يبدو أن أي أمل لدى الإدارة الأمريكية في إبرام صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وفقًا للتغطية الصحفية الأخيرة، على المحك. يُقال إن الأطراف الأوروبية في المفاوضات تسارع إلى إنقاذ الإطار الدبلوماسي. إنها عملية محرجة. ومن بين الأطراف في المفاوضات روسيا، التي يجد العالم الديمقراطي نفسه الآن في مواجهة ضدها بعد غزو أوكرانيا. إن التفاؤل الذي ساد في أوائل شهر مارس، عندما لاح في الأفق الأمل في التوصل إلى اتفاق، قد توارى الآن عن الأنظار. تشمل المطالب الإيرانية شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية. غير أن هذا المطلب يبدو الآن غير مرجح. ذلك أن مطالب غير ذات صلة بالموضوع مثل هذه، وفرض العقوبات على روسيا، تفسد المفاوضات. ويبدو أن إدارة بايدن، على الرغم من رغبتها الشديدة في التوصل إلى اتفاق، غير قادرة حتى الآن على تأمين صفقة، وبالكاد في موقع قوة.
عندما كان دونالد ترامب رئيسًا، كان من الممكن فهم سياسة إدارته تجاه إيران، بشكلٍ عام، بطريقتين. بمعنى ما، كانت سياسة ترامب تهدف في جميع الحالات إلى أن تكون متطرفة وعدوانية بشكلٍ كلي. وبمعنى آخر، كانت سياسات ترامب تهدف إلى معارضة تلك التي اتبعها سلفه باراك أوباما، وتبني عكسها. لم تكن سياسة أوباما تجاه إيران منتقدة على نطاقٍ واسع من قبل المحافظين الأمريكيين فحسب، بل اعتبرت أنها فشلت فشلًا ذريعًا، ويجب إلغاؤها. وقد كانت آثار هذين الجانبين ملموسة إلى حدٍّ كبير.
ترامب يلغي قرارات إدارة أوباما
خلال الفترة التي قضاها في منصبه، سعى أوباما إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران، أو ما يعرف باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة) التي كانت تهدف إلى لجم طموحات إيران النووية. اعتقد أوباما أن هذا هو إنجازه الأكبر في السياسة الخارجية، كما شكك منتقدوه في قدرة الاتفاق على منع إيران من تخصيب اليورانيوم، وأشاروا إلى عجزه عن منع إيران من تطوير الصواريخ الباليستية، وحروبها بالوكالة في الخارج. واعتبر الجمهوريون، ومن بينهم ترامب، الاتفاق علامة على الضعف. خلال ولاية ترامب في السلطة، انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة.
وفي حين أن أوباما ترك المسؤولين الإيرانيين وشأنهم إلى حد كبير، حتى أثناء خوضهم حروبًا بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، قتل ترامب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قوة التدخل الإيرانية الأجنبية، التي تخوض الصراعات بالوكالة للدولة. وبينما ألغت إدارة أوباما تجميد الأصول الإيرانية كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة، فرضت وزارة الخزانة في عهد ترامب عقوباتٍ جديدة على إيران، والعديد من وكلائها.
بايدن يلغي سياسات ترامب
لا يختلف موقف ترامب تجاه سلفه عن وجهة نظر خليفته جو بايدن، تجاه سلفه، أي ترامب. كان بايدن نائبًا للرئيس أوباما، مع حرية واسعة في السياسة الخارجية الأمريكية، عندما كان الاثنان في منصبهما. فهو يعارض، بشكلٍ تلقائي تقريبًا، كل تراجع عن سياسات أوباما التي حدثت في السنوات الأربع الماضية، ويرفض جميع المبادرات التي قام بها ترامب نفسه.
وربما الأهم من ذلك فيما يتعلق بالأعمال اليومية للحكومة، أن مسؤولي بايدن والشخصيات التي عيّنها مستمدة إلى حد كبير من إدارة أوباما. فالسياسة الخارجية، على وجه الخصوص، يديرها عدد من الوجوه القديمة. بعض هذه الشخصيات هي في صميم الجدل، في الغالب، حول علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل، ولكن حول إيران أيضًا.
مبعوث مثير للجدل
ربما الشخصية التي جلبت أكبر قسط من الانتقادات من المحافظين في الصحافة الأمريكية (بل وفي الصحافة العربية، ووسائل التواصل الاجتماعي) روبرت مالي، الذي كان كبير المفاوضين في الاتفاق النووي الإيراني. يُنظر إلى تعيين مالي كممثل خاص لبايدن للشؤون الإيرانية من قبل المدافعين المؤيدين لإسرائيل على وجه الخصوص، الذين يشككون منذ فترة طويلة في مالي بسبب وجهات نظره حول عملية السلام مع الفلسطينيين في فترة التسعينيات، على أنها خطر على الدولة اليهودية. إن هذا الأمر يعزز وجهة النظر القائلة بأن مالي كان، في أحسن الأحوال، ضعيفًا جدًا في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، وقدم لإيران أكثر مما يجب.
