استضاف مركز الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد ندوةً عبر الإنترنت بعنوان “مكانة الدين في أعقاب الانتفاضات [العربية]”، شارك فيها متحدثان؛ هما د.شادي حميد من “معهد بروكينجز”، ود.نادية عويدات من “مؤسسة أمريكا الجديدة”.
أشارت نادية إلى أنه لا يوجد موضوع أكثر أهمية بالنسبة للشرق الأوسط من الدين، ليس فقط على مدى السنوات العشر الماضية منذ “الربيع العربي” ولكن على مدى الـ 1400 عامٍ الماضية، لقد أثّر الدين على كل شيء في المنطقة، وصولًا إلى الجغرافيا واللغة. وحتى عندما تخلّف العالم الإسلامي عن العالم المسيحي، كان هناك رفض للاعتقاد بأن هناك أي شيء أخلاقي أو قيمي يمكن تعلّمه من الغرب. وفي حين جرى استيراد الأسلحة والتكنولوجيا من الغرب، رُفضت الثقافة والطرق التي أدّت إلى هذا التقدم.
وأضافت أن “كل جانب” من جوانب الحياة يتأثر بالإسلام، وحتى عندما وصلت موجات الإصلاح إلى الشرق الأوسط، فإنها لم تفلح بشكل عام في إدخال إصلاحات أساسية على دور الإسلام في الدولة. علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين حاولوا المضي في هذا الاتجاه وجدوا أنفسهم منبوذين ومضطهدين وممنوعين من التعبير. لكن وصول الإنترنت في فترة التسعينيات جعل من الصعب للغاية تخويف الأصوات الأكثر تطرفًا في النقاش، بما ترتب على ذلك من مزايا ومثالب. والآن يستطيع العلمانيون المتشددون أن يتحدثوا وينشروا أفكارهم، وكذلك الجهاديون.
وتوضح نادية أن دخول الإنترنت أحدث “سيلًا من المعرفة لم نكن نعرف حتى أنها موجودة”؛ حيث أصبحت الكتب المحظورة وغيرها من الأدبيات عن التاريخ العربي والإسلامي متاحة الآن بنقرة زرٍّ واحدة. واعتبر الكثير من العرب أن الحل يكمن في “دولة مدنية”، ولكن كانت هناك أقليات أكثر صراحة تتشكل بعد أن استطاعت الوصول إلى أعمال مثل عبد الله القصيمي، الأب الروحي للإلحاد العربي.
من جانبه، قال شادي حميد إن “الربيع العربي” “فشل” والسبب الرئيس هو الإخفاق في “استيعاب الدور الضخم للإسلام في الحياة العامة”. وأضاف أن “الإسلاموية” لم تكن موجودة قبل فترة العشرينيات؛ لأنه عندما كانت الخلافة قائمة، كان من المُسلّم به أن الإسلام يسيطر على الدولة والمجتمع. لقد “كانت [حقيقة] غير معلنة، لذلك لم تُقَلْ”. ومنذ زوال الإمبراطورية العثمانية، داخل العالم العربي المستقل “أصبح الانقسام الأساسي يتمحور حول دور الدين وعلاقة الدولة بالإسلام”. كان هذا هو “الانقسام الجوهري”، بدلًا من الانقسامات الاقتصادية بين اليسار واليمين التي تميل إلى الهيمنة على المجتمعات خارج الشرق الأوسط.
وأشار شادي إلى أنه مع انتشار الإلمام بالقراءة والكتابة بشكلٍ جماعي والتنمية الاقتصادية، فإن ازدياد التنوع الأيديولوجي والعرقي والديني هو ما يتوقعه المرء، وليس بالضرورة أمرًا مؤسفًا أن يكون الانقسام العلماني-الديني هو العامل الرئيس، شريطة إيجاد حل لإدارة ذلك. ويرى شادي أن هناك “حلًا واحدًا: الديمقراطية”، ولكن ليس الديمقراطية الليبرالية على الطريقة الغربية: ينبغي النظر إلى “مفهوم أضيق نطاقاً” للديمقراطية على أنه طريقة “لإدارة الصراع وتنظيمه” بين السكان الذين لا يحبون (أو حتى يكرهون) بعضهم البعض داخل الدول.
من جانبها، تؤكد نادية أن الدول الإسلاموية حتى ولو منتخبة فإنها تمارس القسر والإكراه، ومثال ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران، أو حكومة “الإخوان المسلمون” في مصر، أو تنظيم داعش في العراق وسوريا، فقد انتهت فكرة الدولة الإسلامية بالطغيان والكوارث. وتتفق مع شادي في أن العلمانية والليبرالية “المتشددة” تتمتع بمستويات ضئيلة من الدعم في المنطقة، وتتفق أيضًا مع شادي في أن هناك معارضة واسعة للحكم الديني، لذلك هناك بعض الأرضية المشتركة للتسوية الديمقراطية، شريطة أن يكون الإطار الديمقراطي مضمونًا، وهو ما مثّل مشكلة عندما وصل الإسلامويون إلى السلطة عن طريق الانتخابات، كما هو الحال في مصر، نظرًا أنهم لا يشعرون بأي التزام بترك السلطة بالطرق التي جلبتهم إليه.
وأشار المتحدثان إلى أنه من اللافت جدًا أن النموذج الديني الذي يتبعه النظام الإيراني -الذي حظي بقبولٍ واسع بين الإسلامويين العرب في أعقاب الثورة مباشرة- لم يعد لديه أيُّ مؤيدين تقريبًا في العالم العربي. إذ لم يعد أحد الآن يتذكر المفكرين الإسلامويين الماركسيين مثل علي شريعتي، الذي كانت أفكاره حول ديكتاتورية المحرومين تحظى بشعبيةٍ كبيرة.
وقال شادي إن الخطاب الإسلاموي في العالم العربي يتحدث الآن عن الديمقراطية، على الرغم من أنه يجب الاعتراف بأن هناك مشكلة “الخطاب المزدوج” مع الإسلامويين، حيث إن التزامهم بالديمقراطية الإجرائية أمرٌ مشكوك فيه.
وترى نادية أن محاولة التوفيق بين الإسلاموية والدولة القومية مستحيلة. الإسلاموية تضع الله فوق كل شيء، بل وتقمع المعارضين على هذا الأساس. أما بالنسبة للدولة القومية، فإن الشعب هو الأهم؛ ولا توجد فكرة تسمح بالقمع. وترى نادية أن الإسلاموية في حالة تراجع في المنطقة.
من جانبه، يتفق شادي في أن الإسلاموية في حالة تراجع في الوقت الراهن، ويحذِّر من أن الإسلامويين لديهم سجلٌ في القدرة على التعافي بسرعةٍ كبيرة عندما تسنح الفرصة. وتضيف نادية تحذيرًا إلى ذلك: الإسلامويون لديهم تمويلٌ هائل -من دولٍ؛ مثل تركيا وقطر- يسمح لهم بنشر أفكارهم من خلال المساجد، والمراكز الثقافية، والقنوات التلفزيونية الفضائية.. إلخ.