عقد موقع “عين أوروبية على التطرف” ندوته الثامنة، عبر الإنترنت، لبحث أوجه التهديد الناجمة عن انتشار الأيديولوجيات المتطرفة، التي يتم التعبير عنها بشكلٍ أكثر حدَّة عندما تؤدي إلى الإرهاب، على الرغم من أنها تتجلى في العديد من الطرق المؤذية الأخرى، بما في ذلك أشكالٌ مختلفة من الضرر المعادي للمجتمع.
خلال العام الماضي، شهدنا استيلاء طالبان/ القاعدة على أفغانستان، ما زاد الحركة الجهادية جرأة. ولا تزال هناك قضية لم تحل بعد تتعلق بالمقاتلين الأجانب الغربيين من تنظيم داعش في المخيمات السورية، وهي قضية من المرجح أن تصبح أكثر بروزًا مع تصعيد التنظيم لحملته لاقتحام السجون، ومن المرجَّح أن تتفاقم قضية المقاتلين الأجانب مع تحول جنوب آسيا مرة أخرى إلى مكانٍ جذاب لسفر الجهاديين من كل حدب وصوب.
وفي حين أن النزعة الإسلاموية لا تزال المشكلة السائدة في الوقت الراهن، فإن صورة التهديد تعجُّ بقضايا متنوعة. بعد ثلاث سنواتٍ من انتشار الجائحة، كان هناك صعود كبير في الحركات المنظمة المناهضة للتطعيم، وبشكلٍ أعم نظريات المؤامرة، الأمر الذي أوجد تحدياتٍ أمنية متنوعة مثل الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي قبل عام، ومحاصرة الحكومة الكندية هذا الأسبوع. وكثيرًا ما تتداخل هذه الحركات مع الأوساط اليمينية المتطرفة والقومية المتطرفة، وحقيقة أن هذه القوى دخلت بعض النظم السياسية حتى في الدول الديمقراطية، تشير إلى قضية سوف تنمو وتستفحل إذا تُركت دون علاج.
لبحثِ هذه القضايا وتحليلها، شارك في الندوة فريقٌ من الباحثين؛ هم:
الدكتور زاهد أحمد: باحث في “معهد ألفريد ديكن للمواطنة والعولمة” في جامعة ديكن في ملبورن، أستراليا. الدكتور أحمد باكستاني الجنسية، ويقدِّم وجهة نظر المواطن لقضايا الطائفية والعنف الجهادي، والأمن الإقليمي في جنوب آسيا التي يدرسها، ويكتب عنها، على نطاقٍ واسع.
عبد الباسط: باحث في “المركز الدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب” في كلية س. راجارتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة. تتركز اهتماماته البحثية على التطرف الديني والإرهاب والبيئة الأمنية في جنوب آسيا، وشارك في تأليف كتاب بعنوان “ديناميات تمرد طالبان في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية”.
واثق واثق: يعمل في الوقت الحالي على استكمال درجة الدكتوراه في قسم الدراسات الحربية في جامعة كينجز كوليدج في لندن. واثق مؤسس ومستشار للمجموعة الخيرية “مسلمون ضد معاداة السامية” وباحث في جمعية هنري جاكسون. نُشرت أعماله على نطاقٍ واسع، مع التركيز على القانون والأيديولوجية الإسلاموية، وهيكل الجماعات الإرهابية.
انعكاسات وصول طالبان مجددًا للسلطة
كانت البداية مع الدكتور أحمد، قائلًا إنه حتى بعض الذين احتفلوا في البداية بانتصار طالبان في أفغانستان قد غيَّروا رأيهم، وكان ذلك أكثر وضوحًا في “التغيير المفاجئ في الخطاب الصادر عن إسلام أباد”، في باكستان. قدَّم أحمد صورة عن تاريخ فترة حكم حركة طالبان السابقة. لقد طبقت الحركة الشريعة، ومنعت التلفزيون والأفلام، وقيدت حقوق المرأة، وطردت ما لا يقل عن 50,000 امرأة من العمل، وأجبرتهن على ارتداء الحجاب، وحظرت كرة القدم، وحتى الشطرنج. وأشار أحمد إلى أن الجانب الأكثر إثارة للقلق ربما كان الهجمات على الأقليات الدينية، خاصة الشيعة الهزارة، الذين تعرضوا للاضطهاد والقتل. وكان تدميرُ تماثيل بوذا باميان مثالًا آخر سيئ السمعة لهذا التعصب.
