استضاف موقع “عين أوروبية على التطرف”، مؤخرًا، ندوته الرابعة عشرة الافتراضية لبحث التوقعات المتعلقة بمستقبل تنظيم القاعدة عقب مقتل أميره، أيمن الظواهري. كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن في 1 أغسطس مقتل الظواهري في غارة بطائرة مسيّرة في العاصمة الأفغانية كابول قبل ذلك بيوم. شارك الإرهابي، مصري المولد، الذي بدأ نشاطه الديني مع جماعة الإخوان المسلمين، في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وخلف أسامة بن لادن زعيمًا للتنظيم بعد أن قتلت قوات البحرية الأمريكية بن لادن في عام 2011.
تزامن عهد الظواهري مع فترة مضطربة في المنطقة، حيث شهدت الدول العربية تمردات، وواجهت التنظيمات الجهادية تحدياتٍ داخلية مع صعود تنظيم داعش. خلال تلك الفترة، تساءل المراقبون عما إذا كان تنظيم القاعدة لا يزال يمثل خطورة على الأمن الدولي، وما إذا كان بإمكانه الاستمرار تحت قيادة الظواهري غير الكاريزمية. لكن الظواهري نجح في نهاية المطاف في الحفاظ على تماسك التنظيم. ومع اختفائه من المشهد يبرز التساول: ماذا بعد ذلك؟
للإجابة عن هذا السؤال، استضاف موقع “عين أوروبية على التطرف” مجموعة متميزة من الخبراء في مجال مكافحة الإرهاب للنقاش حول ماذا بعد مقتل الظواهري، وهم:
أفضل أمين: معلق على الاستراتيجيات المتعلقة بالنزاعات الدولية، والرئيس التنفيذي لمؤسسة “لندن إكسبرتيز”.
تريسيا بيكون: محللة سابقة لشؤون الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، وتعمل الآن أستاذة مشاركة في كلية الشؤون العامة بالجامعة الأمريكية، وكذلك باحثة في برنامج مكافحة التطرف في جامعة جورج واشنطن.
أجمل سهيل: محلل أمن قومي، ورئيس مشارك لتحالف مكافحة المخدرات والإرهاب في ألمانيا.
سوء الفهم الغربي
استهل أفضل أمين حديثه بالإشارة إلى أن تنظيم القاعدة قد خرج من النضال ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في فترة الثمانينيات، وتطور ليصبح طرفًا فاعلًا في الساحة العالمية، ولم يعد يقتصر نشاطه على إقليمٍ محدد.
وأضاف أمين، الذي شارك في ثلاث جولات مع القوات المسلحة البريطانية في أفغانستان منذ عام 2001، أن تعامل الغرب مع الحركة الجهادية “يركِّز باستمرار على التعامل مع أعراض هذا النوع من الأيديولوجية المتطرفة، ولا يركز على أسبابها الجذرية”. وفقًا لهذا التصور، فإن مقتل الظواهري ليس هو الموضوع المهم هنا. من وجهة نظر أمين، لطالما يخوض الغرب “الحرب الخاطئة، مرارًا وتكرارًا”.
ويعتقد أمين أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان ينبغي أن تكون هناك عملية أمنية دولية للقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة، وليس عملية عسكرية لإسقاط الحكومات التي ترعى الجماعات الجهادية وإعادة بناء هذه الدول وفق المنظور الغربي.
يقول أمين إن التشخيص الغربي الخاطئ للمشكلة يعود -إلى حدٍّ كبير- إلى أن الغرب يركز على “ما يقوله الناس، لا على ما يمكن أن نفعله”. ويقترح أمين إجراءين تصحيحيين: (1) التحول إلى مقاربة هذه القضايا من منظور طويل الأمد، وضمان توافقها مع قيم الغرب وقوانينه؛ و(2) تعزيز الحكم الرشيد لأنه في الأماكن التي تفتقر إلى الحكم وسيادة القانون مثل الصومال، وتلك التي لا تحظى فيها الدولة بتأييد المواطنين، تجد الجهات الفاعلة المسلحة مساحة للعمل.
يتفق أجمل سهيل مع هذا الطرح، مؤكدًا أن نهج “مكافحة الإرهاب” المتمثل في قطع رأس القيادة، وغيرها من العمليات الأمنية والعسكرية، قد جرّبت لفترة طويلة في إطار “الحرب على الإرهاب”، ولم تسفر عن شيء سوى توسّع الجماعات الجهادية. لذا، فإن هناك حاجة إلى اتباع نهج “مكافحة التطرف” الذي يتطلع إلى الوقوف على أسباب الظاهرة -لا سيّما “الخروج على القانون” والمشكلات المتعلقة بالاقتصاد– وتحسينها.
وفي هذا، يقترح سهيل، اتفاقًا مع ما قاله أمين، التمسك بمبادئ برنامج مكافحة التطرف في مكافحة الإرهاب الجهادي: “المنع وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج. هذه هي الأساليب التي ستسمح لنا ليس بمكافحة الإرهاب فحسب، بل بالوصول إلى عالم أكثر أمانًا”.
