الاشتباكات التي وقعت على الحدود الهندية الصينية في جبال الهيمالايا، في يونيو 2020، في خضم الاضطرابات العالمية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، تركتِ العديدَ من المراقبين في حيرة. في البداية، بدا أن التوقيت والظروف لم تكن في مصلحة أحد، بل إن البعض ألقى باللوم في هذا التصعيد على القادة المحليين المفرطين في الحماس. لكن منذ ذلك الحين تبدو الصورة أكثر تعقيدًا، وتشير إلى أن ما حدث ما هو إلا بداية شرخ جديد أكثر خطورة في العلاقات الهندية-الصينية، مع تباعد مصالح العملاقين الآسيويين بشكلٍ متزايد، ومع ظهور الاختلافات في نظم الحكم بينهما بشكل أوضح وأكثر حدة.
وفي حين كثر الحديث عن قوة الصين وطموحاتها العالمية، فقد جرى التقليل من صعود الهند إلى حد كبير. وفي ظلِّ وصول عدد سكانها إلى قرابة 1.38 مليار نسمة، ونمو اقتصادها ليصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم، غالباً ما يُعزى محدودية بزوغ قوة الهند عالمياً إلى تشرذمها السياسي والعرقي. وليست هذه هي المرة الأولى، فقد يكون النظام الشمولي قد أساء تفسير التنوع على أنه ضعف. وهناك بعض الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأن الصين ربما تكون قد قلَّلت من شأن عزيمة الهند، وربما تكون قد أيقظت استعداد الهند لأن تكون أكثر حزمًا في تعاملاتها، وذلك بافتعال الحوادث على “خط السيطرة الفعلي”، كما يبدو الآن.
يتناول الكتّاب المساهمون الأربعة في هذا التقرير بعض هذه القضايا، ويتفقون جميعًا على أن الحرب الشاملة غير محتملة، فإن زمن السلام والهدوء بين البلدين المسلحين نوويًا قد ولَّى، وأن التنافس الهندي-الصيني سيكون سمة مهيمنة في المنطقة في المستقبل، مع تحوُّل التركيز العالمي من الشرق الأوسط إلى آسيا.
وفي هذا الصدد، تقول أمريتا بيهندر إن الخلافات بين الصين والهند “لا يمكن أن تكون أكثر وضوحًا من هذا”- الصين دولة شيوعية شمولية، والهند أكبر ديمقراطية في العالم- ويمكن رؤية ذلك حتى في الطريقة التي تعاملت بها الدولتان مع أخبار الاشتباكات في يونيو 2020. اعترفتِ الهند بمقتل عشرين من جنودها، في حين لم تعترف الصين بأي خسائر. وهذا، كما ترى بيهندر، يعكس طبيعة الدولة الصينية ذاتها، التي “تستحضر نظامها الإمبراطوري” القديم ولديها حاليًا نزاعات حدودية مع ثماني عشرة دولة مجاورة. أما الهند “فليس لديها أي طموحات توسعية”.
هذا الموضوع تتناوله أديتي بهادوري، التي تقول إن الوجود الصيني المستمر في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي “يشكِّل تهديدًا أمنيًا للهند”. وتختتم بهادوري بنبرة مخيفة، قائلة إن “المحللين الهنود لا يستبعدون حربًا قصيرة، مستندين في توقعاتهم إلى أنماط سلوك الصين”. وتحدثت وسائل الإعلام الهندية عن توافق متزايد في الآراء داخل الحكومة على ضرورة أن تكون البلاد مستعدة لـ “ردّ عسكري”، على الرغم من استمرار الحوار والمحادثات.
أما زاهد أحمد؛ فيرى أنه بغضّ النظر عن أي قضايا محلية قد تكون أشعلت فتيل العنف في يونيو 2020، فإن التطورات الجيوسياسية الأوسع هي المحركات الرئيسة للتوترات الحالية. وفي حين أن زاهد أحمد يستبعد نشوب حرب بين البلدين، فإن تزايد انعدام الثقة بين الجانبين سيؤدي إلى صراع مستمر، حيث ترى الهند أن مبادرة الحزام والطريق الطموحة للصين، والتوسع في جنوب آسيا، يضران بأمنها ومصالحها الاستراتيجية.
ويثير رايموندو نيروني شبحَ ما يسميه “السيناريو الكابوس” الذي قد “يزعزع استقرار المنطقة بأسرها” في الوقت الذي تراقب فيه الهند والصين بعضهما بعضًا في سياقٍ عالمي يزداد تقلبًا. ويسرد نيروني الأسبابَ التي تجعل الصين ترى أن المنطقة الحدودية التي وقعت فيها الحوادث حيوية بالنسبة لها، بما في ذلك تنفيذ مشروع الحزام والطريق في باكستان. ويشير إلى أن هذا لم يمنع من جهةٍ أخرى، صحيفة “جلوبال تايمز”، الناطق باسم الحزب الشيوعي الصيني، من اتهام الهند “باستغلال التنافس بين الولايات المتحدة والصين لأغراض سياسية”.