واثق واثق*
في ظلِّ سيطرة طالبان على أفغانستان، والانتعاش الوشيك لتنظيم القاعدة الذي يتنافس مرةً أخرى ليصبح زعيم الجهاد العالمي العابر للحدود الوطنية، بعد أن هدد فرعه، تنظيم داعش، بالتغلب عليه قبل نصف عقد، ربما حان الوقتُ لإعادة النظر في الهدف من ملاحقة قادة التنظيمات الإرهابية.
لا شكَّ أن القيادة أمر بالغ الأهمية إن لم يكن أساسيًا في تشكيل أي منظمة، وبقائها، وفي عددٍ قليل من الحالات، انهيارها أيضًا. لذا، فعندما يتعلق الأمر بالمنظمات الإرهابية؛ مثل تنظيمي القاعدة وداعش، فلا عجب أن تعتقد الحكومات وصناع السياسات أن التخلص من قيادة تلك المنظمات -من خلال الاغتيال أو الأسر أو دعم القضاء عليها طوعيًا- هو أحد الخيارات الأكثر جاذبية في التصدي للتهديد الإرهابي الذي تشكله. ولكن في حين أن القيادة تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل التنظيمات الإرهابية، فإنها ليست بالضرورة كذلك في استمرارها.
في هذا الصدد، درس الأكاديميون في مجال مكافحة الإرهاب هذه النقطة بالذات لعددٍ من السنوات. اختبر الأكاديميان الأمريكيان دانيال ميلتون وبراين برايس تجريبيًا كيف أن العلاقات الخارجية لتنظيمٍ إرهابي تحدد تأثير “قطع رأس القيادة” على طول عمره. وقد تحقق ذلك من خلال الجمع بين مصدرين للبيانات؛ الأول هو البيانات المتعلقة بالضربات التي استهدفت قطع رؤوس قادة الإرهاب، والثاني من خلال النظر في خصائص هذه التنظيمات وتواريخ نهايتها.
خلص المؤلفان إلى أنه في حين أن المنظمات الإرهابية يمكن أن تعاني فقدان قادتها، وزيادة احتمال فشلها، فإن فعالية تأثير التكتيك ستنخفض إذا كان لدى المنظمات شبكة علاقات قوية. وهذا بالطبع أمرٌ مثير للقلق، لا سيما في حالة عودة تنظيم القاعدة إلى الظهور في أفغانستان التي تحكمها طالبان.
والآن وبعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان التي كانت تمنع الهجمات الإرهابية، ما هي أدوات السياسة المتاحة التي تركِّز بشكل أقل على قيادة تنظيم القاعدة، وأكثر على الشبكة الأوسع نطاقا؟ الإجابة الأكثر سهولة هي أن إضعاف طالبان من المحتمل أن يسهم في إضعاف تنظيم القاعدة. ولكن هذه لن تكون مهمة سهلة. فلقد أعلنت حركة طالبان بالفعل أن الدولة أصبحت “إمارة أفغانستان الإسلامية”، ما يفتح الباب أمام تنظيم القاعدة الذي تأثر بالسلفيين الجهاديين للدخول مباشرة والمتابعة من حيث توقف. علاوة على ذلك، فإن حركة طالبان قد تصبح أيضًا -بحكم سيطرتها الفعلية الآن- عضو في لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، وهي مفارقةٌ صارخة.
في ظلِّ القوة المتصاعدة لطالبان كل يوم من المرجح أنه، في مرحلةٍ ما، لن يكون أمام الدول المجاورة خيار سوى العمل معها. والواقع أن الجانب الأكثر إثارة للقلق في هذا الأمر هو أن تنظيم القاعدة سوف يحظى “بدعم دولة”، إمارة أفغانستان الإسلامية، وهو ما يشير، وفقًا لميلتون وبرايس، إلى زيادة قدرته على الاستمرار والتحمل مع قدرٍ ضئيل من الاضطراب بعد فقدان قادته.
قبل عشر سنوات فقط اغتيل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة والعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية؛ أسامة بن لادن. لقد حدث ذلك في وقتٍ كانت فيه طالبان خارج السلطة، ومع ذلك فإن مقتله لم ينه تنظيم القاعدة. وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بلهجته الجادة “لقد تخلصنا منه”، كما لو كانت هذه بداية النهاية. ولكن بعد عقد من الزمن، ما زلنا نواجه التهديد نفسه، إن لم يكن أكثر خطورة.
إن إضعاف طالبان يعني تعطيل سلسلة الإمداد والقدرة على التجارة، كما فعلت ذات يوم. ويبدو أن الحكومة البريطانية تعزف اللحن الصحيح في هذا الصدد. وقد صرح وزير الخارجية دومينيك راب بالفعل بأنه لمحاسبة طالبان، سيعمل مع شركائه الدوليين على استخدام جميع الوسائل اللازمة؛ مثل العقوبات، ومنع المساعدة الإنمائية الرسمية للقيام بذلك.
وإذا ما طُبِّقت هذه العقوباتُ، سيكون لها تأثيرٌ غير مباشر على تنظيم القاعدة، رغم أن ذلك التأثير لن يظهر على الفور. ولعل هذا هو السبب في أنه من المهم التوصل الآن إلى اتفاقٍ دولي بشأن كيفية التعامل مع طالبان إذا أردنا تطوير استراتيجية فعالة لإضعافِ شبكتها مع تنظيم القاعدة. على الرغم من أنه لا توجد نتائج جيدة، فإنه من خلال اتباع نهجٍ قوي وموحد وفي الوقتِ المناسب، يمكن أن نجد أنفسنا في وضعٍ نركِّز فيه بشكل أقل على الكوابيس، وأكثر على الأحلام السيئة.
*مستشار منظمة “مسلمون ضد معاداة السامية”