
نشرت هذه المقالة في الأصل على موقع مركز “بولسي اكستشينج” في 28 يناير 2018
جاءت ردود الفعل على تعيين ساره خان، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، في منصب مفوض الحكومة لمكافحه التطرف، مخيبة للآمال بقدر ما كانت متوقعة. وبدلاً من التركيز على مؤهلاتها أو الأفكار والسلوكيات المتطرفة التي تريد مواجهتها، سيطرت على التغطية اللاحقة للتعيين ردود عدائية من قبل الإسلاميين وزملاءهم في الأحزاب اليسارية. وللأسف، فإن خطاب المظلومية السائد في حملة الانتقادات ضد خان على وسائل التواصل الاجتماعي – واستعداد الصحفيين لنشر تهديدات إضافية – يُظهر مدى أهمية المفوضية الجديدة.
كان الصوت الأعلى في حملة الانتقادات هذه للوزيرة السابقة البارونة سعيدة وارسي، التي زعمت أن خان “مجرد أداة وبوق لوزارة الداخلية” وأن تعيينها هو بمثابة تعيين “توبي يونج آخر[i]“. أما ناز شاه، عضو البرلمان عن حزب العمال، فقد استخدمت برنامج “بي بي سي توداي” لتوجيه اتهامات غامضة بشأن عدم استقلالية خان، وهذا على ما يبدو بسبب التمويل الذي قدمته -وتم الكشف عنه- وزارة الداخلية لمنظمة “انسباير” النسوية التي ترأسها خان، لحملة عام 2014 لتمكين النساء من حماية الأطفال من الدعاية الخبيثة التي يبثها تنظيم داعش عبر الإنترنت. وفي غضون 24 ساعة، وردت تقارير عن تقديم التماس، وقعت عليه 100 منظمة وباحث إسلامي، يدعون فيه لإقالة خان من هذا المنصب، قالو فيه لوزير الداخلية، “ليس لدينا ثقة في هذا التعيين ونخشى أن ترفض الجاليات المسلمة التنسيق مع السيدة خان”.
تقارير قليلة جداً تلك التي حاولت تناول الدور المستقبلي للمفوضية الجديدة أو التطرف الذي ألهم منفذو الهجمات الإرهابية المروعة التي وقعت العام الماضي أو الزيادة الأخيرة الحاصلة في جرائم الكراهية المسجلة. وقد حددت استراتيجية الحكومة لمكافحة التطرف عام 2015 الخطرين باعتبارهما مخاطر اجتماعية تنجم عن التطرف، وأن خبرات خان تؤهلها بشكل فريد للمساعدة في قيادة جهود مواجهة هذه المخاطر. لقد بدأت خان تأسيس منظمة “انسباير” في مطبخها قبل عشر سنوات ومضت قُدما ليس فقط في إبعاد الشباب الصغار من الانخراط في الإرهاب، بل أيضاً التوعية ضد مخاطر الكراهية والتعصب بين المسلمين. وتوجّت جهودها بصدور كتابها في عام 2016 الذي سعى لاستعادة هوية المسلمين البريطانيين من التطرف الإسلامي.
أكبر خطأ ارتكبته البارونة وارسي هو تشبيه تعيين خان في منصب المفوض بتعيين توبي يونج. ذلك أن اختيار خان، والغضب المصطنع تجاهه- حتى وجود مفوضية لمكافحة التطرف- يتجاوز بكثير مدى ملائمة شخص واحد لمنصب عام. فالأمر يتعلق بتمثيل المجتمع، والانخراط، والتهديد. الأمر يتعلق بمن يدعي الحديث عن المسلمين البريطانيين، الذين تدعمهم الحكومة في أوساط الجاليات ويسعون لتحديد الملامح المقبولة للمعتقدات في الحياة العامة.
أولاً، التمثيل. الادعاء بأن خان لا تمثل الجاليات البريطانية المسلمة ما هو إلا ذر للرماد في العيون. ذلك أن دور المفوضية ليس التمثيل، بل تحديد التطرف وإسداء النصح للحكومة. فالحكومة ملتزمة بمواجهة كافة أشكال التطرف، وتعطي حالياً أولوية لمواجهة المتطرفين اليمينيين والإسلاميين على حد سواء. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الذين سبق واتهموا الحكومة بالعنصرية نظراً لتركيزها المفرط على الجاليات المسلمة في جهود مكافحة التطرف، هي الأصوات نفسها التي تنتقد الآن خان لكونها ليست المسلمة المناسبة لقيادة المفوضية.
