كايل أورتون**
قُتل الخليفةُ المزعوم لتنظيمِ داعش، إبراهيم البدري (أبو بكر البغدادي)، في غارةٍ أمريكية في سوريا في 27 أكتوبر، ولحق به المتحدث الرسمي، أبو الحسن المهاجر، في اليوم التالي في ضربة جوية. واعترف داعش بخسائره، وعين قادةً جددًا. وقد قدَّم أبو حمزة القريشي نفسَه في بيانٍ صوتي، استغرق ثمانيَ دقائق تقريبًا، بوصفه المتحدثَ الجديد، وتم تعيين أبو إبراهيم الهاشمي القريشي بديلًا للبغدادي. ولم يُقدَّم كثيرٌ من المعلومات عن أيٍّ من الرجلين. من جانبها، قالتِ الحكومةُ الأمريكية إنها “لا تعرف شيئًا تقريبًا” عن الخليفةِ الجديد، أبو إبراهيم، ما يتركنا بعيدين عن معرفة هويته في الوقت الراهن. ومع ذلك، فهناك بعض الخيارات الواضحة التي تطرح نفسها بقوة.
محمد سعيد عبد الرحمن المولى
ادَّعى منشقون عن داعش أن عبد الله قرداش (الملقب بحجي عبد الله العفري) قد تولى قيادة داعش بعد سقوط البدري. وقال بيانٌ زائفٌ منسوبٌ للتنظيم في أغسطس 2019 إن قرداش عُيّن “قائدًا مؤقتًا” للتنظيم، وهو منصب كان يشغله في السابق وائل الفياض (أبو محمد الفرقان). وفي هذا الصدد، يرى حسن حسن، المؤلف المشارك لإحدى أكثر الدراسات تعمقًا عن التنظيم، “داعش: داخل جيش الرعب“، أن هذا التزييف قد تم -على الأرجح- بناء على تحركاتٍ حقيقية، داخل داعش، لتصعيد قرداش كخليفة محتمل للبدري.
ولعل الأمر الذي يُعزِّز من نظريةِ حسن هو حقيقة أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت عن مكافآت من أجل العدالة بعد البيان الزائف مباشرة، وحدَّدت قرداش أو حجي عبد الله على أنه محمد المولى. ووصفت وزارة الخزانة المولى بأنه “عالم ديني” انضم إلى داعش منذ أن كان يُسمى “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” بين عامي 2004 و2006، وكان من بين الذين “صُعِّدوا وترقّوا أدوارًا قيادية رفيعة المستوى”. وأضافت أن المولى “واحد من كبار مُنظِّري داعش”، وفي هذا، كان له دور في أنه “ساعد في دفع وتبرير خطف وذبح وتهريب الأقلية الدينية الإيزيدية في شمال غرب العراق، ويُعتقد أنه يشرف على بعض العمليات الإرهابية العالمية للتنظيم”. والأهم، تشير وزارة الخزانة إلى أنه “خليفة محتمل لزعيم داعش أبو بكر البغدادي”.
ووفقًا لمصادر قناة “العربية“، فإن المولى قد ولد عام 1976 في تلعفر (ومن هنا جاء لقب “العفري”)، بلدة تقع غرب الموصل كانت معقلًا للتطرف، قبل فترة طويلة من سقوط صدام حسين، ما أفرز بعضًا من أهم عناصر داعش. وفي الواقع، يبدو أن المولى كان مقربًا من واحدة من أهم شخصيات الحركة الجهادية السرية في العراق في فترة التسعينيات، وهو عبد الرحمن القادولي (أبو علي الأنباري)، نائب “الخليفة” حتى مارس 2016. وقد ولد القادولي في الموصل، لكنه قضى معظم حياته في تلعفر.
وتقول بعض التقارير إن المولى كان ضابطًا في قوات أمن صدام قبل انضمامه إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” بعد سقوط النظام مباشرة تقريبًا في عام 2003. ورغم أن هذا المسار -أي تحول رجال الشرطة ورجال الجيش للتشدد الإسلامي بشكل سري وانضمامهم إلى داعش- كان شائعًا بدرجة كافية، فإن الأدلة على وجود المولى بينهم ليس قويًا. منصب المولى يأتي على رأس “اللجنة المفوضة”، الهيئة التنفيذية لداعش، التي يقول الباحث في شؤون الجماعات الجهادية كول بونزل “يبدو أنها تمارس المزيدَ من الإشراف اليومي على التنظيم، أكثرَ من البغدادي نفسه”، يوحي بأنه في وضع جيد لتولي زمام القيادة. وألمحت تسريباتٌ من داخل داعش إلى أقدمية المولى وقربه من “الخليفة”.
