واثق واثق*
استغل المتطرفون والإرهابيون وباء كوفيد-19 لمواصلة حملتهم الإرهابية. على الجبهة الاستراتيجية، استخدمه الإسلاميون وسيلةً لبثِّ رسالة مفادها أن الحكومات تواجه صعوبات جمّة في مكافحة الوباء، ما يعني أن هذه هي الفرصة المثالية لتوجيه ضرباتهم. واستغله اليمين المتطرف أيضًا، حيث افترض أن السكان في المستشفيات سيكونون أكثر من المعتاد، وبالتالي فإن مهاجمتهم قد تتسبب في إيقاع أكبر عدد من الضحايا. وفي حين أن الإغلاق في العديد من الدول يعني أن أعدادًا كبيرة من السكان لا تعمل كالمعتاد، فإن الإرهاب لم يتوقف، بل تكيّف مع هذه البيئة الجديدة.
ما نظرياتُ المؤامرة؟
إحدى الطرق التي تكيّف بها الإرهابيون مع الوضع الجديد هي استخدام نظريات المؤامرة. لقد مكّن كوفيد-19 المتطرفين والإرهابيين من تجديد واختلاق روايات جديدة تخدم أجندتهم. وقد دفعت قنوات الدعاية الحكومية الإيرانية بالرسالة القائلة بأن هناك نسخة محددة من كوفيد-19 تستهدف الإيرانيين. وقد فعل اليمين المتطرف الشيء نفسه بإلقاء اللوم على كوفيد-19 وأنه ضمن أجندة تسعى إلى السيطرة على العالم من خلال القضاء على السكان البيض. ورغم الهزل الذي قد تبدو عليه هذه الأفكار، فإن نظرية المؤامرة لرجل ما هي حقيقة بالنسبة لرجل آخر.
لذا، فربما لا يكون مستغربًا أن تعريف “نظرية المؤامرة” لا يفتقر لتوافق الآراء. فأحد التعريفات المستخدمة على نطاق واسع تقول إن نظريات المؤامرة هي “الاقتناع بأن مجموعة من الجهات الفاعلة تجتمع في اتفاقٍ سري بهدف تحقيق هدف خبيث”. ومع ذلك، يقول تعريف آخر يحظى بالتقدير إن نظريات المؤامرة هي “أي تفسير لحدث يستشهد بوجود مؤامرة كسببٍ بارز”.
ومع ذلك، فإن أحد العناصر العامة في نظريات المؤامرة هو الاعتقاد بأن قوة شريرة تعمل في الظل تسعى إلى تعزيز أجندة ضد الإرادة الشعبية. وهكذا، فليس من المستغرب أن ينظر المتطرفون والإرهابيون على اختلاف مشاربهم، الذين يعتمدون على أيديولوجيات تآمرية مذعورة، إلى نظريات المؤامرة باعتبارها أداة مفيدة، ووسيلة لتحقيق غايتهم.
لماذا يتبنى الناس نظريات المؤامرة؟
ينجذب الأفراد إلى نظريات المؤامرة -في معظم الحالات- بدوافع معرفية. فعندما لا تشبع المصادر الأساسية مثل وسائل الإعلام الرئيسة الرغبة في المعرفة، ينصرف الأفراد إلى مصادر “بديلة”. عندما يواجهون فائضًا من المعلومات المتضاربة، قد تبدو نظريات المؤامرة موثوقة كما الحقيقة. ولكن يمكن أيضًا اختيار نظريات المؤامرة عن عمد كوسيلة لحماية اعتقاد عزيز لدى المرء -لا سيما في أوقات عدم اليقين عندما تكون هذه المعتقدات الأكثر قيمة عاطفيا- على سبيل المثال خلال وباء فيروس كورونا.
إحدى الطرق للتمييز بين نظرية المؤامرة ونظرية قائمة على الواقع قد تتضمن مؤامرة أيضًا هي أن الأولى محصنة ضد الأدلة. وبدلًا من تغيير نظرية ما على أساس معلوماتٍ جديدة، فإن نظرية المؤامرة تدمج كلَّ المعلومات الجديدة في أطروحتها الأصلية، وأي شخص يقدِّم أدلة لا يمكن تضمينها في هذه النظرية يعتبر جزءًا من المؤامرة، وهذا دليل فقط على أن القوى التي تحاول قمع الحقيقة هي أكبر بكثير مما اقترح في الأصل.
وهكذا، تشكِّل نظريات المؤامرة أداة مفيدة للإسلامويين واليمينين المتطرفين على حد سواء؛ حيث تساعدهم في تحويل الآخرين للتطرف. وبمجرد أن يقبل الفرد بالأيديولوجيا، يصبح أي “هجوم” على هذا الاعتقاد غير شرعي ودليل على خبث الناقد. وبدلًا من الإضرار بنظام المعتقدات، يمكن لهذه الهجمات أن توفر الاطمئنان، وتوفر بالتأكيد للمتطرفين فرصة لاستدراج الأفراد المتطرفين إلى أعمق من ذلك في الفقاعة المتطرفة، وسحبهم من التأثيرات المضادة وتشجيعهم على التماس الراحة في البيئة المتجانسة للمتطرفين التي تشعرهم “بالأمان”.