مالي لم يفعل شيئًا تقريبًا لتكذيب هذا التصور. ذلك أن تصريحاته أعطت انطباعًا واضحًا بأنه يتعاطف مع الموقف الإيراني. كما أن رده على مقتل سليماني في عام 2020 انطوى على غموضٍ ملحوظ. لم ينعِ الجنرال، بالضبط، ولكنه وقف بالتأكيد في صف واحد وراء إعلان الدولة الإيرانية أن الشعب الإيراني موحد في الحداد على مقتل سليماني. بل إنه ذهب إلى حد انتقاد قرار قتله. واعتبر مالي أن التبرير الذي قدمته إدارة ترامب، بأن وجود سليماني يشكل تهديدًا وشيكًا للأمريكيين “ضعيف”. كما روّج مالي للرد الإيراني الحتمي على الاغتيال، وهو أمر لم يحدث بعد، رغم مرور بضع سنوات.
ومع ذلك، يجب ألا نبالغ في تقدير هذه المسألة. مرة أخرى، لم يتبن مالي الموقف الإيراني كاملًا، ويمكن القول إن موقفه كان يتعلق أكثر بالسياسة الداخلية الأمريكية -الحاجة إلى الاستخفاف بسياسة إدارة ترامب في كل منعطف والتنبؤ بأسوأ النتائج، بشكلٍ غريزي تقريبًا (وفي هذه الحالة بشكلٍ خاطئ)- أكثر من أي شيء يتعلق بإيران في حد ذاتها. ومع ذلك، فإن الكلمات لها عواقب في الدبلوماسية الدولية، وقد أعرب مالي عن وجهات نظر ملموسة حول إيران تزعج أولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء الدور الإقليمي للنظام الإسلاموي الثوري.
العقوبات والرهائن
تحدث مالي وغرّد مرارًا وتكرارًا ضد العقوبات الأمريكية على إيران. في الواقع، مالي يرى أن العقوبات غير فعّالة في تحقيق الغايات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من اعترافه بأن العقوبات يمكن أن تدمر الاقتصاد الإيراني، حيث قال إنها “فعّالة للغاية”، فإنه يرى أنها فعالة ولكن بطريقة غير جيدة، حيث يعتبرها قاسية ولا داعي لها. وفي هذا الصدد، كتب مالي تغريدة في عام 2020، قال فيها: “لقد كان الهدف من حملة الضغط القصوى على إيران هو التوصل إلى اتفاق نووي أفضل”. “لكن ذلك لم يحدث. وكان من المفترض أن تحد من التوترات الإقليمية. لكن ذلك لم يحدث. ما تبقى: اختناقٌ مالي لدولةٍ في خضم جائحة”.
تستند بعض الانتقادات لشخصية مالي المتصورة إلى ما فعله، وما لم يفعله في الحكومة. في هذا الصدد، يقول شيوي وانج، رهينة سابق في إيران، إنه عندما كان مالي في الحكومة لم يعترض بقوة على السلوك الخبيث للدولة الإيرانية. ويؤكد وانج أن مالي لم يفعل شيئًا لمساعدته في قضيته. ومع ذلك، استند جزء كبير من انتقادات وانج إلى عددٍ قليل من النقاط التي يصعب حسمها: أن وسائل الإعلام الإيرانية بدت متحمسة لتعيين مالي المحتمل، وأنه لا يبدو أن مالي، في منصبه في الحكومة، يعتبر الرهائن الذين تحتجزهم إيران أولوية أمريكية. إن دحض الاستنتاجات المستخلصة من هذه التصريحات سيكون أقرب إلى إثبات السلبية.
ألا يوجد مدافعون عن مالي؟
لم يكن مالي من دون مدافعين في الصحافة. هؤلاء يزعمون، استنادًا إلى القليل من الأدلة الملموسة، أن مالي مفكر “عقلاني”، وليس عاطفيًا، ولا ينسبون إليه سوى القليل فيما يتعلق بالسياسة، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. والواقع أنه عند الدفاع عن إيمان مالي الذي لا يتزعزع بالاتفاق النووي، ولسياسة أوباما تجاه إيران على نطاقٍ أوسع، فإن المدافعين عنه يبنون حججًا واهية لأنفسهم: ذلك أن أولئك الذين تم الاستشهاد بهم لم يعودوا يفضلون السياسة المتبعة في سنوات أوباما فحسب؛ بل إن المسؤولين أنفسهم الذين صاغوا هذه السياسة، ودافعوا عنها خلال سنوات ترامب، هم في الواقع على استعدادٍ لتطوير سياسة أقوى الآن، بعدما عادوا مجددًا إلى الحكومة.
