بقلم خبير شؤون الإرهاب: جان ستيهليك
بعد أن ملأت خزائنها بالأموال عام 2014، شرعت الدولة الإسلامية في بناء مؤسسة إعلامية متعددة الأوجه، مكلّفة بنشر رسالتها حول العالم، من أجل تجنيد المزيد من المقاتلين الأجانب.
ومن الملاحظ أن أساليب التجنيد التي تبنتها المجموعة في أوروبا تكررت وفقًا لإسراتيجية دعائية راسخة في جهازها الإعلامي. وبالطبع، يمكن رصد تقلبات جديدة في أساليبها الدعائية.
فمن أجل حصد الشهرة، ولفت انتباه الجماهير، استخدم التنظيم صورًا مروعة للتعذيب وعمليات الإعدام. لطالما كانت الصور العنيفة محورية في الدعايات الحربية، إلا التنظيم حاول التفوق على الوسائل التقليدية، من خلال استخدام مجموعة متنوعة من طرق الإعدام البشعة، إذ لاقت جاذبية خاصة في صفوف الجماهير الغربية. وبالطبع، ساعد المحتوى الناتج عن المجموعة على السيطرة على عناوين الصحافة الغربية.
ومن أجل الإقناع، استخدم التنظيم الحيل القديمة في تبرير العمليات العسكرية من خلال الخطاب الإسلامي. وعلى غرار المنظمات الجهادية الأخرى، زعمت الدولة الإسلامية أنها تنفذ “واجبًا مهملًا” من أجل استعادة الجنّة المفقودة.
وعلى عكس غيرها من التنظيمات، لم تكن الدولة الإسلامية مستعدة لانتظار الفرصة المناسبة لبناء المدينة الفاضلة، بل أعلنت الخلافة بشكل مباشر وفوري. وبعد ذلك، أدمجت هذا الإعلان في إطار دعواتها إلى جميع المسلمين “الحقيقيين” للقيام بهجرة إلى الخلافة. ولم يكن النداء موجهًا للمقاتلين فحسب، بل جرى استدعاء أطباء ومهندسين وباحثين وغيرهم من المهنيين كذلك.
كما طالبت الدولة الإسلامية المسلمين “الحقيقيين” في أوروبا، ممن لم يستطيعوا الهجرة، بالتعهد بالبيعة والولاء إلى “الخليفة” أبو بكر البغدادي، والعمل لصالح التنظيم في بلدان إقامتهم. وبهذا، عمل التنظيم على تمديد مفهومٍ قديمٍ لكسب ميزات جديدة: تصوير نفسه على أنه الفائز، وبالتالي الارتقاء فوق الخلاف في أعين المؤيدين المحتملين.
تميزت دعاية الدولة الإسلامية كذلك بالاهتمام بأدق التفاصيل. فقد أطلق التنظيم منذ بداية تأسيسه، مجلة دابق، ليستهدف بها الجماهير الغربية. ومما لا شك فيه أن المجلة حققت نجاحًا نوعيًا يقارن بجودة تحرير كبرى الدوريات الرئيسة في أوروبا. على سبيل المثال، جرى التقاط مقاطع فيديو لعمليات إعدام، وغيرها من العمليات، بزوايا وأبعاد مختلفة، وبمعدات احترافية، وجرى تحريرها بذكاء كبير قبل عرضها بأشكال جذابة وتصاميم مصقولة.
هذه الجودة في تصميم الدعاية الإعلامية ساعدت التنظيم في تحقيق انطلاقة فائقة مقارنة بتنظيم القاعدة، الذي عانى من أجل تلبية توقعات الجهاديين الأوروبيين، الذين اعتادوا على رؤية الرسومات الاحترافية.
ويمكن كذلك رؤية الروح الابتكارية في دعاية الدولة الإسلامية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. فقد سمح تويتر وفيس بوك لعملاء الدولة الإسلامية بتوزيع ونشر آلاف الرسائل القصيرة، المتميزة، التي لا تنسى في ذاكرة الجمهور. كما استخدم عملاء التنظيم تطبيقات الجوال وبرمجيات تحاكي تصرفات الإنسان لتعزيز الوصول والإقناع إلى الجماهير.
وبالإضافة إلى ذلك، جرى توقيت وتنسيق نشر المحتوى بعناية فائقة لتحقيق الحدّ الأقصى من التأثير. كما تمكن التنظيم من التغلب على العقبات اللغوية من خلال بث لهجات مختلفة باللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية وغيرها. ونتيجة لذلك، سرعان ما استحوذ التنظيم على القنوات الإسلامية المتطرفة، فضلًا عن توسيعها بشكل كبير، مما خلق شبكة متنامية من المؤيدين النشطين.
وبمجرد انجذابهم، يجري إشراك الجهاديين المحتملين مباشرة عبر تطبيقات مثل “واتس آب” و”تلغرام” وغيرها من الخدمات المشفرة. وقد مكّن هذا المجموعة من جذب المتعاطفين إلى مزيد من السير على درب التطرف، بما في ذلك تقديم المشورة المفيدة حول كيفية السفر إلى العراق وسوريا، وكيفية الحفاظ على التماسك الداخلي، وتنفيذ عمليات في الوقت الحقيقي.
وما هي النتيجة؟ توافد أكثر من 40,000 مقاتل إلى الدولة الإسلامية، من أكثر من 110 دولة، وما يقارب من 6000 مقاتل من أوروبا الغربية.
هذا الانجذاب العالمي -لا سيما الأوروبي- لدعاية تنظيم الدولة الإسلامية يفتح آفاقًا جديدة نحو إدراك فعالية الدعاية الإعلامية. والآن، ينبغي على حكومات أوروبا الغربية أن تتعامل مع آلاف العائدين المقاتلين في مراحل مختلفة من الفوضى العقلية، إذ لا يزال البعض منهم يحتفظ بعقائد أيديولوجية خطيرة، قد تؤدي إلى خلق جيل جديد من الجهاديين الأوروبيين.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا