جيوفاني جياكالوني*
في 31 يناير 2023، احتجزتِ السلطات الإيطالية مواطنين تونسيين اثنين، هما نبيل غرسلاوي، 51 عامًا، ونبيل البوعزاوي، 28 عامًا، بعد تحقيقٍ أجراه قسم مكافحة المافيا في أنكونا، بالتنسيقِ مع مكتب المدعي العام في ماشيراتا، وأجراه قسمُ التحقيقات العامة والعمليات الخاصة في روما وماشيراتا. ولا يزال مواطنٌ تونسي ثالث، مطلوب من قبل السلطات، حرًا طليقًا.
أسفرتِ العملية المُسماة “الأحذية المبللة” عن 44 عملية تفتيش، لـ 18 مشتبهًا بهم لارتكابهم جرائم مختلفة و26 شخصًا آخرين تبيّن أنهم مرتبطون بالشبكة الإجرامية بصفات مختلفة. الأفراد المقبوض عليهم متهمون بتكوين عصابةٍ إجرامية تهدف إلى تسهيل الهجرة غير الشرعية.
وفقًا للمحققين، فإن المشتبه بهم الثلاثة، بفضل شبكة قوية من المتواطئين (التي تشمل أصحاب أعمال ومسؤولين عموميين أجانب ومحليين على حد سواء)، شكّلوا عصابة إجرامية متورّطة في الهجرة غير الشرعية للأجانب -معظمهم من شمال إفريقيا- الذين يصلون إلى سواحل صقلية. قدمت الشبكة الدعم اللوجستي اللازم والغطاء للحصول على الوثائق المطلوبة لتسهيل حركتهم في جميع أنحاء منطقة شنجن.
يأتي هذا التحقيق بعد عمليةٍ سابقة أطلقت في عام 2018 باسم “موزاييكو” نفَّذها قسم التحقيقات العامة والعمليات الخاصة بروما في أعقاب الهجوم الإرهابي في 19 ديسمبر 2016 في برلين الذي نفّذه الإرهابي التونسي أنيس العامري. في ذلك الوقت، اعتقلت السلطات الإيطالية أربعة مواطنين تونسيين آخرين ينتمون أيضًا إلى عائلة البوعزاوي، وجميعهم متهمون بتزوير بطاقات هوية لتسهيل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بما في ذلك تلك التي استخدمها أنيس العامري.
المثير للاهتمام أن وثائق المحكمة المتعلقة بعملية “الأحذية المبللة” تُشير إلى أن أسماء خمسة أعضاء آخرين من عائلة البوعزاوي، جميعهم يقيمون في إيطاليا، قد ظهرت أثناء التحقيق.
ومن الأهمية بمكان أيضًا التذكير بأن مدينتي أنكونا وماشيراتا في وسط إيطاليا كانتا بالفعل موضع تحقيقاتٍ متعلقة بالجهاديين. على سبيل المثال، عاش المواطن التونسي نور الدين شوشان، عضو في جماعة “أنصار الشريعة”، وساعد في التخطيط لإطلاق النار على شاطئ سوسة، والهجوم على متحف باردو في عام 2015، عاش في مدينة أنكونا بين عامي 2011 و2012 قبل الحصول على تصريح إقامة، والانتقال إلى شمال إيطاليا.
خلال ذلك الوقت، تتبع المحققون شوشان إلى بورتو ريكاناتي في مدينة ماشيراتا، حيث أقام في فندق هاوس، في مبنى في حالةٍ يرثى لها (يُسمى أيضًا “الحي اليهودي العمودي”) معروف بالفعل للسلطات باستضافته أفرادًا متورطين في نشاط جهادي. قتل شوشان في فبراير 2016 في غارة جوية أمريكية على معسكر تدريب جهادي تونسي في صبراتة، ليبيا.
تسلل الجهاديين
تمكّن العديد من الجهاديين الآخرين من دخول أوروبا من خلال استغلال تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يسافرون من سواحل تونس وليبيا إلى إيطاليا. على سبيل المثال، وصل إبراهيم العويساوي ، الإرهابي التونسي الذي قتل في 29 أكتوبر 2020 ثلاثة أشخاص (قطع رأس واحد) في نيس، إلى جزيرة لامبيدوزا الصقلية على متن سفينة قبل شهر واحد، ثم أمضى 14 يومًا على متن سفينة الحجر الصحي “رابسودي”، قبل إطلاق سراحه في ميناء باري في 9 أكتوبر2020.