في هذا السياق، ذكرت صحيفة التايمز نقلاً عن مجموعات إسلامية قولها إن “مسؤولة مكافحة التطرف ساره خان تفتقر للمصداقية”. لكن ما هي المنظمات الإسلامية الذي وصل عددها مائة، التي وقعت على الالتماس وهل تمثل المجتمع حقاً؟ هؤلاء الذين ينخرطون في هذه الحملة الإعلامية ضد خان بشكل صريح هم “المجلس الإسلامي البريطاني” و”المنظمة الإسلامية للانخراط والتنمية”. ونظراً لانقطاع صلاتها بالحكومة في عام 2009 عقب توقيع أحد قادتها على بيان يبدو أنه يتغاضى عن العنف ضد القوات البريطانية، إذا كانوا يؤيدون فرض حصار أسلحة على غزة، ولا يزال المجلس الإسلامي البريطاني وقادته يتبنون مواقف غير واضحة بشأن الإرهاب الذي تمارسه حركة “حماس”، ويقللون من التهديد الناجم عن التطرف، ويبدون تعصباً تجاه الطائفة الأحمدية المسلمة، كل هذا في الوقت الذي يرفضون تقبل أي انتقادات باعتبار أنها تنم عن “كراهية الإسلام والمسلمين”. المنظمة الإسلامية للانخراط والتنمية أيضاً قد اتهمت من قبل البعض بأنها تربط نفسها بأشخاص تبنوا وجهات نظر متطرفة أو متعصبة، وخسر مديرها السابق قضية تشهير ضد صحيفة وصفته بأنه “متطرف ومتشدد إسلامي” في سياق تعليقات أصدرها دعماً لمقتل جنود بريطانيين وأمريكيين في العراق على يد رفقاء مسلمين.
إذن، لا عجب أن خان قد انتقدت المنظمتين السابقتين لتغاضيهما عن التطرف في فروعهما أو في أوساط موظفيهما. كما انضم “مجلس لوتون السني للمساجد” بشكل علني لحملة الانتقادات ضد خان، زاعماً أنها أخفقت في تعزيز “الثقة عبر الجاليات المتنوعة في بريطانيا”. غير أن الأمر الذي لم يذكره في بيانه هو أن أحد أعضائها، “صندوق جمعية الإغاثة الإسلامية”، قد استضاف جماعة “خاتم النبوة”، جماعة باكستانية مناهضة للطائفة الأحمدية- وفعل ذلك حتى بعد مقتل أسعد شاه، صاحب متجر ينتمي للطائفة الأحمدية، في جريمة قتل بدافع ديني في عام 2016- وأن خان قد انتقدت علانية المجلس للقيام بذلك. ومن غير المرجح أن يسهم المجلس في تعزيز الثقة في أوساط الجاليات الأحمدية المسلمة، ولا يعرف المرء ما رأي تلك الجاليات – وغيرها من ضحايا التحريض الذي يمارسه الإسلاميين، في تعيين خان في هذا المنصب.
ورغم أنه لم تُنشر بعد القائمة الكاملة لمنتقدي خان، ينبغي فهم أن كثيراً من هؤلاء الذين نعرفهم يروجون لخطاب المظلومية الذي يردد مع أيديولوجية الإسلاميين. إنها ليست مجرد منظمات إسلامية. ولا ينبغي أن تعتبر ممثلة للجاليات الإسلامية. في عام 2016، أجرى مركز بولسي اكستشينج واحداً من أضخم الاستطلاعات النوعية والكمية عن الجاليات البريطانية المسلمة. ووجد أن 2% فقط من المسلمين يعتقدون أن المجلس الإسلامي البريطاني يمثلهم. إن منظمات من هذا النوع لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من المسلمين في بريطانيا، وفي ظل سجلها الطائفي، من المرجح أن تستبعد القائمة الكاملة المعادية لخان الكثير من الجماعات- مثل الأحمدية- التي لا تتفق معها في العادة الحركات السنية المتطرفة.
