عقد موقع “عين أوروبية على التطرف” ندوته الحادية عشرة عبر الإنترنت لبحث الوضع في السويد، وذلك في أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت في السويد، ردًا على إعلان السياسي الدنماركي السويدي راسموس بالودان، زعيم حركة “الخط المتشدد” اليمينية المتطرفة، أنه سيقوم بـ “جولة” لحرق نسخٍ من القرآن خلال شهر رمضان المبارك. الجدير بالذكر أن السلطات السويدية اعتقلت أكثر من أربعين شخصًا بعد انتشار العنف في خمس مدن سويدية خلال عطلة عيد الفصح. وأسفرت الأحداث عن إصابة ستة وعشرين شرطيًا وأربعة عشر مواطنًا آخرين بجروح، فضلًا على تدمير أكثر من عشرين مركبة.
هذه القضية تحديدًا ليست جديدة، فلقد أثارت المشكلة طويلة الأمد التي تعاني منها المجتمعات الغربية، المتمثلة في الصدام بين حرية التعبير والحساسيات الدينية، التي تتشابك مع قضايا أخرى مثل صعود القوى اليمينية المتطرفة في الدول الإسكندنافية.
لبحث هذه القضية، وتسليط الضوء على الاستراتيجيات الممكنة للتخفيف من حدتها، وتحقيق الوئام المجتمعي بين سكان السويد الذين يتسمون بالتنوع، استضاف موقع “عين أوروبية على التطرف” لجنة من الخبراء تتكون من:
طاهر عباس: بروفيسور دراسات التطرف في معهد الأمن والشؤون العالمية في لاهاي، جامعة لايدن.
جابرييل سيوبلوم فودور: باحث متخصص في دراسة الطوائف الدينية، ومكافحة التطرف العنيف في المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف.
_______________________________________________
بدأ البروفيسور طاهر عباس بالتأكيد على أن “إعادة صياغة المسألة بدًلا من أنه ما إذا كانت تُعتبر هذه الأعمال [حرق المصاحف] استفزازية، ومن ثم تستدعي رد الفعل الذي يسعى إليه بالودان، أي تأكيد التحيز بأن المسلمين رجعيون وخطرون… إلى ما إذا كانت تُعتبر استفزازية، وليس ممارسة لحرية التعبير، صحيحة جدًا هنا”.
وفي هذا الصدد، يقول عباس إن جذور رد الفعل العنيف على حرق الكتاب المقدس للمسلمين تكمن في وجود “درجات عالية من الإقصاء والتهميش” التي تشهدها حياة المسلمين في السويد، الأمر الذي يجعلهم “عُرضة لهذا النوع من الاستفزاز”. ويضيف أن رد الفعل ليس فقط على التجديف، بل هو رد فعل على “الضغوط المتراكمة” المتمثلة في “الشعور بالإقصاء”، وعلى “التطبيع المفرط للإسلاموفوبيا”، الذي يُمارس “تحت عباءة حرية التعبير”. كما يشير عباس إلى النيوليبرالية تتسبب في عدم المساواة، التي تصبح بدورها عاملًا في خلق هذه الظروف الاجتماعية.
من ناحيته، يرى جابرييل سيوبلوم-فودور أن حرق المصحف بالنسبة المسلمين في السويد، وهم مهاجرون حديثون أو أبناء مهاجرون، هو بمنزلة “رش الملح على الجرح”، كما أنهم غضبوا بشكل خاص من حماية الشرطة للاحتجاج الذي نظمه بالودان: “يبدو الأمر وكأنه استفزاز من الدولة، وهو ليس كذلك”، كما يقول سيوبلوم-فودور، لكن “الكثيرين لا يفهمون حقًا الكيفية التي يتفاعل بها المجتمع” بسبب الفصل الاجتماعي وأشياء أخرى. لقد فُسِّر على أن الدولة “تقف ضد المسلمين. لكن من الواضح أنه غير صحيح، ولكنه فسِّر بهذه الطريقة”.
ويرى سيوبلوم فودور أن هناك قضية أخرى تتمثل في أن المناطق التي يعيش فيها المسلمون غالبًا ما تتسم بارتفاع معدلات الجريمة وغيرها من الاضطرابات الاجتماعية مقارنة بغيرها. لقد شعروا بالاستياء من تواجد الشرطة لحماية حرية التعبير لمُحرِّض مثل بالودان، في حين أنهم لا يجدونها عندما يحتاجون إليها لحمايتهم من تَهَجُّم جيرانهم. كل هذه العوامل غذّت “التفسير الغريب” الذي تبناه المجتمع المسلم للأحداث.
صدام لا مناص منه
بعض هذه المشكلات أمر لا مفر منه بالنسبة للسويد. وفي هذا الصدد، يوضح سيوبلوم فودور، أنه في عام 1930، كان المسلمون يمثلون اثنين وثلاثين فردًا فقط في السويد، من أصل ستة ملايين نسمة، نسبة بالكاد يمكن حسابها. أما الآن، فيوجد 700,000 مسلم من أصل عشرة ملايين سويدي، أي 7% من المجموع، وقد وصلت نسبة كبيرة منهم إلى الدولة في العقدين الماضيين. وهذا يمثل تغيرًا ديموغرافيًا سريعًا: “ومن الواضح أنه كانت هناك قضايا في التكيف معه”.
وهناك عوامل أخرى تتمثل في كيف جاءت هذه الجالية المسلمة إلى السويد، ونوعية أفرادها. فلقد كان المستوطنون المسلمون الأوائل في السويد من الطبقة العاملة، وجاءوا كعمال ضيوف، ولم يكن من المتصوّر أنهم سيبقون. لكنهم بقوا واستقروا. وعلى عكس نظرائهم السويديين العرقيين، لم يرتقوا حتى الآن إلى أعلى السلم الاجتماعي والاقتصادي، لذلك لم ينتقلوا أبدًا من مساكن العمال التي كانوا فيها، وشكّلوا ما يصفه سيوبلوم-فودور بأنها “جيوب”. وكان لذلك تأثيرات جانبية، مثل تدني المدارس التي يُلحقون بها أطفالهم، والعيش في مناطق ذات كثافة سكانية أكبر. لذا، عندما تقع أحداث مثل حرق المصحف، فإنها تزيد من شعورهم بالاستغلال وتؤجج من استيائهم.
اتفق المتحدثان على أن هذه مسائل ذات طبيعة تاريخية، وأن نقطة الاشتعال في الفعل الذي أقدم عليه بالودان قد فجّر قضايا مكبوتة. فيما يتعلق بموضوع التاريخ، يقول سيوبلوم فودور إن هذه قضايا تتعلق بتفسير المسلمين “للمعايير الاجتماعية والثقافية”: ما يبدو عدائيًا -لكلا الجانبين- ليس كذلك. إنه مجرد سوء فهم. القضية الرئيسة هي الدين، بما أن الدول الإسكندنافية هي من بين أكثر الدول غير المتدينة على وجه الأرض، والمجتمع موغل في العلمانية، فإن المظاهر المرئية للتدين الإسلامي تثير الشك، وليس العداء في حد ذاته، بل الحذر. وينظر المسلمون إلى هذا الأمر على أنه إهانة، ما يعزز الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم. وفي حين يرى السويديون وغيرهم من الإسكندنافيين، على نطاق أوسع، علمانيتهم الصرفة كموقف محايد، فإن المسلمين يعتبرونها إهانة. وليس هناك من سبيل سهل للتقريب بين وجهتي نظر الجانبين.
داعش وعوامل التوتر الأخرى
علاوة على ما سبق، اتفق المتحدثان على أن صعود داعش أدّى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية. ففي ديسمبر 2010، شهدت السويد هجومين إرهابيين إسلامويين: تفجير انتحاري في وسط مدينة ستوكهولم، ومؤامرة لقتل موظفي صحيفة يولاندز بوستن، الصحيفة التي كانت محور الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية سيئة السمعة عام 2005. كما التحق 300 مسلم سويدي بصفوف داعش. هذه الأمور جعلت المسلمين السويديين يشعرون بأنهم “محاصرون”، على حد تعبير عباس، وفي هذا الشعور بعض الحقيقة لأن المجتمع السويدي الأوسع نظر إلى هذه الأقلية السكانية بارتيابٍ إلى حد ما، متسائلًا عن مستوى تعاطفه مع الجهاديين.
وردًا على سؤال مباشر حول ما إذا كانت المفاهيم الإسلامية للتجديف قد لعبت دورًا فعالًا في الردود العنيفة على حرق المصحف، وحتى عمليات الحرق المقترحة التي لم تحدث أبدًا، قال عباس إن رد الفعل هذا يعكس في الواقع “مجموعة من المظالم المتراكمة”: تدني المدارس وعدم ضبط الأمن في مناطقهم، و”وسائل الإعلام المعادية”، وما إلى ذلك، ما يهيئ بيئة خصبة للتطرف.
في الواقع، يرى عباس أن الحل ربما يكمن في “زيادة الوعي بالإسلام”، بمعنى تثقيف المؤمنين بالطبيعة الحقيقية لإيمانهم ومساهماته في الحضارة. ويتفق سيوبلوم-فودور مع هذا الرأي، قائلًا: “إنه الضغط الذي يولد الانفجار: تراكم العديد من الأشياء الصغيرة”. ويضيف عباس أن رد الفعل العنيف يأتي بعد وصول الأمور إلى “نقطة حرجة”، عندما يصبح العنف اللغة الحقيقية الوحيدة التي يمكنهم التعبير من خلالها.. للرد على المشكلات الأوسع نطاقًا والإقصاء المؤسسي. إنه تراكم للعديد من العوامل ربما بسبب سوء فهمهم للدين.. توجد بعض أوجه عدم المساواة. المسلمون لا يلجأون إلى القانون بالطريقة نفسها التي تتوقعونها من الجميع بسبب وجود بعض الممارسات التمييزية”.
ومع ذلك، يقول عباس إنه لا ينبغي المبالغة في تعميم هذا الأمر لأن مثيري الشغب هم “عنصر إجرامي” من بين جملة “الشباب الغاضب”، وهذا العنصر يسعى للتعبير جزئيًا عن “نزعته الذكورية”، غير أن الأضواء تسلّط على هذه “القلة”.
يؤكد سيوبلوم-فودور هذا الرأي، مشيرًا إلى أن الأئمة المعتدلين يطلبون من الناس عدم الخروج لأن أفضل طريقة للرد على بالودان هي تجاهله وحرمانه من نيل مبتغاه.
_______________________________________________
في فقرتي الأسئلة والأجوبة، تناول المتحدثان من بين أمورٍ أخرى، قضايا عدم المساواة، وكيف أنها تساهم في صعود اليمين المتطرف، إضافة إلى العولمة، والقومية، والهجرة، والتعليم الديني، ودور تركيا.