د. وفاء الرشيد*
هل استكشفنا حقًّا الإمكانات الكاملة لدور المرأة في مكافحة التطرف وفك الارتباط بالمتطرفين؟ هل أعطينا القوة الناعمة فرصةً عادلة؟ هذه بعض الأسئلة التي لا تزال تبحث عن إجابات بعد مرور تسعة عشر عامًا على أحداث 11 سبتمبر.
المملكة العربية السعودية، تجربة شخصية
العيش بين النساء لم يكن سهلًا بالنسبة لي، ولا العيش في عالم الرجل أيضًا. وما من شكٍ في أن تأخير النهوض بحقوق المرأة والحريات الاجتماعية، في المملكة العربية السعودية، كان هدفًا استراتيجيًا للجماعات المتطرفة لعقودٍ عديدة. لقد تعرّضت قدرة المرأة السعودية على التحرُّك بحريةٍ، والانخراط في الحياة العامة، والحصول على جميع أنواع التعليم والعمل، والتعبير عن نفسها دون خوف من التداعيات، والعيش كمواطنة تتمتع بحقوقٍ متساوية، للخطرِ والحطِّ من شأنها بسبب المتطرفين، دينيًا واجتماعيًا. هذه التجربة برمَّتِها شكّلتِ الكثير من النساء من حولي، وجعلتهن أكثر تصميمًا على العمل من أجل التغيير، وأكثر عزمًا على إحداث فرقٍ في عائلاتهن من خلال تشكيل عقول تكافح التشدد والتطرف. ورغم أن هذا الأمر استغرق سنواتٍ من حياتنا، فنحن محظوظات، فلقد أرغم الجهل أخرياتٍ على عدم النهوض والتعرض لإساءة المعاملة.
وهذا يثير بعض التساؤلات: لماذا تعاني النساء كثيرًا؟ هل هذا مجرد رد فعل عنيف على مطالبهن بالتغيير؟ هل يمكن للمرأة أن تلعب دورًا في تحدي العوامل الأساسية التي تؤدي إلى هذا التطرف؟ كانتِ السنوات الأربع الأخيرة من حياتي تجربة ثريّة غيّرت في مسيرتي الكثير، لقد ولدتُ مرة أخرى، وعدتُ إلى أرضي، بكرامة وفخر وحرية (وهي الأهم).
لقد قادت سلسلةُ الإصلاحات والتغييرات التي سنّها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتعزيز حقوق المرأة، على الرغم من المقاومة الصارمة التي تتسم بها الدولة المحافظة، إلى تغيير المملكة. وقد حدثت التغييرات على مستوياتٍ عدة، ما يسهم في مكافحة التطرف والتشدد اللذين ظلَّا جزءًا لا يتجزأ من العديد من العقول لسنواتٍ عديدة. وللمرة الأولى، يُطلب من النساء الانضمام إلى قوات الأمن الداخلية في مكافحة التطرف والتشدد، وهذا بالضبط ما يجب أن نبدأ به، جوهر الموضوع.
الأمن الشامل، موضوعٌ لا يحظى بالدراسة الكافية
في ضوءِ ما سبق ذكره، على المرء أن ينظر في الجوانب العملية لإدراج النساء في قوة الأمن الداخلي؛ الأمر الذي يطرح على الفور حقيقة أن دور المرأة في مكافحة أعمال التطرف العنيف هو للأسف موضوعٌ لم يحظَ بدراسةٍ كافية، في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في المملكة. ورغم أن هذه المسألة الأمنية المعاصرة الحرجة، خاصة في الشرق الأوسط، تقدِّم عددًا لا يُحصى من الدروس في العديد من مجالات الدراسة والممارسة، لم يتم القيام بما فيه الكفاية فيما يتعلق بجمع البيانات والتحليلات.
وهكذا، للشروع في هذا الإصلاح الضروري، من الضروري أولًا بناء قاعدة الأدلة بشأن دور المرأة في مكافحة التطرف، للمساعدة في تحديد الأدوار التي يتوقع أن تقدم فيها المرأة المساعدة الأكثر فعالية.
القوة الناعمة في مقابل القوة الخشنة
من أسف، أعطتِ العديدُ من الدول منذ فترة طويلة الأولوية لنهج القوة “الخشنة” لمكافحةِ التشدد والتطرف، متناسية أو متحاشية أو غير واعية بالمشكلات التي تكتنفُ مكافحةَ الجماعات التي تفضِّل قتلَ نفسها بدلًا من الاستسلام. وقد ظهرت مؤخرًا دعواتٌ لاتباع نُهج أكثر “نعومة” أو غير قسرية بعد أن ثبت أن الأعمال العسكرية وحدها أقلَّ فعالية بل وربما تأتي بنتائج عكسية في بعض الحالات. ويمكن أن تؤدي القوة الخشنة إلى زيادة العنف، ويمكن أن تفقد الدول مصداقيتها، ويزداد التعاطف مع المتطرفين بين السكان المحليين أو على المستوى الدولي.