القاعدة في مرحلة انتقالية: نقاط القوة والضعف
من جانبها، أكدت تريسيا بيكون أن تنظيم القاعدة يمر حاليًا “بمرحلة تحوّل” من حيث تطوره ويعتمد الأمر بصورة كبيرة على من سيحل محل الظواهري. وأشارت إلى أن تنظيم القاعدة لديه بعض المزايا، وتحديدًا الشبكة التابعة له. في زمن الظواهري، خسر التنظيم فرعين وأنشأ فرعًا جديدًا، ولكن حتى في ذروة تحدي تنظيم داعش، عندما سيْطَر الأخير على أراضٍ، وكان ذلك -من نواحٍ كثيرة- خيارًا أكثر جاذبية، بشكلٍ عام، ظلَّت الجماعات التابعة للقاعدة موالية، وهو أمر “لا يتناوله المعلقون بما فيه الكفاية”، باعتباره إنجازًا لفترة ولاية الظواهري.
إضافة إلى ذلك، يمكن لتنظيم القاعدة بقيادة الظواهري أيضًا الادّعاء بأنه لعب دورًا في تحقيق النصر في أفغانستان، حتى لو أشارت التحليلات إلى أن دوره كان أصغر مما يوحي التنظيم به. علاوة على ذلك، لدى التنظيم ملاذ آمن في أفغانستان وإن لم يكن آمنًا تمامًا، كما تشير بيكون.
فيما يخص نقاط ضعف تنظيم القاعدة، حسب تحليل بيكون، لم يتمكن التنظيم من تنفيذ هجوم كبير في الغرب لسنواتٍ عديدة، ويقع ملاذه الآمن الرئيس بعيدًا عن قلب العالم الإسلامي، على عكس داعش الذي ينشط في المناطق الإسلامية، وأقرب إلى أوروبا.
وتشير بيكون إلى أن هذا هو الانتقال الثاني لقيادة القاعدة: الأول كان من أسامة بن لادن إلى الظواهري في عام 2011. وترى بيكون أن بن لادن كان “قائدًا مؤسِّسًا مثاليًا”: لقد وضع الأيديولوجية والتكتيكات، “رسالة ورؤية التنظيم… جميع المؤسسين يفعلون ذلك، وبن لادن فعل ذلك لفترة أطول من معظم المؤسسين، وأكثر شمولًا من معظم المؤسسين”. من حيث من سيخلفه، توضح بيكون أن هناك عددًا من أنواع القادة الذين يتولون زمام التنظيمات الإرهابية، كما يلي:
- القادة الصوريون: زعماء غائبون بالأساس، إما بسبب مشكلاتٍ صحية أو ضغوط مكافحة الإرهاب، وهؤلاء لا يوجهون تنظيماتهم على النحو المطلوب.
- القائمون بالأعمال: هؤلاء القادة لا يقومون بأي شيء سوى تغييرات تدريجية في الأيديولوجية والتكتيكات في تنظيماتهم. هؤلاء القادة يوفرون الاستمرارية، وفي فترة يكافح فيها التنظيم من أجل البقاء، يمكن أن يكون هذا مفيدًا.
- “قادة الاتصالات”: هؤلاء القادة يجرون تغييراتٍ على أساليب اتصالات التنظيم وصورته الأيديولوجية، لكنهم يميلون إلى إجراء تغييرات طفيفة على التكتيكات.
- المنجزون: هؤلاء القادة يحافظون -إلى حدٍّ كبير- على أيديولوجية التنظيم وأساليب اتصالاته، لكنهم يغيرون التكتيكات المستخدمة -من خلال أفكارهم- بحيث تصبح أكثر فعالية في الوصول إلى الأهداف التي حددتها الأيديولوجية.
- الرؤيويون: هؤلاء القادة يجددون أيديولوجية وتكتيكات التنظيم الذي يتولون زعامته.
بشكلٍ أساسي، تتتبع تصنيفاتُ القيادة هذه -بترتيبٍ تصاعدي- الدرجة التي يقوم بها القادة بإجراء تغييرات متقطعة، إما على مستوى أيديولوجية التنظيم أو على “طريقة عمله” و”تكتيكاته وطرق حشد الموارد”. وهنا، تصنّف بيكون الظواهري بأنه قائم بالأعمال -ولفتراتٍ كزعيمٍ صوري- أجرى تغييرات طفيفة جدًا على التنظيم. ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان زعيم “ديناميكي” أن يفعل المزيد، كما تقول بيكون، لكن الظواهري حقق الهدف الرئيس المتمثل في إبقاء تنظيم القاعدة صامدًا خلال فترة مضطربة. وتضيف بيكون: “الواضح في هذا المنعطف هو أن تنظيم القاعدة بحاجة إلى نوعٍ أكثر “ديناميكية” من القادة من أجل التجديد، وإعادة الظهور” على الساحة الجهادية.
