةً على دحر التمرد الجهادي في سيناء، يبدو أن المد يتحوّل في الاتجاه الآخر، مع اكتساب تنظيم داعش زخمًا جديدًا في شبه جزيرة سيناء.
الهجمات الأخيرة
هاجم ما يُسمى تنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش في 7 مايو نقطة تفتيش تابعة للقوات المصرية التي تحرس محطة ضخ مياه في بلدة القنطرة في ولاية الإسماعيلية، شرق قناة السويس، حيث أسفر الهجوم عن مقتل أحد عشر جنديًا وإصابة خمسة آخرين. وقد تبنى داعش مسؤوليته عن الهجوم في اليوم التالي عبر وكالة أعماق للأنباء.
أحدث الهجوم موجة غضب واسعة النطاق في مصر، حيث شارك الآلاف من الأشخاص في تشييع جنازات الجنود في 8 مايو. وكان هناك رد فعل دولي على الهجوم أيضًا، حيث أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بيانًا قال فيه: “تدين الولايات المتحدة الهجوم الإرهابي الذي وقع اليوم في سيناء، واستهدف أفرادًا من الجيش المصري. على مدى عقود، كانت الولايات المتحدة ولا تزال شريكًا قويًا لمصر في مواجهة الإرهاب في المنطقة”.
في أعقاب الهجوم، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتماعًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة للتباحث مع كبار المسؤولين العسكريين حول عواقب الهجوم. علاوة على ذلك، طارد الجيش المصري المهاجمين في منطقة نائية في شمال سيناء.
بعد أربعة أيام، أي في 11 مايو، قُتل خمسةُ جنودٍ مصريين آخرون، وجُرح سبعة آخرون في هجوم في سيناء. وأعلن الجيش المصري أنه قتل سبعة جهاديين في الهجوم. ورغم أنه لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها على الفور عن الهجوم، فإن الجاني المحتمل هو داعش. الجدير بالذكر أن الهجوم وقع بينما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يجتمع مع الرئيس السيسي. وفي 9 مايو، التقى السيسي بالجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث قدمت الولايات المتحدة مرة أخرى دعمًا قويًا وفوريًا لمصر بعد هذه الفظائع.
اتجاه يتشكَّل في الأفق
تجدر الإشارة إلى أن التمرد الجهادي في سيناء بدأ يتشكَّل منذ أوائل عام 2013، عندما كانت حكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي في السلطة. ومنذ وصوله إلى السلطة في يونيو 2012، احتضن مرسي حركة حماس، فرع الإخوان الذي يحكم غزة، على الرغم من السمعة السيئة وغيرها من التكاليف التي جلبها ذلك إلى نظامه الوليد. في ظل عدم إعطاء الإدارة المصرية الأولوية لمحاصرة الشبكات الإجرامية والإرهابية التي تغذِّي حماس من سيناء، بدأت هذه الشبكات تتمدد وتُشكِّل تحديًا أمنيًا داخل مصر.
في خضم الفوضى التي أحاطت بسقوط مرسي في منتصف عام 2013، تمدد التمرد أكثر مع تحوّل متطرفي الإخوان الساخطين إلى العنف في محاولة للإطاحة بالحكومة الجديدة. ومما زاد من تفاقم هذه المشكلة، أن داعش أعلن عن إنشاء “ولايته” في سيناء في عام 2014، ما أدّى إلى استيعاب الجهاديين المحليين وتشجيعهم. كاد الإرهاب يصل حتى إلى القاهرة بحلول صيف عام 2015، وربما وقع الهجوم الأكثر فظاعة داخل مصر في الذاكرة الحديثة في 31 أكتوبر 2015، عندما أسقط داعش طائرة ركاب روسية فوق سيناء، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصًا.