قبل إطلاق سراحه، أخذت السلطات الإيطالية صورة رسمية للعويساوي، وسلمته أمر خروج يتطلب منه مغادرة إيطاليا في غضون سبعة أيام. وكشفت السلطات الفرنسية أن العويساوي لم يكن يحمل أي أوراق هوية معه عندما أطلق عليه الرصاص، لكنه كان يحمل وثيقة باسمه صادرة عن الصليب الأحمر الإيطالي. ورحَّلت السلطات تونسيًّا آخر، يُدعى مروان الكرومي، من إيطاليا بسبب صلاته بخلايا إرهابية بعد وصوله إلى لامبيدوزا على متن قارب.
هناك أفراد آخرون محتجزون بتهمة الإرهاب، مثل المواطنين الغامبيين سيلا عثمان، وألاجي توراي (اللذين شاركا في تدريبٍ عسكري في معسكر متنقل للجهاديين في ليبيا، وكانا مستعدين لتنفيذ هجماتٍ في أوروبا)، ومحسن عمر إبراهيم المُكنّى “أنس خليل” (اعتقل في باري في ديسمبر 2018 أثناء التخطيط لتفجير الكنائس خلال عيد الميلاد) وزاهير حسن محمود، باكستاني أصاب أربعة أشخاص خارج مبنى مقر شارلي إبدو القديم في 25 سبتمبر 2020، مروا جميعًا عبر إيطاليا بعد وصولهم إلى أراضيها بشكلٍ غير قانوني.
بالإضافة إلى ذلك، في 13 أغسطس 2018، أوقفت السلطات التونسية مجموعةً من تسعة جهاديين كانوا يستقلون زورقًا مطاطيًا مع عشرات المهاجرين الآخرين، جميعهم متجهون إلى ساحل صقلية. وبعد شهرين، تم التعرف على تونسي يبلغ من العمر 25 عامًا وصل إلى لامبيدوزا في يوليو، وكان ضيفًا في نقطة ساخنة محلية، من قبل مواطنه الذي أبلغ السلطات عنه كمقاتل سابق في داعش في سوريا.
تحذيرات لم تجد آذانًا صاغية
قبل ثلاث سنواتٍ، في مايو 2015، حذَّرت السلطات الليبية من أن داعش قد يستخدم التدفُّق غير الشرعي للمهاجرين من سواحل شمال إفريقيا لتهريب الجهاديين إلى أوروبا، لأنه لن يكون في مقدور الشرطة التمييز بين الإرهابي واللاجئ. وكان وزير الإعلام في حكومة طبرق، عمر الجواري، قد حذّر من أن إيطاليا ستشهد وصول، ليس فقط اللاجئين من إفريقيا، بل إرهابيين أيضًا.
بعد أيامٍ قليلة من هذه التصريحات، ادّعى وزير الخارجية الإيطالي السابق باولو جنتيلوني أن المخابرات الإيطالية قلّلت من خطر تسلّل الجهاديين عبر القوارب غير الشرعية، مشيرًا إلى أن السلطات في ليبيا (طرابلس وطبرق) تستغل ظاهرة الهجرة غير الشرعية للضغط على أوروبا. لسوء الحظ، كانت السلطات الليبية على حق، وتمكن عدد كبير من الجهاديين من التسلّل إلى أوروبا من خلال تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
الغريب أنه على الرغم من كل الشبكات الجهادية التي استخدمت إيطاليا كمركز، وعلى الرغم من استهداف الدولة في كثيرٍ من الأحيان من قبل التنظيمات الجهادية، بسبب الفاتيكان الذي يمثل مركز الكاثوليكية، لم تستهدفها أبدًا هجمات مثل تلك التي وقعت في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا والمملكة المتحدة.
وفقًا لبعض المحللين، يُعزى ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن إيطاليا تُستخدم كجسر بين إفريقيا وأوروبا، ما يعني أن تنفيذ هجمات على الأراضي الإيطالية من شأنه أن يُعرّض هذا الممر الحيوي للخطر. وفي حين يجب تطبيق القاعدة نفسها على إسبانيا أيضًا، فقد تعرّضت، مع ذلك، للهجوم.
