آنا أجيليرا*
عانت -ولا تزال- منطقة الساحل الغربي، ومحيطها المباشر، حالة انعدام للأمن خلال السنوات الأخيرة. ففي نيجيريا على سبيل المثال، تؤدي العمليات الإرهابية الجهادية إلى اندلاع أعمال عنفٍ واسعة النطاق رغم سعى دول المنطقة لوضع سياسة لمكافحة الإرهاب، ونشر أعداد متنامية من قوات الأمن.
تكتيكات قاتلة: الانشقاق الجهادي في نيجيريا
منذ ظهور بوكو حرام في منتصف التسعينيات، اكتسبت الجماعة أرضًا ونفوذًا في جميع أنحاء الجزء الشمالي من نيجيريا، وارتكبت عددًا كبيرًا من أعمال العنف ضد الدولة والمجتمع، وقمعت بشدة أولئك الذين تحكمهم أو يرفضون الانضمام إلى صفوفها.
لكن الجماعة واجهت تحديات أيضًا، فقد شكّل تأسيس ولاية غرب إفريقيا، الفرع الإقليمي التابع لتنظيم داعش، والانشقاق عن بوكو حرام، عقبة خطيرة أمام أهداف واستراتيجيات هذه الأخيرة، ما أدّى إلى تصاعد تنافس شرس، قائم على الاختلافات الشخصية أكثر من الاختلافات الأيديولوجية، أو تضارب المصالح الجماعية.
ومع شن ولاية غرب إفريقيا حملتها الهجومية، أصبحت بوكو حرام تكافح من أجل البقاء وتأمين قوت يومها، خاصة بعد أن عرقلت منافستها الجهادية، ولاية غرب إفريقيا، تكتيكاتها التقليدية المتمثلة في الاختطاف للحصول على فدية وما إلى ذلك. وانتهى الصراع في مايو 2021 بوفاة زعيم بوكو حرام الكاريزمي، أبو بكر شيكاو، الذي فضّل أن يحرق نفسه على أن يقع أسيرًا في أيدي ولاية غرب إفريقيا.
الجدير بالذكر أن شخصية شيكاو كانت محورية بالنسبة لبوكو حرام. ذلك أنه تحت قيادته، تمكّنت الجماعة من شن تمرد إسلاموي غير مسبوق، ونفذت بعض الهجمات الأكثر فظاعة، مثل اختطاف أكثر من 200 طالبة في عام 2014 من مدرسة في مدينة شيبوك بولاية بورنو، واختطاف أكثر من 300 فتاة في ولاية كاتسينا في عام 2020.
وفي حين أن بوكو حرام كانت دائمًا جماعة تحاول البقاء على قيد الحياة، فقد وجدت ولاية غرب إفريقيا الأمر أسهل نسبيًا، حيث توسّعت بلا هوادة تحت مظلة القيادة المركزية لتنظيم داعش. ومع وفاة شيكاو والفوضى التي دبت في فصيله، تمكّنت ولاية غرب إفريقيا من تعزيز سيطرتها على الجزء الشمالي الشرقي من الدولة وحوض بحيرة تشاد.
قدرات بوكو حرام بعد وفاة شيكاو
مع زوال شيكاو بدأت قوة بوكو حرام في الانحسار، وهو ما وصفه بعض المتخصصين بأنه “بداية النهاية” لوجودها. ذلك أن استعراضها للقوة الذي جعلها الجماعة الإرهابية الأعلى مرتبة في عام 2020 قياسًا بعدد الهجمات، آخذ في التراجع: فقد تراجعت إلى المركز الرابع في عام 2021.
علاوة على تفوق ولاية غرب إفريقيا على جماعة بوكو حرام، فقد تراجعت قدرة الجماعة على الصمود تحت وطأة عمليات مكافحة الإرهاب التي تشنها قوات الأمن النيجيرية، خاصة في ولاية بورنو، حيث تمارس بوكو حرام تقليديًا مستوى غير مسبوق من السلطة.
ومنذ عام 2020، نجحت قوات مكافحة الإرهاب النيجيرية في طرد بوكو حرام من معاقلها السابقة، ودفعتها إلى التعاون مع أنواعٍ أخرى من الشبكات الإجرامية في المنطقة للبقاء على قيد الحياة. مثال على ذلك ما حدث في أوائل عام 2021، عندما اقتحم عدد من الرجال المسلحين مدرسة في ولاية زامفارا، في شمال غرب نيجيريا، واختطفوا قرابة 300 فتاة كن يدرسن هناك.
وعلى الرغم من أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، فإن طريقة تنفيذ الهجوم كانت مشابهة لتلك التي تستخدمها بوكو حرام، هذا مع العلم بأن العملية حدثت في بيئة بعيدة تمامًا عن منطقة نفوذها. لذلك يُعتقد أن الجماعة الإرهابية ربما استخدمت عصابات إجرامية لارتكاب عملية الاختطاف وبيع الرهائن: بوكو حرام لن تكسب المال من هذه العمليات فحسب، بل ستضمن لها السمعة المخيفة التي ترغب في استمرارها -وإظهار أنها لا تزال موجودة- من خلال الادّعاء بارتكاب هجمات ربما لم تقم بها. هذه الشراكة الاستراتيجية بين الشبكات الإجرامية والجهاديين تجلب منافع للجانبين، وهو أسلوب تكافلي خطير يُنذر بعواقب يصعب التكهن بها.
بصفة عامة، يشير خط الاتجاه إلى أن بوكو حرام تمر بنقطة تحوّل. فشيكاو الذي كان رمزًا للعديد من مسلحي الجماعة وشخصية مرجعية للسلطة بعد أن تخلى عن توجيهات القيادة المركزية لتنظيم داعش قد اختفى الآن. وسيكون من الصعب إيجاد بديل يتمتع بالدرجة ذاتها من الكاريزما والمهارة التنظيمية للحفاظ على لُحمة الجماعة.
لقد تعرّضت بوكو حرام لانتكاسةٍ قوية، وربما قاتلة، على يد ولاية غرب إفريقيا، التي تمتلك موارد اقتصادية وبشرية أكبر لقضيتها. ومع ذلك، فإن بقايا بوكو حرام لن تنشق -كما يعتقد البعض- وتنضم بشكلٍ جماعي إلى ولاية غرب إفريقيا. بل على العكس من ذلك، بوكو حرام تقاوم بشراسة محاولات استيعاب أعضائها من قبل الولايات المحلية لداعش.
وهناك مؤشرات أيضًا على أن بوكو حرام لا تزال قادرة على ممارسة السلطة، حيث ينخرط بعض مسلحيها في أعمال عنف ضد قوات الأمن والسكان المدنيين النيجيريين منذ وفاة شيكاو، ومن المرجح أن بوكو حرام كانت وراء مقتل أمير داعش، أبو مصعب البرناوي، بعد بضعة أشهر من مقتل شيكاو.
إجمالًا، يمكن القول إن بوكو حرام دخلت في مرحلة مراجعة النفس. وقد تراجع الجماعة حساباتها وتكتيكاتها لتعويض فقدان زعيمها، وانخفاض مصادر إيراداتها، وقد تترنح تحت وقع الحملة المزدوجة لولاية غرب إفريقيا التي تحاول استمالة أعضائها، والدولة النيجيرية التي تقدم مسارات لتسريح أعضائها في ظلِّ السعي لتحقيق بعض الاستقرار في خضم الوضع الأمني الهش.
* باحثة في المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا، ومنسقة برنامج الباحثين الشباب.