“إذًا، ما الذي سيتغير الآن؟” يتساءَل أحمد. ثم يجيب بقوله إن طالبان لعبت “لعبة ذكية”، لأنها تعاني أزمة اقتصادية وغذائية. ويضيف: “إنها تريد الاعتراف [الدبلوماسي] والدعم الإنساني”، وتقدِّم نفسها بهذه الطريقة لتحقيقِ ذلك. ويرى أن حركة طالبان تواجه تحدياتٍ في عملياتها في أفغانستان لأن “القومية البشتونية تلعب دورًا كبيرًا في كيفية عمل طالبان”، إلى جانب الديوباندية. ومع ذلك، وحتى لو بقيتْ حركة طالبان مسيطرة بشكلٍ مباشر على أفغانستان، فإن “الأهم” هو “التأثير غير المباشر” الذي سيُحدثه انتصار طالبان على الجهاديين خارج البلاد، وهذا بالفعل “مقلق للغاية”. وأعطى مثالًا على المسجد الأحمر في باكستان، حيث رفع الإمام علم طالبان، وخاض صراعًا مع الحكومة الباكستانية حول هذا الموضوع.
ويضيف أن هذه الدفعة المعنوية للجهاديين، بعد سقوط كابول، “أكثر خطورة” مما تفعله طالبان في أفغانستان، حيث إن الخطاب القائل بأن الجهاديين هزموا القوة العظمى الوحيدة المتبقية يغذِّي التطرف في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا. هذه الحقيقة تؤثر في الديناميات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك الظروف القاسية التي يتعرض لها المسلمون في أجزاء من الهند وميانمار، وهي المظالم التي قد يستغلها الجهاديون لتعبئة الآخرين، والمنافسة بين الجهاديين المتحالفين مع طالبان/ القاعدة وتنظيم داعش.
هل الانخراط مع طالبان هو الحل؟
ويرى أحمد أن الخيار الوحيد هو الانخراط مع طالبان. ذلك أنه من دون الانخراط معها، فلن يكون للمجتمع الدولي “أي نفوذ للتأثير على أي شيء يحدث على أرض الواقع”. وهذا الأمر قابل للنجاح، لأن “هناك استعدادًا لدى طالبان؛ لأنها تريد الحصول على شيءٍ لم يكن لديها في الماضي: الاعتراف والشرعية من المجتمع الدولي… لقد تعلمت هذا الدرس من الماضي، أنها بحاجة إلى شكلٍ أكبر من الاعتراف الدولي”، و”إذا كان المجتمع الدولي على استعدادٍ للتفاوض معها، والانخراط معها، فهناك إمكانية للتأثير عليها”. ويضيف أحمد أن هذا لن يساعد فقط في التعامل مع قضايا التطرف والإرهاب، بل “الجرائم الأخرى العابرة للحدود الوطنية” مثل تهريب المخدرات والأسلحة التي تهدد السلام والأمن، ليس فقط في جنوب آسيا، بل في آسيا الوسطى أيضًا. ويقول أحمد إن باكستان وجدت بالفعل هذا الطريق مفيدًا في استخدام طالبان أفغانستان للوساطة مع حركة طالبان-باكستان أو “طالبان الباكستانية”، بعدما تعثرت المفاوضات المباشرة بين الدولة الباكستانية وطالبان- باكستان.
بدأ عبد الباسط من حيث توقف الدكتور أحمد في الحديثِ عن “الأبعاد العابرة للحدود الوطنية لانتصار طالبان”. يؤكد عبد الباسط من جديد أن رواية هزيمة القوة العظمى الوحيدة على يد الجهاديين كانت بمنزلة دفعة رئيسة للإسلامويين، وللحركة الجهادية المتصدعة، في ظلِّ التحدي الذي واجهه داعش، ما يجعل الوضع مختلفًا عن المرة الماضية.
العلاقة بين داعش وطالبان
يهاجم تنظيم داعش حركة طالبان من كلا الاتجاهين. ويشير عبد الباسط إلى أن داعش يتهم طالبان بانتهاج النزعة “القومية”، بسبب نهجها المتمركز حول أفغانستان، كما يسخر داعش من طالبان لأن جميع تنازلاتها بشأن الأيديولوجية الجهادية، من حيث الانخراط مع المجتمع الدولي، لم تسفر عن الاعتراف بها: نظام طالبان الحالي منبوذ بقدرِ ما كان منبوذًا في المرة الأخيرة (ربما يكون من نواحٍ أكثر: فقد اعترفت ثلاث دولٍ بطالبان في المرة الماضية، لكن في هذه المرة لم تعترف بها أي دولة حتى الآن).
يشير عبد الباسط إلى أن داعش يشنُّ هجماتٍ فعلية على حركة طالبان من خلال فرعه، داعش-خراسان، مستغلًا افتقار نظام طالبان إلى القدرات، ويواجه المجتمع الدولي باحتمال أن يؤدِّي انهيار هذا النظام الجهادي إلى نظامٍ أسوأ من ذلك.
ويرى عبد الباسط أن طالبان والمجتمع الدولي “سجينان لخطابهما الخاص”، من حيث الانخراط مع بعضهما البعض، ولكن كلا الجانبين عالقان أيضًا مع بعضهما البعض. وواصلت حركة طالبان وضع “تماسكها التنظيمي فوق احتياجات الشعب الأفغاني”، وهو ما يُزعزِع الاستقرار، ووعدت حركة طالبان بعدم السماح باستخدام أفغانستان لشنِّ هجماتٍ إرهابية ضد دول أخرى. ومهما كانت الشكوك حول إرادة طالبان للقيام بذلك، فمن الواضح أنها غير قادرة على ذلك في الوقت الحاضر، مع استمرار داعش-خراسان في إعادة بناء نفسه. كما أن طالبان “دفعت الناس عن غير قصد نحو [داعش]” من خلال استهداف المجتمع السلفي بشكلٍ عشوائي.
ما الانعكاسات الممكنة للانخراط مع طالبان؟
بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن خطر الانخراط مع طالبان يتمثل في إضفاء الشرعية على نظام طالبان، دون أي ضمانات لتحسين الأمن أو الوضع الإنساني. وإذا لم ينخرط المجتمع الدولي مع طالبان، فإنه يخاطر بتغذية رواية داعش، وتجويع الشعب الأفغاني. “سوف تُلام في كلتا الحالتين: إن فعلت، وإن لم تفعل”، هكذا يلخِّص عبد الباسط الواقع الحالي الذي يجد المجتمع الدولي نفسه فيه.
ويخلص عبد الباسط إلى أن “ما يحدث في أفغانستان لا يبقى في أفغانستان”؛ أي أن ما يحدث في أفغانستان سيكون له تداعيات على مناطق أخرى، مؤكدًا أن “الفرص محدودة” لتحسين الوضع. ومع ذلك، فهو مقتنع بأن الانخراط هو الطريق الذي يجب أن يُسلك، وأن “الإقناع أفضل من الإملاء”، وأن هذا المسار على مدى الأشهر الستة الماضية -فيما يتعلق بقضايا مثل تعليم الفتيات، ومنح مساحة للأقليات العرقية- قد آتى بعض الثمار. ويضيف أن “برجماتية طالبان هي مزيجٌ من الإسلاموية والقومية البشتونية”، والقدرة على استغلال كلا الجانبين تسمح لطالبان -في بحثها عن المساعدات أو أي شيء آخر- بتبرير أي سياسة تريدها تقريبًا.
اتجاهات التطرف المحتملة في أوروبا وأمريكا الشمالية
من جانبه، ناقش واثق “اتجاهات التطرف في أوروبا وأمريكا الشمالية”. وفي هذا الصدد، يقول في تعريف “التطرف”، إن هذه “العملية” التي يمر بها الأشخاص قبل الانخراط في نشاطٍ متطرف أو إرهابي، لا تسير في خط مستقيم. ويشير إلى أن هناك تعريفًا رسميًّا للحكومة البريطانية لـ”التطرف” و”الإرهاب”، الأول يتمثل في معارضة القيم الأساسية للدولة، والثاني يتمثل في استخدام العنف لتعزيز الأهداف الدينية أو السياسية أو العرقية، سواء في الداخل أو الخارج.
ويضيف أن إحدى الفئات الرئيسة الناشئة من التطرف هي “التطرف المؤيد للفلسطينيين”، الذي يُعرّف بأنه “عمل من أعمال النهوض بقضية فلسطين، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، باستخدام الترهيب والاحتجاج والعنف”. وقد تصاعد هذا الاتجاه من خلال استغلال الحروب الثقافية لتأطير النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين على أنه “صراع بين القوة مقابل النضال”. لقد فهموا التطورات الاجتماعية الغربية، وأدخلوا أنفسهم فيها. ينطوي هذا “المنطق المغلوط” على أن “القوة تقع في يد البيض، واليهود بيض، وبالتالي فإن اليهود أقوياء”، ويشكِّلون تهديدًا “وجوديًا” للفلسطينيين. في كثيرٍ من الأحيان، يصل هذا إلى حد مساواة اليهود بالنازيين. وهذا أمرٌ “مثير للسخرية”، لكنه “أصبح سائدًا”، وفشل الغرب حتى الآن في إيجاد طريقةٍ لمواجهة هذا الخطاب المتطرف على نحو كافٍ.