ثانياً، الانخراط. تعهدت الحكومات البريطانية المتعاقبة بمواجهة التطرف، وليس التطرف العنيف فقط، ولا شك أن تعيين خان في هذا المنصب يعزز هذا الاتجاه. مراجعة عام 2011 لاستراتيجية مكافحة التطرف ألزمت الحكومة بعدم تمويل أو التعامل مع الجماعات أو الأفراد الذين يتبنون آراء متطرفة أو متعصبة. وشمل هذا المنظمات الإسلامية التي تم التغاضي عن موقفها تجاه الإرهاب أو تعصبها ضد اليهود والمثليين جنسيا أو المسلمين الآخرين، نظراً للاعتقاد بأنها تمثل حصناً منيعاً ضد عنف الجهاديين على السواحل البريطانية. وهناك البعض ممن يعارضون مبدأ عدم الانخراط هذا ومن ثم يعارضون تعيين خان، ليس أقلها المنظمات الإسلامية العامة، مثل المجلس الإسلامي البريطاني، التي وجدت نفسها مستبعدة من التمويل أو الرعاية التي توفرها الحكومة. من جهتها، أظهرت البارونة وارسي نفسها كمعارض عنيد لعدم الانخراط وما تزال تتعامل مع كلا من المجلس الإسلامي البريطاني والمنظمة الإسلامية للانخراط والتنمية. ورغم الجهود الأخيرة لإعادة الانخراط التي يقودها المجلس الإسلامي البريطاني، فإن تعيين خان يشير إلى أن الحكومة لا تريد العودة إلى سياسة “حارس البوابة”، حيث يتم التعامل مع المسلمين عبر منظمات مجتمعية يتم تعيينها ذاتياً ومن دون تدخل.
وترى كثير من المنظمات الإسلامية أو السلفية التي عملت في السابق مع السلطات بغرض تعزيز المشاركة الاجتماعية ومكافحة الإرهاب أن مصداقيتها تنحصر فقط في التأثير على الشباب المسلم الساخط. تظهر قضية المصداقية- وهي مسألة مضللة أيضاً- في انتقاد تعيين خان. على سبيل المثال، بابار أحمد، الذين أدين في الولايات المتحدة الأمريكية في قضية تقديم دعم مادي لحركة طالبان والمساهمة في الدعاية لتنظيم القاعدة عبر الإنترنت في أوائل فترة التسعينيات، غرّد في اليوم الأول لتعيين خان قائلاً: ” هل تعتقدون أن الشباب البريطاني المسلم المتعاطف مع هجمات مانشستر ولندن بريدج يرى في ]خان[ نموذجا رياديا يحظى بالاحترام؟”. لكن كسب احترام إرهابي مُدان ومتعاطفين إرهابيين يمثل حد أدنى لأي تعيين في منصب حكومي، ليس أقله منصب يهدف إلى التصدي للأفكار ذاتها التي يمكن أن تثير الانقسام وتدعم العنف.
بعض الجماعات الإسلامية أقنعت الأحزاب اليسارية بأنها، هي فقط، تمثل الجاليات المسلمة. غير أن خان ترفض المشاركة في هذه اللعبة. وتوضح، على سبيل المثال، في كتابها كيف أن لوبي لا يمثل المجتمع ويناهض استراتيجية مكافحة التطرف قد هيمن على الخطاب العام من خلال نشر معلومات مضللة توصف الاستراتيجية بأنها تمثل هجوماً عنصرياً على المسلمين. وترى خان أنه ليس صحيحاً أن المسلمين جميعاً يعارضون استراتيجية مكافحة التطرف. (الاستطلاع الذي أجراه مركز بولسي اكستشينج عام 2016 يظهر أيضاً أن الجاليات المسلمة راضية بشكل عام عن تدابير الحكومة لمكافحة للتطرف). ولا عجب إذن أن وزيرة الداخلية في حكومة الظل ديان أبوت انتقدت تعيين خان واصفة ذلك بأنه قرار “غير صائب” بسبب دعم خان لاستراتيجية مكافحة التطرف. وفي ظل قيادة جيرمي كوربن، اصطف حزب العمال أكثر من أي وقت مضى إلى جانب الإسلاميين في إدانتهم لاستراتيجية مكافحة التطرف، ومن ثم ضحى بناشطة مسلمة ناجحة في مجال حقوق المرأة في سبيل مناهضة الامبريالية “التقدمية”.
