ناتاشا لويس*
في أعقاب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا في 24 فبراير، تتطلع حركاتُ النازيين الجدد في الغرب إلى أوكرانيا كساحة تدريبٍ لاكتساب الخبرة القتالية، استعدادًا للحروب العرقية التي يعتقدون أن بلدانهم الأصلية سوف تشهدها في المستقبل. إحدى هذه الجماعات، التي بدأت في تكساس في عام 2015، هي فرقة أتوموافين (AWD)، التي تهدف إلى تدمير الحضارة، حتى يتمكن مجتمع البيض فقط من النهوض.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجماعة التي يعني اسمها باللغة الألمانية “فرقة الأسلحة النووية” ارتبطت بخمس جرائم قتل في ثلاثِ ولاياتٍ في الولايات المتحدة. ويعتقد بعض المحللين أنها قد انتهت العام الماضي، عندما أقر زعيمها كاميرون شيا، الذي يبلغ من العمر 24 عامًا، بأنه مذنب في جرائم تتعلق بالإرهاب.
لكن الواقع يقول إن فرقة أتوموافين لم تنته بعد. فوفقًا لتقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب، أرسلت جماعة ألمانية تابعة لها تهديداتٍ بالقتل عبر البريد الإلكتروني إلى سياسيي حزب الخضر في عام 2019. وفي هذا الصدد، أوردت مجلة “دير شبيجل” الألمانية ما جاء في رسالة التهديد التي تلقتها كلوديا روث عبر البريد الإلكتروني: “أنت حاليًا رقم اثنين في قائمة الاغتيالات المستهدفة”، ووُقِّعَت الرسالة “مع خالص التقدير، فرقة أتوموافين ألمانيا”.
وبالإضافة إلى ألمانيا، تمتلك الفرقة فروعًا في المملكة المتحدة، وكندا، ودول البلطيق، وروسيا، وإيطاليا، وفنلندا، وفرنسا. وفي سبتمبر الماضي، ألقت السلطات الألمانية القبض على شاب، يبلغ من العمر 20 عامًا، للاشتباه في تخطيطه لهجوم إرهابي، وعثرت بحوزته على 600 كيلوجرام من المتفجرات محلية الصنع. وذكر المحققون أنه كان على اتصال بأتوموافين. وفي ديسمبر 2021، ألقتِ السلطات الألمانية القبض على خمسة رجال كانوا أعضاء في الجماعة بتهمة الإعداد لمؤامرة إرهابية، وبحوزتهم مجموعة كبيرة من الأسلحة وعشرات الكيلوجرامات من المتفجرات.
تشير التقارير إلى أنه منذ عام 2015، ذهب أكثر من 17,000مقاتل أجنبي إلى أوكرانيا من خمسين دولة. وفي حين أن غالبية هؤلاء المقاتلين لا يتبنون أيديولوجيةً متطرفة، فإن المستشار الأمني، والعميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، علي صوفان، يرصد أوجه تشابه بين الوضع الحالي في أوكرانيا، وفراغ السلطة الذي خلّفه وضع الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1989. “سرعان ما استولى المتطرفون على السلطة، وسيطرت طالبان على السلطة، ولم نعِ خطورة ما حدث إلا عندما استيقظنا على أحداث 9/11. هذا هو وجه التشابه الآن مع أوكرانيا”.
الكراهية شبكة عالمية
الأمرُ الذي يبعث على القلق بشكلٍ خاص في هذه الأزمة هو أن أوكرانيا لديها ميليشياتٌ نازية جديدة خاصة بها. فلدى كتيبة آزوف شبكة تمتد من كاليفورنيا إلى نيوزيلندا: “لديها حزبها السياسي الخاص بها، وداران للنشر، ومعسكرات صيفية للأطفال، وقوات أهلية لفرض الانضباط تُعرف باسم الميليشيا الوطنية، التي تقوم بدوريات في شوارع المدن الأوكرانية إلى جانب الشرطة. وعلى عكس نظرائها الأيديولوجيين في الولايات المتحدة وأوروبا، لديها أيضًا جناح عسكري مع قاعدتين تدريبيتين على الأقل، وترسانة هائلة من الأسلحة، من الطائرات بدون طيار، والعربات المدرعة، إلى قطع المدفعية”.
في عام 2020، حاول عضوان من أتوموافين الانضمام إلى كتيبة آزوف بغية اكتساب خبرة قتالية، غير أن الحكومة الأوكرانية رحّلتهما خارج البلاد. مركز تجنيد آزوف هو مبنى يسمى “دار القوزاق” (Cossack House) يقع في وسط كييف، مباشرة في قلب الأحداث.
وفي هذا الصدد، أخبرت أولينا سيمنياك؛ مديرة الاتصالات الدولية في كتيبة آزوف، مجلة “تايم” في عام 2019 أن “مهمة آزوف كانت تشكيل تحالف من الجماعات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم الغربي، بهدفٍ نهائي هو الاستيلاء على السلطة في جميع أنحاء أوروبا”. لم تعد رواية المهاجمين اليمينيين الذين يُطلق عليهم “الذئاب المنفردة” تتطابق مع الواقع. ذلك أن حركات النازيين الجدد هي جزء من شبكةٍ عالمية هدفها التحريض على حربٍ عرقية. وفي ظلِّ وجود ميليشيا راسخة بالفعل في أوكرانيا مثل آزوف، ستكتسب جماعاتٌ مثل أتوموافين المعرفة والخبرة اللتين تريد نقلهما إلى الوطن.