بالنظر إلى المستقبل، ترى بيكون أننا لا نستطيع أن نعرف سوى القليل جدًا عمن سيقود تنظيم القاعدة بعد ذلك، بمعنيين: أولًا، لأن التنظيمات السرية غالبًا ما تختار قادة يتمتعون بمصداقية داخلية، لكنهم غير معروفين لمن خارجها (وقد حدث هذا مع كل انتقال لسلطة داعش -2006 و2010 و2019 و2022- بعد مقتل المؤسس أبو مصعب الزرقاوي).
وثانيًا، لأنه حتى لو اختار تنظيمٌ ما شخصيةً معروفة لمن هم خارج التنظيم، فليس هناك ما يضمن أن تلك الشخصية ستتصرف، عندما تتولى القيادة، بطرقٍ متوقعة وفق سلوكها السابق. الظواهري مجرد حالة من هذا القبيل: لم يكن الظواهري، كزعيم لتنظيم القاعدة، ما كان يمكن للمرء أن يتوقعه من تاريخه السابق، ليس توجهاته الأيديولوجية فحسب، بل كمسؤول عن الجهاد الإسلامي المصري أيضًا.
وترى بيكون أنه من غير المؤكد أن يعاود تنظيم القاعدة الظهور بعد الظواهري، ولكن هناك حاجة إلى الحذر لأنه سبق وأن أُعلن عن زوال عددٍ من التنظيمات -أبرزها طالبان وداعش- لكن ما لبثت وظهرت بشكلٍ مذهل في وقت لاحق.
من جانبه، قدم أجمل سهيل وجهة نظر مماثلة، هي أن تنظيم القاعدة لديه عدد من المسارات المفتوحة لاختيار الزعيم المقبل. وفي حين أن المحللين كثيرًا ما افترضوا أن الهجمات الغربية للتخلص من القيادات ستضعف التنظيم، فإن الحال لم يكن كذلك دائمًا.
في بعض الأحيان، ينجح هذا عن طريق قطع الروابط بين المركز والخلايا، أو في هذه الحالة بين الفروع التابعة. ولكن، في بعض الأحيان، يبرز شخص أكثر قدرة. كما يلفت سهيل الانتباه إلى قوة الجماعات التابعة، وقوة ولائها لتنظيم القاعدة المركزي، معطيًا مثالًا من الصومال في أفريقيا حيث تستطيع حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة تهديد التجارة العالمية من خلال ممارسة القرصنة ضد ممرات الشحن. ومن الممكن -وهو ما أشارت إليه بيكون أيضًا- أن يخلف أمير أحد الفروع الظواهري كزعيم للتنظيم.
لكن أمين أكثر تشككًا في إيلاء أهمية للقرن الأفريقي كعامل في تقييم تنظيم القاعدة، وفي الواقع، في أهمية الزعيم المقبل لتنظيم القاعدة بشكل عام، نظرًا لقوة التحديات التي تمثلها الجهات الفاعلة العالمية في مكافحة الإرهاب لتنظيم القاعدة.
الاستخبارات والنوايا الحسنة
من ناحيةٍ أخرى، أشار أجمل سهيل في حديثه إلى العلاقة الوثيقة بين وكالة الاستخبارات الباكستانية وحركة طالبان، والظواهري الذي تحميه شبكة حقاني، فصيل خبيث من فصائل طالبان يتماهى تمامًا مع تنظيم القاعدة، وتتحكم فيه وكالة الاستخبارات الباكستانية بقوة. لذلك فمن الواضح أن الاستخبارات الباكستانية كانت تعرف أين كان الظواهري قبل الأمريكيين بوقتٍ طويل، حسبما يقول سهيل، والسؤال هو: لماذا تخلّت الاستخبارات الباكستانية عن الظواهري في ذلك الوقت؟
يرى سهيل أن السبب في ذلك هو المشكلات الاقتصادية -والآن الفيضانات الرهيبة- التي تعاني منها باكستان، ما يعني أن الدولة تحتاج إلى إبداء بعض النوايا الحسنة تجاه المجتمع الدولي. وأضاف أن التوقيت يصب أيضًا في صالح الولايات المتحدة، في ظل اقتراب انتخابات التجديد النصفي، والحاجة إلى صرف الانتباه عن بعض الانتقادات في الذكرى السنوية الأولى للانسحاب من أفغانستان.
خلال فترة الأسئلة والأجوبة، تناول المتحدثون دور باكستان في الوضع الكارثي في أفغانستان، وتأثيرها المحتمل في ترتيب الخلافة داخل تنظيم القاعدة. وناقشوا أيضًا مسألة ما إذا كان الزعيم المقبل لتنظيم القاعدة يمثل أي أهمية، بالنظر إلى الضغوط التي يتعرّض لها التنظيم، وإلى أي مدى يستطيع التنظيم تجديد قدراته على شنِّ هجماتٍ إرهابية عالمية.