وأخيراً، التهديد: تتعرض خان وعدد من الناشطين المسلمين الآخرين بشكل اعتيادي لانتهاكات وتهديدات من المتطرفين الإسلاميين الذين يرفضون عملها في مجال مكافحة التطرف والتزامها بالتعددية، داخل المجتمعات المسلمة والمجتمع البريطاني بشكل عام. النقد اللاذع الذي يتضح بجلاء في كثير من ردود الفعل عبر الإنترنت على تعيينها يدلل على التهديد الذي تتعرض له من قبل الإسلاميين. وقد جاءت أحد الأمثلة الصارخة على هذا من روشان صالح، محرر “5Pillars ” موقع إلكتروني إسلامي، وصحفي في قناة برس، التي تدعمها الحكومة الإيرانية. نشر صالح ملصق مُعدّل باستخدام برنامج الفوتوشوب لفيلم فيكتوريا &عبدول الذي أطلق عام 2017 الذي يتم فيه استبدال الملكة فيكتوريا برئيسة الوزراء تيريزا ماي ورجل الدين الهندي عبدالكريم بخان وكتب أسفل الملصق “القصة المذهلة لأكثر المخبرين المقربين من رئيسة الوزراء”. وعادة ما يتم تشويه سمعة الناشطين المسلمين في مجال مكافحة التطرف ووصفهم بالخائنين لدينهم، وهو ما يعادل في أوساط المتطرفين التهديد بالقتل.
خلال الأسابيع الأخيرة، شنت المنظمة الإسلامية للانخراط والتنمية حملة ضد القرار الذي اتخذته مدرسة سانت ستيفن الابتدائية في مدينة نيوهام بمنع الفتيات دون الثامنة من ارتداء الحجاب. وأوردت صحيفة “التايمز” أن رئيس مجلس إدارة المدرسة، الذي أعرب عن مخاوفه من أن التأثير غير المبرر لرجال الدين المحليين يحد من فرص التلاميذ ويقوض المساواة بين الجنسين، قد أرغم على الاستقالة، وأن مدير المدرسة قد شبهه بهتلر في فيلم تم تداوله عبر الإنترنت. وفي حين أن الجماعات الإسلامية غالبا ما تستخدم لغة حقوق الإنسان لإخفاء توجهاتها السلطوية، فإن لغة التعصب والتهديد التي اتسمت بهما الحملة تقوض دعوة المنظمة الإسلامية للانخراط والتنمية بشأن حق الآباء في ممارسة دينهم.
وهكذا، تُعد حادثة سانت ستيفن مثالاً جيداً يُذكرنا ليس فقط بالتحديات التي تواجه المفوضية الجديدة لمكافحة التطرف، بل بالنوايا الحسنة لمنتقدي خان أيضاً. لدى خان سجلاً مثبتاً في التصدي لعدم المساواة بين الجنسين في المدارس، ذلك أن منظمتها شاركت في الدعوى القضائية لمكتب مراقبة جودة التعليم، الذي يُعرف اختصار باسم (أوفستد) ضد ممارسة الفصل بين الجنسين في المدارس الإسلامية المختلطة. وعلى النقيض من ذلك، يُلاحظ أن المنظمة هي جزء من حملة تهدف إلى التشهير برئيس مجلس إدارة مدرسة مسلم، الذي تختلف معه وتصفه بأنه “من أنصار كراهية الإسلام والمسلمين”. وختاماً، يمكن القول إن أكبر تحد يواجه المفوضية هو حل الصراع بين النزعة الطائفية القائمة على الدين والنزعة الفردية القائمة على الحقوق في عصر سياسة الهوية. ولعل أكثر ما يثير حفيظة منتقدي خان هو التزامها بالتوعية ضد الأيديولوجيات المثيرة للانقسام وهؤلاء الذين يسوقونها باسم الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[i] المترجم: في إشارة إلى تعيين توبي يونج، صحفي بريطاني، مدير غير تنفيذي لمجلس مكتب الطلاب. وقد استقال عقب تعيينه بأسبوع على خلفية تعليقات نشرها على تويتر تحض على كراهية النساء والمثليين جنسياً.