في الآونةِ الأخيرة، أصدر “مشروع مكافحة التطرف” تقريرًا مفاده أن “غزو روسيا لأوكرانيا قد أثار نشاطًا عبر الإنترنت من القوميين البيض اليمينيين المتطرفين، وجماعات النازيين الجدد، إضافة إلى الحركة الحالية للمتطرفين الذين شجعهم غزو روسيا لأوكرانيا عام 2014”.
تستغل جماعات مثل أتوموافين وآزوف الكوارث من أجل “تعظيم تأثيرها على السياسة الداخلية“. وبالتالي، تجب متابعة هذا الأمر. من ناحيةٍ أخرى، أشار ديفيد ماليت، البروفيسور في كلية الشؤون العامة في الجامعة الأمريكية، إلى أنه في حين دفعت الدعاية الروسية برسالة مفادها أن المقاتلين الأجانب في أوكرانيا جميعهم نازيون، فإن الحقيقة هي أن هؤلاء المتطرفين ينضمون إلى جانبي الصراع، وأن الدولة الروسية قد استخدمت اليمين المتطرف بطريقةٍ أكثر منهجية. حيث تمثل الحركة الإمبراطورية الروسية (RIM) المنبع الأساسي لجماعات تفوق البيض في جميع أنحاء الغرب.
فظائع المتطرفين تؤثِّر على العقلية الدولية
حتى لو لم يكن أولئك الذين يسافرون إلى أوكرانيا نازيين جددًا، فهناك خطر من أن يتحول المقاتلون الأجانب إلى متطرفين بعد وصولهم إلى مسرح العمليات. من المعروف على نطاق واسع بين خبراء التطرف أن أوكرانيا “برزت كمركز مهم في شبكة التطرف عبر الوطنية لجماعات تفوق البيض”. والأدلة على مخاطر التطرف والتجنيد هناك لا جدال فيها منذ فترة غير قصيرة.
في أواخر فبراير 2022، أي بعد أيام من بدء روسيا جهودها لتدمير أوكرانيا، نشر الحرس الوطني الأوكراني على “تويتر” مقطع فيديو لأعضاء كتيبة آزوف وهم يدهنون رصاصهم بشحم الخنزير، بهدف إهانة “قاديروفتسي”، الوحدات الشيشانية المسلمة داخل الجيش الروسي التي يسيطر عليها حاكم الشيشان المعين من قبل بوتين، رمضان قديروف.
وفقًا لتقريرٍ أصدرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في عام 2016، “تعرّض رجل يعاني من إعاقة عقلية لمعاملةٍ قاسية واغتصابٍ وأشكالٍ أخرى من العنف الجنسي من قبل ثمانية إلى عشرة أعضاء من كتيبتي “آزوف” و”دونباس” في […] في عام 2014″. وفي عام 2015، تعرّض رجل للتعذيب والصعق بالكهرباء، بما في ذلك أعضاؤه التناسلية، والإيهام بالغرق من أجل الحصول على معلوماتٍ حول نقاط التفتيش الحكومية.
يجب أن تشكّل جهود جماعات مثل أتوموافين مصدر قلقٍ كبيرٍ لمختلف دول الغرب. ذلك أن قرابة ثلث المؤامرات الإرهابية التي أحبطتها السلطات البريطانية منذ عام 2017 كانت لمتطرفين يمينيين. وفي الولايات المتحدة، ارتكب المتطرفون اليمينيون المتطرفون ثلثي الهجمات والمؤامرات الإرهابية في عام 2019 وحده.
علاوةً على ما سبق، لدى فرقة أتوموافين سجل في تهديد الصحفيين. ووجودها في أوكرانيا يثير القلق، من حيث تأثيرها على التغطية الإعلامية، لا سيّما في حالات انتهاكات حقوق الإنسان. لم يشهد العالم بعدُ حربًا بهذا الحجم تعرض عليهم باستمرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر هذه التغطية الإعلامية الضخمة.
وستواصل الجماعات المقاتلة المحلية والأجنبية المتطرفة الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي والترويج بسهولة لحملاتها المضللة. ولن يقتصر التلاعب بالرسائل والعقول على أولئك الموجودين داخل أوكرانيا فقط. لقد أثبتت الجماعات اليمينية المتطرفة قدرتها على تشويه الحقيقة، وتغيير التصورات في جميع أنحاء الغرب.
ورغم أن هذا المزيج الخطير من جماعاتٍ، مثل أتوموافين وآزوف، التي توحّد قواها، يثير قلقًا بالغًا للدول التي قد يكون لديها مقاتلون عائدون، فإنه يهدد في المقام الأول القوات العسكرية، والعاملين في مجال الإغاثة، والصحفيين، والمدنيين في أوكرانيا في هذا الوقت.
في خضم الفوضى الحاصلة حاليًا في أوكرانيا، والحدود التي يسهل اختراقها بالقرب من بولندا، ستستقبل كتيبة آزوف أعضاء فرقة أتوموافين، وغيرهم من النازيين الجدد، بالترحاب وبأذرعٍ مفتوحة، وموارد وفيرة. وقد دعم العديد من القادة الأوروبيين مواطنيهم الذين يذهبون إلى أوكرانيا للقتال، مع التلميح إلى الصراعات السابقة؛ مثل الحرب الأهلية الإسبانية، والحرب العالمية الثانية.
المفارقة المؤسفة لهذا الشعور هي أنه قد ينتهي به الأمر إلى خلق الجانب الفاشي الذي واجهوه ذات يوم، وهم الآن في خوفٍ منه.
*باحثة متخصصة في الشؤون الأمنية العابرة للحدود الوطنية، تركز على حقوق الإنسان والصراعات ومكافحة الإرهاب.