الجدير بالذكر أن فائدة نظريات المؤامرة في تماسك نظام معرفي، كان لا يمكن الدفاع عنه لولا ذلك، هي أحد الأسباب التي تجعلها أكثر انتشارًا في وقت أصبحت فيه السياسة أكثر استقطابًا. ولهذا، فهي جذابة: فبدلًا من أن يعيد الناس تقييم وجهات نظرهم استنادًا إلى الأدلة، ناهيك عن الاعتراف بأن “هم” ارتكبوا خطأ، فإن نظرية المؤامرة يمكن أن تثبت أنهم كانوا على حق طوال الوقت.
وثمة جانب آخر لنظريات المؤامرة يتمثل في المعنى والإنجاز الذي توفره بالنسبة لحياة البعض. ذلك أن نظريات المؤامرة قد تشعر بعض الناس أنهم يسيطرون على حياتهم. على سبيل المثال، على الرغم من أن العالم يعاني من تفشي الوباء، فإن الشعور الناجم عن الشعور بالعجز قد يدفع الناس إلى اللجوء إلى نظريات المؤامرة كوسيلة للسيطرة على روايتهم الداخلية، ورفض التقارير الرسمية. ويبدو أن الحاجة إلى الاستقلال الذاتي في حياة المرء تدفع إلى هذا. علاوة على ذلك، فقد يعتقد الفرد، بقبوله نظرية المؤامرة، أنه قد قلَّل من “الخطر الذي تشكله المصادر الخطرة” في مواجهة المؤسسة. بعبارة أخرى، إنها أداة استراتيجية تستخدم لمهاجمة العدو المُتصوّر.
على غرار ذلك، فنظريات المؤامرة مفيدة من الناحية التكتيكية من حيث أنها تسمح للفرد بأن ينسبَ اللوم إلى كبش فداء ملائم. عندما يقع هجوم إرهابي والجناة مسلمون، يتبنى الإسلامويون واليمينيون المتطرفون هذا الأسلوب. إذ ينكر العديد من الإسلامويين ببساطة أن 11/9 نفَّذها مسلمون، وينسبون ذلك إلى “الصهاينة” أو الحكومة الأمريكية. وعلى النقيض من ذلك، يحاول اليمينيون المتطرفون توريط جميع المسلمين في مثل هذه الفظائع.
كيفية التعامل مع المشكلة
هناك طرقٌ للتعامل مع نظريات المؤامرة. أولًا، يجب القبول بأن نظريات المؤامرة ستكون موجودة دائمًا، لذلك فمن المهم مراقبة مساحة المعلومات الخاصة. ولا شك أن إزالة تلك النظريات من وسائل الإعلام لن يحل المشكلة، بل سيدفعها فقط تحت الأرض، ويجعل رصدها أكثر صعوبة. وبطبيعة الحال، يكمن الخطر في أن الاستمرار في استضافتها على منصاتنا يضخم رسالة المتطرفين، وبالتالي يحقق ما ينشده مُنظرّو المؤامرة. غير أنني لست مقتنعا بذلك لأن الغالبية العظمى من الجمهور لن تنساق إلى نظريات المؤامرة.
ثانيًا، بناء الثقة داخل وسائل إعلامنا الرئيسة. في حين أنها لا تتسم بالكمال، لا يمكننا أن نسمح لتعزيز فكرة أن وسائل الإعلام معادية للسكان. ويمكن أن تدفع هذه المفاهيم الأفراد لالتماس المعلومات من مصادر سيئة السمعة، بل وحتى من المتطرفين. هذا طريق ذو اتجاهين، ومع ذلك. ففي حين أننا بحاجة إلى أن نكون واثقين في تحدي نظريات المؤامرة التي تصوِّر وسائل الإعلام ككيان يخدم زمرة صغيرة معادية لمعظم الناس، يجب أن تكون وسائل الإعلام نفسها أكثر مسؤولية لتجنب منح مصداقية لهذه الفكرة.
الخلاصة
رغم أن نظريات المؤامرة قد تشكِّل خطرًا، فإن الخطر الأكبر هو كيفية استخدام نظريات المؤامرة لتعزيز أجندة خبيثة. إن تفكيك العلاقة النفعية بين أولئك الذين يتاجرون بنظريات المؤامرة والأفراد الذين يجدونها مفيدة قد يكون مفتاح وضع سياسة سليمة تقلِّل من التطرف والإرهاب إلى الحد الأدنى.
*مستشار منظمة “مسلمون ضد معاداة السامية”