في هذ السياق، اقتبست مجلة “بوليتيكو” مثالًا على هذا الوضع: “أنا شخصيًا أيضًا، لا أريد العودة إلى سياستنا تجاه إيران لعام 2016″، قال المشرع الديمقراطي، مشيرًا إلى الحاجة إلى تعزيز الصفقة بشكلٍ أكبر من خلال فرض ضوابط جديدة على برنامج الصواريخ الإيراني، ومحاسبة طهران على سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان. لكن المشرع قال إنه “واثق تمامًا” من أن الإدارة ستتطلع إلى “توسيع وتعزيز” الاتفاق النووي لمعالجة جوانب أخرى من سلوك إيران الخبيث أيضًا. غير أنه لا يوجد دليل، سواء في مقال بوليتيكو أو في مكان آخر، يشهد على طريقة التفكير هذه.
تنطوي جميع تصريحات مالي العلنية في سنوات ترامب على انتقاد سياسة ترامب بشأن إيران، والدفاع تلقائيًا عن سياسة أوباما. فهي لا تحمل مؤشراتٍ تذكر على أن السياسة في سنوات بايدن ستختلف كثيرًا عما كانت عليه قبل عام 2016، وبالتأكيد ليست أقوى (مهما كان تعريفها).
الوسطاء الحقيقيون
في العام الماضي، قدَّم أنتوني بلينكن، وزير خارجية بايدن، مؤشرات على أن الأمريكيين يرغبون في أن يُؤخذوا على محمل الجد وهم يعيدون التعاطي مع الاتفاق النووي. وأشار إلى أنه يجب على إيران أن تعود إلى الامتثال قبل التفكير في استئنافها. كما أشار بلينكن إلى أن الولايات المتحدة سعيدة على الأقل شكليًا بعدم توقيع اتفاق لا تريده، وأنها من المرجح أن ترحب بصفقة أكثر صرامة، مهما كان تعريفها.
كانت الإجراءات الأخرى أقل تشجيعًا. كانت إحدى الشكاوى الأساسية المقدمة ضد سياسة إيران في سنوات أوباما هي تركيز الإدارة ربما غير المبرر في المفاوضات على تخزين اليورانيوم وتنقيته، في حين طوَّرت إيران تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الخاصة بها، وطورت قواتها بالوكالة وحلفائها من الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واستمرت في احتجاز الرهائن الأمريكيين، وغيرهم من الرهائن.
من الممكن أن تُرتكب الأخطاء نفسها مرة أخرى. في الأسابيع نفسها التي وضع فيها بلينكن شروطًا صارمة بشأن القضايا النووية، بما في ذلك تحديد الامتثال والحديث عن العقوبات التي ستبقى سارية لتحفيز عودة إيران إلى الحظيرة النووية، حدثت أشياء أخرى.
على مدى السنوات القليلة الماضية، تغيّرت الحسابات في اليمن. فالحوثيون، صنيعة الحكومة الإيرانية التي تخضع لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، يتقدمون منذ فترة طويلة. كما ألغت إدارة بايدن من جانبٍ واحد العقوبات التي فرضها ترامب على الحوثيين وقياداتهم، وألغت تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية. ومنذ ذلك الحين، هاجمت الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون أنفسهم أو التي أطلقت من أراضيهم مرارًا وتكرارًا اقتصادات النفط والسكان المدنيين في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
في لبنان، قتل حزب الله، أقدم نسخة من الثورة الإيرانية وأكثرها اكتمالًا، أحد منتقديه القدامى، لقمان سليم، في لحظة عودته إلى طاولة المفاوضات. وأدانت إدارة بايدن مقتل سليم لكنها لم تُشر إلى من قتله. ويشير بيانها الفاتر إلى أن هذا لا يمثل لها أولوية.
في العام الماضي، وردًا على سلسلةٍ من الاستفزازات من قبل الميليشيات الإيرانية في العراق، أمر بايدن بشن غارة جوية ضد الميليشيات الإيرانية على الحدود مع سوريا. دمرت الضربة التي نُفذت في 25 فبراير، وألقت سبع قنابل دقيقة تزن كل منها 500 رطل على سبعة أهداف، البنية التحتية التي تستخدمها إيران لنقل أسلحتها وعتادها عبر بلاد الشام، وقتلت واحدًا على الأقل من الجهاديين الشيعة في الحرس الثوري الإيراني.
ومع ذلك، فهذه الضربة لم تتكرر. وفي العراق، تواصل المنظمات الإرهابية الشيعية الخاضعة لقيادة الحرس الثوري الإسلامي إطلاق الصواريخ والقذائف على أهدافٍ أمريكية بوتيرة متوقعة ومزعجة دون وجود أي رد أمريكي.
الخلاصة
لا تزال هناك تكهناتٌ حول ما إذا كانت القصة الحقيقية لإدارة بايدن ستكون مثل قصة أوباما: أي التركيز المكثف على الوضع النووي، وعدم الاهتمام النسبي بالقوات الوكيلة لإيران في جميع أنحاء المنطقة، تاركة شعوب الدول التي تنشط فيها هذه الميليشيات من دون حماية ضد الهيمنة الإيرانية. قد توحي الضربات في سوريا بقطيعةٍ مع هذه الصيغة، لكن سجلات الوجوه القديمة التي استمد منها بايدن إدارته لا يمكن أن تمنح الكثير من الأمل لأي مراقبٍ عاقل.