عين أوروبية على التطرف
“أوروبا في انتظار تهديدات جهادية فردية غير مألوفة ولا يمكن التنبؤ بها، ليست مرتبطة بتنظيمات محددة، ترتكز على التطرف المحلي النابع من الداخل، وعلى عودة المقاتلين الأوروبيين إلى بلدانهم”، هذا ما ذكرته هيئة تحرير مجلة “عين أوروبية على التطرف”. وتسلط المجلة الضوء على هجمات عام 2017 في أوروبا، وتؤكد أن بياناتها تشير إلى أن الإرهاب الممارس في أوروبا مؤخرًا تحوّل من “إرهاب معقد ومخطط له من قبل خلايا خارجية” إلى “أعمال فردية محلية يصعب تتبعها”.
في ظل هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، يشعر مسؤولو الأمن الأوروبيون بقلق شديد بدلًا من السعادة؛ لأن هزيمة التنظيم في الشرق الأوسط تعني حدوث مشاكل مستقبلية وشيكة في أوروبا، في ظل استسلام المقاتلين الأوروبيين وعودتهم المرتقبة إلى ديارهم. ربما تعرّض المقاتلون للهزيمة في ساحة المعركة، لكنهم لا يزالون يتمسكون بتطرفهم، بعد أن اكتسبوا خبرة فنية عسكرية لا تقدر بثمن، أثناء وجودهم في صفوف المجموعات المتشددة.
ومع ذلك، كان عام 2017 هو عام إرهاب “المحليين” أو “الإرهاب النابع من الداخل” في أوروبا، وليس عام عودة المقاتلين الأجانب. وعند دراسة سجل الهجمات الإرهابية الستة عشر التي حصلت عام 2017 في النمسا وفنلندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد، سنجد أن جميع منفذيها هم متطرفون محليون، وليسوا مقاتلين عائدين. حتى إن تنظيم الدولة الإسلامية لم يتبنَ سوى سبع هجمات منها.
وبالطبع، من شأن تضاعف عدد الهجمات غير المتبناة من قبل أي طرف، التي نفذها أفراد ليس لهم روابط بتنظيمات جهادية، أن يؤكد على حقيقة أن أوروبا تتجه نحو تهديد جهادي متعدد الأوجه، لا يمكن التنبؤ به، وهذا ما تتخوف منه كبرى أجهزة الأمن الأوروبية.
وفي هذا السياق، المهاجمون “المحليون” أو “النابعون من الداخل” هم أولئك الأفراد الأوروبيون الذين لم يسافروا إلى العراق أو سوريا، ولكنهم يتصرفون نيابة عن منظمات جهادية أجنبية، بعد أن قاموا بتطوير اتصالات معها عبر الإنترنت، أو يشعرون باتصال أيديولوجي معها. ولذلك، من شأن انعدام السفر والاتصالات المادية أو الافتراضية، بالإضافة إلى تنوع الملامح في صفوف الجناة، أن يجعل الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لأجهزة الأمن، فيما يتعلق بتنبؤ أو منع مثل هذه الهجمات.
وبالفعل، إنها مشكلة أوروبية واضحة، فغالبية المهاجمين هم من مهاجري الجيل الأول الذين عاشوا في أوروبا لسنوات عديدة أو استقروا فيها كأفراد من الجيل الثاني. ومن المحتمل أن يكون أفراد الجيل الأول قد وصلوا إلى أوروبا دون نوايا إرهابية، لكنهم أصبحوا متطرفين فيما بعد، مثل زملائهم من الجيل الثاني.
المهاجمون (المحليون) هم أيضًا أكبر سنًا من المقاتلين الأجانب، لذا فإن عنصر “فئة الشباب” ليس مؤشرًا أمنيًا مفيدًا لدى أجهزة الأمن الأوروبية. ومن الملاحظ كذلك أن ملامح الإجرام في صفوف المهاجمين المحليين مشتركة ومتداخلة، ولدى العديد منهم سجلات جنائية سابقة.
وقد تغيرت أساليب الهجوم أيضًا، وبصرف النظر عن هجوم برشلونة، كانت جميع الهجمات عام 2017 في أوروبا أعمالًا فردية. وباستثناء الهجومين الفاشلين في بروكسل وباريس، كانت هجمات عام 2017 غير مألوفة وغير معقدة بشكل عام، وهذا بالطبع خروج عن الخطط المعقدة والمتطورة تقنيًا التي طورتها خلايا إرهابية في الماضي.
وما يزيد خطورة التهديدات التي تستعد لها أوروبا في المراحل المقبلة، هو العودة المرتقبة للمقاتلين الأوروبيين بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط، من بينهم مقاتلين ومخططين ومروجين ومختصي تجنيد. وبالطبع، فإن تهديد عودة المقاتلين الأجانب لا يقل عن تهديد المتطرفين المحليين.
يستطيع هؤلاء المقاتلين الأجانب (الأوروبيين) تجنيد وتشجيع الأفراد في أوروبا على العمل محليًا، دون تحريضهم على السفر للانضمام إلى داعش. على سبيل المثال، يُعتقد أن مهاجم مرسيليا، أحمد حناشي، أصبح متطرفًا بفعل أخيه أنيس الذي حارب في صفوف داعش في سوريا بين 2014 و2016. وبصورة أعم، قد يصبح العائدون خطرًا حقيقيًا على المدى الطويل، يعملون كوكلاء متطرفين أو أصحاب مشاريع جدد من الخلايا الجهادية المحلية، ابتداء من السجون، كما حدث في الماضي.
ومن المؤكد أن لدى خبراء التجنيد المتطرفين مجموعة كبيرة من الأهداف، لا سيما وأن الاتحاد الأوروبي موطن لما يصل إلى 50 ألف مسلم “متطرف”. وما يثير القلق هو أن التطرف لا يزال ينمو في العديد من بلدان أوروبا الغربية. وبالطبع، من شأن “تأثير كرة الثلج” أن يخدم المتطرفين عندما يجذبون العائلة أو الأصدقاء إلى جانبهم، والملعب لا يزال مفتوحًا أمامهم، في ظل غياب المعالجة الكافية لبيئة التطرف الخصبة في أوروبا. وما يزيد الطين بلة هو أن “التطرف المتبادل” أصبح مشكلة خطيرة، مما يؤدي إلى ممارسة العنف المتبادل من قبل مختلف الأطراف.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا