انقضت الآن سنوات أربع على تدمير “الخلافة” المزعومة لتنظيم داعش. لم يعد داعش يسيطر علنًا على مدنٍ في العراق وسوريا، وتراجعت موجة الإرهاب في أوروبا وأمريكا، وتم القضاء على ثلاثة “خلفاء”. رغم كل تلك التطورات ولسوء الحظ، ما يزال داعش يُظهر ليس مؤشرات على الحياة فحسب، بل على النمو أيضًا.
في المركز، في العراق وسوريا، ظلت وتيرة عمليات متمردي داعش ثابتة، وكان هناك بعض الهجمات “المذهلة”، لا سيّما على السجن الرئيس في شمال شرق سوريا الذي يضم أخطر عناصر داعش، الذين أطلق سراح المئات منهم قبل عام. التكتيكات المستخدمة في العملية -الهروب من السجون، والهجمات التي لا هوادة فيها على قوات الأمن، واستغلال الديناميات السياسية المحلية- كلها مألوفة من الفترة التي سبقت إعلان “الخلافة”. ومع ذلك، في الوقت الحالي، تقع معاقل داعش في صحاري شرق سوريا، والمنطقة الفوضوية التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، والمناطق الريفية في وسط وغرب العراق.
خارج المركز، رسّخ داعش وجودًا أكثر قوة منذ عام 2019. في أفريقيا، أجبر فرع “بوكو حرام” المنشق عن داعش في نيجيريا، على الخضوع بشكلٍ أو بآخر، ويسيطر الجهاديون على أجزاء من الشمال، بعد أن قاتلوا الحكومة النيجيرية حتى وصل الجانبان إلى طريق مسدود.
في منطقة الساحل الأوسع، وعلى الرغم من ضغوط المنافسة مع تنظيم القاعدة، لا يزال داعش يشكّل تهديدًا. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى -في الصومال والكونغو وموزمبيق- أقام داعش موطئ قدم له، ويواصل توسيعها. ومن خلال تأجيج المشكلات المُزمنة للحكم في القارة، يتمتع داعش بمزايا في المستقبل.
المسرح الرئيس الآخر حيث اكتسب داعش قوة كبيرة هو أفغانستان، خاصة منذ عودة طالبان والقاعدة إلى السلطة في عام 2021. أثبتت حكومة الأمر الواقع الجديدة أنها عاجزة عن التصدي لصعود داعش وانتشاره خارج أفغانستان إلى منطقة جنوب آسيا الأوسع.
وبالنظر إلى أن وحدات داعش في أفغانستان قد شاركت سابقًا في مؤامراتٍ إرهابية دولية، فإن هذا يمثّل مشكلة خطيرة.
لمناقشة هذه الأمور، عقد موقع “عين أوروبية على التطرف” ندوة عبر الإنترنت مع خبيرين. فيما يلي التفاصيل:
بيتر فان أوستايين، باحث متخصص في تحليل الصراع في سوريا، درس تاريخ صلاح الدين الأيوبي والإسماعيليين النزاريين أو “الحشاشين”، ويعكف على تحليل الصراع في سوريا منذ اندلاعه في عام 2011 وبدأ في الكتابة عن تدفقات المقاتلين الأجانب الجهاديين في البداية. ومنذ عام 2019، ينصب تركيزه الرئيس على منطقة الساحل، ومراقبة النشاط الجهادي في المنطقة على أساس يومي.
يقول فان أوستايين إن مشكلة الجماعات الجهادية تتصاعد في منطقة الساحل، وتتمدد إلى أبعد من مالي. وقد تتبع هذا الاتجاه الذي يتمثل في توسّع تلك الجماعات منذ انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو. يرى فان أوستايين أن استبدال مجموعة فاغنر الروسية بالجنود الفرنسيين “مقلق للغاية”، حيث يؤدي إلى تفاقم المشكلة من خلال مهاجمة المدنيين، وسرقة الموارد المحلية لتمويل آلة الحرب الروسية في أوكرانيا.
بين عامي 2021 و2022، تضاعف العنف الجهادي في منطقة الساحل، خاصة فيما يتعلق بتنظيم القاعدة، كما يقول فان أوستايين. وفي الشهر الماضي، أعلن الجهاديون رسميًا مسؤوليتهم عن تنفيذ 52 هجومًا- أي داعش، الذي يمثله “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”، وتنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، وتنظيم القاعدة، الذي تمثله في المقام الأول “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”. لقد وقع كل هذا العدد من الهجمات في الأسبوع الأول فقط من أبريل، معظمها من “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” في نيجيريا.
وبالنظر إلى المستقبل، يقول فان أوستايين: “الوضع سيزداد سوءًا على المدى القصير”، لأسبابٍ ليس أقلها أن شهر رمضان بدأ مؤخرًا وسيستمر حتى نهاية أبريل. هذا الاتجاه، كما ذكرنا، يتفاقم منذ فترة طويلة، مع زيادة الهجمات بنسبة 2,000 في المائة في السنوات الست عشرة الماضية، وتصاعدت أكثر منذ عام 2019. الجهاديون يستغلون الشهر الفضيل لتعبئة حملاتهم الرمضانية، وهذا واضح بالفعل هذا العام.
جاكوب زين: أستاذ مساعد في برنامج “الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية في السياسة العالمية” للدراسات العليا، ضمن قسم الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، وباحث أول في الشؤون الأفريقية والأوراسية في مؤسسة جيمستاون في واشنطن العاصمة.
تحدث زين في المقام الأول عن الجماعات الجهادية في نيجيريا، بدءًا من الإشارة إلى أن “بوكو حرام” تستخدم كمصطلح شامل، ولكنها تشير في الواقع إلى ثلاثة فصائل. أولًا، هناك تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”. ثانيًا، الفرع المنشق عن تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” الذي كان يقوده أبو بكر شيكاو حتى مقتله في عام 2021.
ومنذ ذلك الحين، استوعبت بعض هذه المجموعة من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”، ولكن لا تزال هناك بقايا، التي يشير إليها زين باسم “فصيل شيكاو (الراحل)”. ثالثًا، أنصارو، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، وهي أصغر بكثير من التنظيمين الآخرين، وهي في الواقع في حالة حربٍ معهما.
وبالتالي، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا هو المشكلة الرئيسة، ووضعه هو الذي يسميه زين “الإرهاب المزمن”: فالجماعة متماسكة في شمال نيجيريا لدرجة أنه من الصعب رؤية إزاحة التنظيم في أي وقتٍ قريب.
في الواقع، كما يوضح زين، الأمر أسوأ من ذلك: على عكس الحملة الدولية الضخمة ضد داعش التي دمرت “الخلافة” المزعومة في سوريا والعراق، لا يبدو أن الجهود الحالية للحكومة النيجيرية تهدف حتى إلى طرد داعش من الأراضي التي يسيطر عليها.
في عام 2015، فاز في الانتخابات النيجيرية مرشح وعَد بـ”تدمير” تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”. في الانتخابات التي جرَت قبل عدة أسابيع، كان هذا التنظيم بالكاد يمثل مشكلة. يقول زين: “بعبارةٍ أخرى، للفوز في الانتخابات الرئاسية في نيجيريا الآن، لا تحتاج إلى القول: سنهزم بوكو حرام”. لا تحتاج حتى إلى أن تقول: “سنطرد بوكو حرام”. يبدو الأمر كما لو أن الوضع أصبح مقبولًا”.
بالنسبة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا”، هذا الوضع يعني أنه يمكنه إدارة نسخته من حكم الشريعة، وجمع “الضرائب” من السكان، وتدريب جيله القادم. لقد نجحت الحكومة النيجيرية على مستوى واحد -لقد نجحت استراتيجية “المعسكرات الفائقة” تأمين المدن والبلدات- لكن الصفقة الضمنية هي أن يسيطر التنظيم على الريف. وهذا “مقبول إلى حدٍّ ما” لكلا الجانبين، كما يقول زين. لقد تحرّر التنظيم في نيجيريا من المخاوف بشأن الكمائن التي كانت تُنصب لدورياته، وتُرك بشكلٍ عام لإدارة دويلته الإسلاموية، في حين لم تعد الدولة النيجيرية مضطرة للقلق بشأن الإحراج الناجم عن فقدان المراكز الحضرية الكبيرة.
يقول زين إنه كان هناك “تغيير هائل في السنوات الخمس الماضية أو نحو ذلك” فيما يتعلق باتصالات تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” مع مواقع داعش الأخرى في إفريقيا: كانت هذه “الولايات”- في نيجيريا ومنطقة الساحل الأوسع والكونغو وموزمبيق وجنوب إفريقيا- تتعامل بشكلٍ حصري تقريبًا مع داعش في معاقله في سوريا والعراق، ولكن الآن تتفاعل “الولايات” الأفريقية “أفقيًا، بدلًا من رأسيًا من خلال داعش المركزي”، حسبما يقول زين.
هذا يبرز إحدى الفوائد التي تعود على تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” -والمخاطر التي يتعرض لها الجميع- من الاحتفاظ بالأراضي: فالمجموعة تحصل على إيرادات من الضرائب والزراعة والسوق السوداء التي يتم استخدامها بعد ذلك لتمويل تنظيم “الدولة الإسلامية في جنوب الصحراء الكبرى” وغيره.
وقد شنَّ تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا بعض الهجمات الصغيرة في الآونة الأخيرة في جنوب نيجيريا، وهي المرة الأولى منذ عشر سنوات التي تقع فيها هجمات في تلك المنطقة، وفقًا لزين. وهذا يعني أن لديه خلايا في جنوب نيجيريا، وبالتالي يحتفظ بخياراتٍ لجذب الانتباه العالمي من خلال شن هجماتٍ على أهداف نفطية دولية أو مواطنين أجانب، حسبما يوضح زين.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا يمتنع عن شن هجمات في جنوب نيجيريا بسبب الترتيب الفعلي مع الحكومة النيجيرية المذكور أعلاه: فالعمل في جنوب نيجيريا، في المنطقة ذات الأغلبية المسيحية، يمكن أن يؤدي إلى ديناميات سياسية داخل نيجيريا تُجبر الدولة على التحرك ضد التنظيم، كما يوضح زين.
ويمكن أيضًا أن تؤدِّي الهجمات على الأهداف الدولية إلى ضغوطٍ خارجية على الدولة النيجيرية -فضلًا عن توفير قدراتٍ إضافية- لشن حرب على دويلة التنظيم. ومن شأن ذلك أن يجلب نتائج عكسية تضر بالتنظيم، لأنه إذا بقيت الاتجاهات الحالية في مكانها، فسيكون قادرًا على ترسيخ نفسه في أراضيه، ومواصلة استيعاب فصيل شيكاو، وتدريب جيل جديد من الجهاديين الذي يمنحه على المدى المتوسط القوة للقيام بحملاتٍ أخرى في المدن.
وتطرّق المتحدثان إلى ما يمكن أن تفعله الدول الغربية للمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب في أفريقيا الآن بعد سحب القوات الفرنسية، ومؤشرات اهتمام المقاتلين الأجانب بأفريقيا، ودور تنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، والتأثير المحتمل لتدفقات اللاجئين من أفريقيا على أوروبا، وتأثير سقوط أفغانستان في أيدي الجهاديين على داعش في أفريقيا.