الأدلة تشير إلى أن للمرأة دورًا فريدًا تؤديه في هذا الجهد، وهو دور يختلف عن دور الرجل. وفي هذا الصدد، تخلص دراسة أجراها معهد الأمن الشامل، استنادًا إلى مقابلات مع نساء في ثلاثين دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، إلى أن النساء غالبًا ما يكن أول من يقف في وجه الإرهاب “لأنهن من بين الأهداف الأولى للأصولية، التي تقيّد حقوقهن، وتؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى زيادة العنف المنزلي قبل أن يُترجم إلى صراع مسلح مفتوح”. ما يُقال ببساطة هو أن النساء يمكن أن يتأثرنَ بالتطرف العنيف أكثر من الرجال، وقد يكنّ ناشطات أكثرَ استعدادًا في منعه.
تعتبر مؤسسة بايمان في باكستان اليومَ مثالًا رائعًا في تبني جهود إعادة الإدماج التي تشمل برامج التدريب المهني والنفسي التي تقودها النساء والأمهات. وأشارت دراسة يمنية إلى أنه إذا ما تم توفير الدعم القانوني والنفسي والعاطفي المناسب، يمكن أن يكون للمرأة دور مهم في خلق حوار بشأن التطرف العنيف والإرهاب، قبل انضمام أطفالها إلى تنظيم إرهابي. وقد أبرزت حوارات مع مجموعات نسائية وخبراء من جنوب آسيا الأدوار المهمة التي تقوم بها في الحكومة وفي المجتمع المدني، وفي المجتمعات المحلية، وفي التصدي للتطرف والدعوة إلى تحسين الحكم والحقوق والتنمية.
إلى أين يقودنا هذا؟
ما الذي أعنيه بأن للمرأة دورًا في تحقيقِ السلام؟ تعتبر تربية الطفل تقليديًا جوهر نجاح المرأة أو فشلها في المجتمع، وهذا ينطبق، بمعنى ما، على جهود مكافحة التطرف العنيف. وقد قال أحد الشعراء: ” الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعدَّت شعبًا طيب الأعراق”. النساء يُشكِّلِنَ نصفَ السكان، وأمهات للنصف الآخر، تأثير يمتد من المهد إلى اللحد. وعلى هذا النحو، من دون الحصول على التعليم، ومن دون المشاركة في السياسة، وفي وكالات إنفاذ القانون وغيرها من أجهزة الدولة، لا يمكن أن يكون هناك تقدم بشأن الفجوة بين الجنسين، أو الكثير غير ذلك.
القيادة النسائية كمصدر للسلام والعدالة هي للأسف طريق غير مطروق في السياسة الحديثة. إن المظالم وأوجه عدم المساواة بين الجنسين المتأصلة في العقول والعلاقات المجتمعية قاسية. وغياب التواصل حول هذه المسألة يشكِّل تهديدًا طويل الأمد للتنمية والاستقرار العالميين، وإذا لم نتمسك بعقلٍ منفتح في وضعٍ استراتيجيات لمكافحة التطرف العنيف وتعزيز مشاركة المرأة وقيادتها وتمكينها، فلن يحلَّ السلامُ في أيِّ وقتٍ قريب في هذا العالم.
الخلاصة
وختامًا، فإن إشراك المواهب النسائية على كافة المستويات في مكافحة التعصب والتطرف -في قطاع الأمن، ونظام العدالة الجنائية، والبرامج الاجتماعية، ومبادرات مكافحة الإيديولوجية، وداخل المجتمع المدني- أمرٌ حيوي لتعزيز التغييرات التصاعدية من القاعدة للقمة، في الأسر والمجتمعات المحلية والأماكن العامة، التي تخلق القدرةَ على الصمود ضد التطرف، وتمنع آفات التطرف العنيف والأعمال الإرهابية التي تنشأ في أي وقتٍ مضى.
لقد رأيت بنفسي، في محيطي الخاص في المملكة العربية السعودية الدولةَ التي عانت طويلًا التشدد والتطرفَ الديني والاجتماعي، التأثيرَ الذي يمكن أن تُحدثه المرأةُ. لذا، فينبغي أن نتعلم الدرسَ: أن المجتمعات التي تكون فيها المرأة حرة وتتمتع بالكرامة أمر يحمينا جميعًا، ويساعد خلق هذه المجتمعات بهذه الصيغة في مكافحة التطرف العالمي.
* كاتبة رأي مستقلة من المملكة العربية السعودية