ومع وصول “الخلافة” المزعومة إلى أوج قوتها خلال هذه الفترة، ناضلت مصر للسيطرة على التمرد في عام 2016. وبحلول فبراير 2018، عندما أطلق الجيش المصري عملية تطهير ضخمة في دلتا النيل، وعملية نظيرة على طول الحدود الغربية مع ليبيا، التي تعاني حالة من الفوضى بسبب الوجود الكبير لداعش المستمر حتى يومنا هذا، أصبح التمرد في سيناء مشكلة صغيرة بالمقارنة مع ليبيا. في الفترة الفاصلة، إلى جانب التحسينات في التكتيكات والمعدات المصرية في معركة سيناء -وإعادة فرض الحصار على غزة- حدث تطوران خارجيان ساعدا القاهرة: أولًا، مقاطعة قطر وعزلها من قبل دول الخليج، التي قطعت الدعم السياسي والاقتصادي للجماعات الإسلاموية في جميع أنحاء المنطقة، وثانيًا، الدعم المتصاعد من إسرائيل الذي أسهم في قتل المئات من جهاديي داعش.
انتهت سنوات السلام النسبي الأربع في يناير 2022، عندما بدأت موجة جديدة من نشاط تنظيم داعش في سيناء في جذب الانتباه. ففي البداية، كانت الهجمات في الغالب محدودة، عبارة عن هجمات إرهابية صغيرة ضد منشآت الدولة وقواتها، وموجة من عمليات الاختطاف التي تهدف بوضوح لإعادة ملء خزائن داعش المستنفدة. وكان هناك بعض الأمل في أن يؤدِّي مقتل “خليفة” داعش، أمير محمد المولى (أبو إبراهيم الهاشمي القريشي)، في أوائل فبراير 2022 إلى تعطيل هذا الانتعاش، لكن ذلك لم يحدث.
في شمال سيناء، على وجه الخصوص، حيث نجح الجيش المصري في القضاء على كبار قادة داعش، وبدأ يعزز سيطرته بحلول أواخر عام 2021، بدأ داعش يستجمع قوته، ويصبح قادرًا على استخدام المنطقة كقاعدة لاستعراض قوته في مناطق أخرى في مصر. من ناحيةٍ أخرى، دعت القيادة الجديدة للتنظيم إلى تصعيد الهجمات العالمية، وبدأ سريعًا في القيام بذلك، من أفغانستان إلى غرب إفريقيا.
مصر مُعرّضة لهذه الحملة الجديدة، لأن داعش جعل إفريقيا محورًا رئيسًا لعملياته ويتمتع بوضع جيد في القارة، في ظل وجود العديد من الدول الضعيفة المجاورة لمصر، ليبيا في الغرب، والسودان في الجنوب، وفي منطقة الساحل على نطاق أوسع.
لا يخفى على أحد أن الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر شهر فبراير تسبب في تعطيل الإمدادات الزراعية العالمية، ومصر مُعرّضة بشكل خاص لتداعيات الأزمة؛ لأنها تعتمد بشكلٍ كبير على القمح المستورد لإنتاج الخبز الذي تدعمه الدولة. وبالتالي، فإن نقص توافر الخبز في مصر يمثل مسارًا أكيدًا للاضطرابات السياسية.
وفي ظلِّ تنامي التهديد الإرهابي، لا تستطيع مصر تحمّل عدم استقرارٍ داخلي من هذا النوع. لذا، فمن الأهمية بمكان أن يجد المجتمع الدولي سياسة متكاملة لمصر تخفف من حدة الآثار الاقتصادية الناجمة عن تراجع إمدادات الحبوب الدولية، وينسق سياسة أمنية إقليمية للحد من التهديد الإرهابي الذي يتصاعد في جميع أنحاء شمال إفريقيا. ونظرًا لأن مصر دولة يبلغ عدد سكانها تسعين مليون نسمة، وتسيطر على واحدة من الممرات الملاحية الاستراتيجية المؤثرة في الاقتصاد العالمي، فمن غير المقبول من منظور إنساني أو استراتيجي السماح بانهيار خطير في الدولة.