بعد عامٍ غير مسبوق من الضغوط -الاجتماعية والاقتصادية والسياسية- التي واجهتها المجتمعات في جميعِ أنحاء العالم في محاولةٍ للتعايش مع جائحة فيروس كورونا ولا تزال، بالإضافة إلى التجليات الواضحة لأثر المعلومات المضللة في الولايات المتحدة، كما ظهر في حادثة التمرد التي استهدفت الكونجرس الأمريكي في شهر يناير، عقد موقع عين أوروبية على التطرف ندوة عبر الإنترنت سَعَت إلى مناقشة اتجاهات التطرف في الوقت الحاضر، وفي المستقبل القريب.
شارك في الندوة خبيران في مجالِ مكافحة التطرف والإرهاب؛ هما:
الدكتور توماسو فيرجيلي: باحثٌ في “مركز العلوم الاجتماعية في برلين”، وفي “مركز ويلفريد مارتنز للدراسات الأوروبية”، وتتركز أبحاثه على التيارات الليبرالية الإسلامية، والتصدي للتحدي الذي تشكّله الإسلاموية.
الدكتور سامي مبيض: مؤرخٌ سوري، ومؤسس “مؤسسة تاريخ دمشق” التي تهدف إلى حماية محفوظات المدينة من الحرب، ومؤلف كتاب «تحت الراية السوداء» (2015).
خلال الندوة، أشار الدكتور فيرجيلي إلى أنه في بداية الجائحة في بلده إيطاليا كان الشعار هو: “سنخرج من هذا أفضل مما كنا عليه”، لكننا الآن أسوأ، ولم تنته الجائحة بعد. أحداث الكابيتول هي مثالٌ على ذلك، لم يكن من الممكن تخيّل أن الرئيس الأمريكي يُحرّض على الانقلاب ضد الحكومة الأمريكية. وليس هناك مؤشر على أن حالة الاستقطاب في الولايات المتحدة ستتراجع، فجماعات اليمين المتطرف وجماعات تفوق البيض آخذة في النمو، وفي بورتلاند ومدن أخرى، يواصل اليسار المتطرف، الذي تمثله جماعات مثل “أنتيفا”، القيام بأعمال شغب صريحة.
وتشير البيانات إلى أن عشرات الدول استخدمت الجائحة كذريعةٍ لتقييد الحقوق وكبح سيادة القانون، وهذا لم يحدث في الدول الاستبدادية فقط، فلقد شهدت الديمقراطيات الأوروبية، وحتى أقدم ديمقراطية على الإطلاق، بريطانيا، اعتراضات على الاستخدام التعسفي المزعوم لسلطة الدولة خلال هذه الفترة. ويقول فيرجيلي إن هذه الطعون القانونية أسفرت عن نتائج مختلفة في المحكمة، ولكن ليس هناك شك في أن الحريات الشخصية قيدت بطريقة هي الأخطر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، وأن المعترضين على ذلك وجدوا أنفسهم مرفوضين باعتبارهم سخيفين، إن لم يكونوا معدومي الأخلاق.
الأمر لا يتوقف عند هذا التقليل من شأن المناقشة المفتوحة والقدرة على حرية التعبير بل هناك مؤشرات خطيرة على تسييس العِلم. فقد جادل بعض العلماء على سبيل المثال، بأن “العنصرية المنهجية” تُشكِّل أزمة صحة عامة أكبر من الجائحة، وعلى هذا النحو كانت احتجاجات “حياة السود مهمة”، التي تحولت إلى أعمال شغب خلال صيف عام 2020، احتجاجات مشروعة. وتسرّب هذا الرأي إلى درجة التأثير على الإجراءات التي اتخذتها الدولة. من جانبٍ آخر، فإن التفاوت الصارخ في إنفاذ قوانين الإغلاق لا يؤدي إلا إلى تفاقم حالة الاستقطاب التي تغري المتطرفين من جميع الأطراف بالتمادي في أفعالهم. وكانت هذه إضافة داعمة للأسف لأنصار نظرية المؤامرة.
وأضاف الدكتور فيرجيلي أن “حالة الاستقطاب تصاحبها أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وقيود شديدة جدًا على الحرية، وهذا خليط متفجر… المستقبل في هذه اللحظة لا يبدو مشرقًا إلا إذا اتخذنا مسارًا مختلفًا”.
من ناحيةٍ أخرى، ذكر الدكتور مبيض أنه سيركز على الشرق الأوسط، حيث يتصاعد التطرف. فيما يتعلق بالتطرف الشيعي؛ أي الجماعات المنحازة لإيران، يقول مبيض إن الأشهر الستة الماضية شهدت قدرًا من الهدوء النسبي من قبل هذه الجماعات، وكانت أقرب إلى شهور الترقب والانتظار لمعرفة من سيتولى مقاليد الأمور في البيت الأبيض. لكن مع اغتيال لقمان سليم على يد ميليشيا حزب الله الإيرانية في لبنان، فإن فترة الترقب يبدو أنها انتهت، وهي رسالة موجهة إلى الجميع -خاصة أولئك الذين يعارضون النفوذ الإيراني في لبنان وفي المنطقة بصفة عامة- وهو ما يمكن توقع تأثيره على لبنان خصوصًا في ظل هيمنة حزب الله هناك.
على الجانب السني، تعمل جماعة الإخوان المسلمين على “إعادة تجميع صفوفها وإعادة تسمية نفسها” بعد سقوطها في الأردن، وهي آخر منطقة كان لديها فيها بعض المساحة للتحرك، ثم هناك الجماعات الجهادية الأكثر تطرفًا، سواء من نوع القاعدة مثل “هيئة تحرير الشام” أو تنظيم “داعش”، وكلاهما يحقِّق مكاسب خطيرة، وإن كان على نطاقٍ أقل من الإيرانيين.
الغياب المتصور للولايات المتحدة الأمريكية يشجع المتطرفين الشيعة والسنة على حد سواء. فمن جهةٍ، يُلاحظ أن رغبة إدارة بايدن الواضحة في إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي قد دفعت إيران إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا. ومن جهةٍ أخرى، فإن المؤشرات الأمريكية بأن وجودها في المنطقة الكردية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني في سوريا له سقف أعطى إشارة غير إيجابية للرئيس أردوغان، وبدلًا من التهدئة، بدأ التفكير في التوسع أكثر في سوريا دون تبني أي خطوات جادة من شأنها وقف تمدد هيئة تحرير الشام.
ويرى مبيض أنه من أجل العمل على التوصل إلى حلٍّ، ينبغي على الولايات المتحدة البحثُ عن أصواتٍ معتدلة داخل الدوائر التي يسيطر عليها أردوغان وإيران. ذلك أن محاولة العمل مع العلمانيين وحدهم لن تنجح؛ ولم يحدث أبدًا أن نجحت. فمثل هذه الشخصيات لا تتمتع بجماهير مؤيدة في المنطقة، ولا تملك فرصة لكسب الجماهير. ومع ذلك، فيجب الحذر، فإن مناورة الإخوان المسلمين التي رفعت شعار اختلافها عن الجهاديين وقدمت نفسها على أنها الخيار الإسلامي المعتدل لا ينبغي الانخداع بها، فلقد جُرِّب هذا المسار من قبل وكان كارثيًا.
وختامًا، ناقشت جلسةُ الأسئلة والإجابات مواضيع متعددة؛ مثل فرص سماع أنباء طيبة عن الجائحة، ومواقف أوروبا تجاه الصين، وآفاق التصدي للنزعة الإسلاموية في الشرق الأوسط.