هذه الحلقة المفرغة تكتسب زخمًا لدى اليسار السياسي، في ظلِّ اكتساب الأفكار التي تربط بين “البيض” والقوة زخمًا أيضًا. وقد اتضح هذا بقوة، كما يقول واثق، خلال التصعيد الأخير في غزة، عندما هوجم اليهود في جميع أنحاء العالم، لكن رد البعض من اليسار كان القول بأنهم يستحقون ذلك لأن هؤلاء اليهود بدوا بيضًا، وهو ما يُعتبر حالة نموذجية من العنصرية، ولكن لا يُعتبر عنصرية لدى من يعتنقون هذه الأيديولوجية.
وبعد اكتساب هذه الشرعية، في مساحاتٍ واسعة من الطيف السياسي، يتصاعد هذا الأمر إلى احتجاج، حيث “يستخدم المتطرفون آلية الديمقراطية لتعزيز قضيتهم”. الاحتجاج حق محميٌّ في الديمقراطية الليبرالية، بالطبع، ولكن كما يشير واثق يمكن إساءة استخدام هذا الحق. وفي حادثةٍ وقعت مؤخرًا، أعلن أحد المتظاهرين -أمام الشرطة- أنه يسعى إلى “الدم الصهيوني”، ولم تفعل أي شيء. تقاعس سلطات إنفاذ القانون عن اتخاذ إجراءات ضد هذا الشخص تبعث برسالةٍ مفادها أن مثل هذه الأمور مسموح بها.
المرحلة النهائية هي العنف. وقد شوهد هذا في شكل عمليات تخريب وعرقلة الأعمال التجارية التي تتعامل مع إسرائيل. وهذا يثير السؤال الآتي: ما الذي سيحدث عندما تكون هناك مقاومة لهذه الأفعال؟ هل سيتصاعد الأمر أكثر إلى هجماتٍ على هؤلاء الأشخاص؟
العنف الإسلامي لا يزال حاضرًا بقوة
يشيرُ واثق إلى أن العنفَ الإسلاموي لا يزال يشكِّل التهديد الرئيس لبريطانيا. وتشمل العوامل المحفّزة المسؤولية الغربية عن المعاناة في العالم الإسلامي -التي يمكن تعريفها بأنها التدخل في العراق أو عدم التدخل في سوريا- ومن ثم التهديدات المتصوَّرة للإسلام أو المسلمين في الغرب. ثم يوضِّح واثق أن التحدي الجهادي ينقسم إلى “تهديدين رئيسيين”: داخلي وخارجي.
فيما يتعلق بالإرهاب الداخلي، أحبطت السلطات 31 هجومًا في بريطانيا منذ عام 2017، بعضها من اليمين المتطرف، ولكن معظمها من الإسلامويين. غير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، كما يبيِّن واثق، هو أن هناك 43,000 شخص معروفين لدى أجهزة الاستخبارات في بريطانيا، يشكِّلون تهديدًا محتملًا، وجرى التحقيق مع 23,000 منهم، و3,000 منهم قيد المراقبة المستمرة. ومنذ استيلاء طالبان على أفغانستان، كان هناك تعاطفٌ ملحوظ من الإسلامويين في بريطانيا مع الحركة، الأمر الذي يشكِّل المزيدَ من المخاطر الأمنية.
أما فيما يتعلق بالتهديدات الخارجية، فهناك بعض القضايا المتعلقة بنظام اللجوء، ولكن التهديدات تشبه التهديدات المحلية التي تتمثل في الهجمات ذات التكنولوجيا المنخفضة، مثل استخدام السكاكين أو المتفجرات محلية الصنع، بدلًا من العمليات الإرهابية الضخمة، مثل هجمات 11 سبتمبر أو 7/7. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا التهديد في المستقبل عندما يبدأ مقاتلو داعش الأجانب في العودة إلى أوروبا، حاملين معهم المعرفة والمهارات التي اكتسبوها هناك التي يمكنهم استخدامها إما لإقناع آخرين بالتطرف أو لتنفيذ هجماتٍ بأنفسهم.
في فقرة الأسئلة والأجوبة، ناقش المشاركون عما إذا كان ينبغي الانخراط مع طالبان في ظلِّ تحالفها مع تنظيم القاعدة، وكذا ديناميات التطرف المتبادل بين الحركة الجهادية النشطة، واليمين المتطرف الصاعد في أوروبا.