إن غياب الهجمات الإرهابية عن الأراضي الإيطالية ليس مؤشرًا على استراتيجية وقائية متفوقة من قبل الأجهزة الأمنية. وبغض النظر عن مدى فعاليتها، هناك دائمًا فرصة لحدوث شيءٍ ما. أولئك الذين يعملون في مجال مكافحة الإرهاب يعرفون ذلك جيدًا. خُذ إسرائيل مثلًا. فعلى الرغم من صغر حجم الدولة وجهازها الأمني القوي والشامل، ما يزال الإرهابيون يستطيعون تنفيذ هجمات. ولذلك، فإن الوضع الفريد لإيطاليا يستحق مزيدًا من الدراسة.
الحاجة إلى استراتيجيات جديدة
بعد الهجوم الذي استهدف مدينة نيس في 29 أكتوبر 2020 مباشرة، نشرت صحيفة “الجارديان” مقالًا يشير إلى كيف ذكرت وكالة “يوروبول”، في تقريرٍ نُشر في وقتٍ سابق من ذلك العام، أنه لا توجد مؤشرات على الاستخدام المنهجي لـ”الهجرة غير النظامية” من قبل التنظيمات الإرهابية.
ومع ذلك، فلا يبدو أن مثل هذه البيانات تعكس الواقع. فماذا تعني كلمة “منهجية”؟ هل وفقًا لخطة أو نظام ثابت؟ إذا كانت الإجابة بنعم، كم عدد الحالات المطلوبة لتصنيف الظاهرة على أنها “منهجية”؟ ألم يكن هناك ما يكفي من حالات وصول الجهاديين بشكلٍ غير قانوني إلى أوروبا، وتنفيذ هجمات لوصف الظاهرة بأنها خطر جسيم على الأمن؟
لقد تغيّر وجه الإرهاب. إنه ظاهرة دينامية تتكيّف مع الأوضاع والبيئات الجديدة، وقد أثبت ظهور داعش ذلك بوضوح. في أوائل شهر يناير، شرح كريستيان ريكوس إشبيلية، المتخصص الإسباني في التمرد والتنظيمات الجهادية، ببراعة كيف تستغل التنظيمات الإرهابية ضعف المهاجرين الأفارقة، إما عن طريق تجنيد الأفراد في إفريقيا، وتسهيل دخولهم إلى أوروبا، وإما عن طريق تطرف أولئك الموجودين بالفعل على الأراضي الأوروبية. وقد أعادت صحيفة “جيروزاليم بوست” نشر المقال.
تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا وإسبانيا تقعان بالفعل على خط المواجهة، وهما أول معاقل دفاع لأوروبا من تسلّل الجهاديين. وفي 4 مارس 2023، حذّر جيامبييرو ماسولو رئيس “معهد الدراسات السياسية الدولية” من تسلّل الجهاديين من تونس، من خلال تدفق المهاجرين غير الشرعيين: “يُنظر إلى تونس بشكلٍ متزايد على أنها نقطة ضعف، وبالتالي، تأتي منها كل من الاتجار بالبشر والظواهر المحتملة للإرهاب الجهادي. وهذا غير مقبول بالنسبة لنا، لأنه له تأثير مباشر على أمن بلدنا، ليس بلدنا فقط” بل البلاد الأخرى.
وفي الأشهر القليلة الماضية، ازداد تدفق المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الإفريقية نحو إيطاليا زيادة كبيرة، وحتى الآن، لم تبذل الحكومة الإيطالية المنتخبة حديثًا، بقيادة جيورجيا ميلوني، جهودًا كافية للحدِّ من هذه الأزمة.
الجدير بالذكر أنها عندما كانت لا تزال زعيمة للمعارضة، كثيرًا ما دعت ميلوني إلى فرض حصار بحري على السواحل الإفريقية، ولكن مثل هذه الإجراءات القوية لم تُعتمد بعد. ولا يزال المهاجرون غير الشرعيين يواصلون العبور، ما يمنح الإرهابيين المزيدَ من الفرص للتسلّل إلى أوروبا.
إن الوجود المتزايد للجهاديين في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، لا يؤدي إلا إلى تفاقم المخاوف. وما يزيد الأمر سوءًا هو أنه لا توجد إحصاءات موثوقة حول عدد الجهاديين الذين دخلوا أوروبا بالفعل.
* محلل بارز في الفريق الإيطالي لقضايا الأمن والإرهاب وإدارة الطوارئ بالجامعة الكاثوليكية في ميلانو، ومركز بحوث الدين الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له. ومنسق فريق “مجموعة أمريكا اللاتينية” التابعة للمعهد الدولي لدراسة الأمن.