الحجة الرئيسة ضد أن المولى هو “أبو إبراهيم”، هي أن الخليفة الجديد يجب أن يكون، وكما يُقال، من قبيلة النبي محمد قريش (العربية)، في الوقتِ الذي يُعتقد بشكل عام أن المولى من أصل تركماني. ولكن داعش تشكك في هذا، وربما أنها تقول الحقيقة.
عندما أصبح البدري أميرًا في عام 2010، أعلن مرة واحدة أن نائبه هو أبو عبد الله الحسني القرشي. وذكر مرة أخرى فقط، ولم يعلن أبدًا أنه توفي. أحد التفسيرات أن الحسني هو المولى، ما يجيب على السؤال المتعلق بنسبه إلى قبيلة قريش، وغالبًا ما يحصل الجهاديون على كُنْيَاتٍ جديدة عند تغيير أدوارهم ومناصبهم في داعش. وعلى أي حال، الوقت كفيلٌ بكشف الحقيقة.
كبار المسؤولين السياسيين والدينيين
الأئمة السريين: العاني
انضم عبد الله العاني (المولود في عام 1964) إلى التنظيم السابق على داعش في عام 2004، وهو من قدامى الجهاديين المعروفين، والذين يقدِّرهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وكان يوسف المشهداني، الذي ولد قبل ذلك بأربع سنوات، عالمًا دينيًا في داعش منذ عام 2006. وكلاهما من العراقيين والقريشيين. غير أنه لا يُعرف أين يقيمون ولا ماذا يعملون، ولم ترد أي أنباء عن موت أيٍّ منهما.
أبو عبيدة عبد الحكيم العراقي
عبد الحكيم العراقي هو مسؤول رفيع المستوى في مجلس شورى داعش منذ عام 2011 على الأقل، وخلال مرحلة الخلافة، كان يشرف على ولايات داعش في الخارج. وقد ظهر عبد الحكيم في شريط فيديو بثته ما كانت تُسمى “الدولة الإسلامية في العراق”، آنذاك، في أبريل 2011، فيما وصف بأنه “مؤتمر صحفي”، دافع فيه عن قرار البدري بتأجيل خطابه الرئيس الأول باعتبار ذلك كان ضروريًا لأسباب أمنية، حيث أَرْسَت “الدولة الإسلامية في العراق” الأسسَ لتمردها ضد الدولة العراقية. وهاجم عبد الحكيم الجهاديين المنتقدين لدولتهم المزعومة والذين سخروا منها باعتبارها “دولة كرتونية” بعد هزيمتها الواضحة على يد قواتِ مجالس الصحوة والقوات الأمريكية في الفترة ما بين عامي 2007-2008. وقد تساءل عبد الحكيم: “لماذا يستاء هؤلاء الناس من الدولة الإسلامية في العراق؟ لأنها أرهبت تحالف الصليبيين، وأحبطت مخططاتها، وصمدت في وجه أقوى قوى الشر”. كما ذكّر عبد الحكيم المنتقدين بأن حركة “طالبان” احتفظت باسمها الرسمي، أي “إمارة أفغانستان الإسلامية”، حتى بعد “الإنسحاب من الجبال تحت ضغط التحالف الصليبي” واعتماد تكتيكات “قتال مبتكرة”. ونتيجة للانتقادات الأوسع نطاقًا التي وجِّهَت بشأن تطرف تنظيمه، انتهز عبد الحكيم الفرصة لنفي تورطها في تفجيرات الكنائس القبطية في الإسكندرية في مصر في يناير 2011.
من المرات القليلة التي ظهر فيها اسم عبد الحكيم علنًا، كانت رسالة بتاريخ 4 ديسمبر 2014، تحاول إقناع أمير “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، عبد المالك درودكال (أبو مصعب الودود)، بترك القاعدة والانضمام إلى داعش(1)، ورسالة أخرى بعد عام، دان فيها عبد الحكيم المنشقين عن داعش في اليمن. ويُقال أيضًا إن عبد الحكيم كان هو المسؤول، في داعش، الذي عيَّن سايجيت ساجد ديبناث (محمد سيف الله أوزاكي)، ياباني-بنغالي، أميرًا لفرع داعش في بنجلاديش في يونيو 2015.
المسؤولون العسكريون
هناك احتمال، وإن كان ضعيفًا، أن يكون قد جرى اختيار خليفة داعش من بين القادة العسكريين..
عبد الناصر
من أبرزِ هؤلاء شخصٌ يُدعى عبد الناصر، أدرجته وزارة الخارجية الأمريكية في قائمة الإرهابيين المحددين بصفة خاصة، وأشار تقييمٌ من قِبل الأمم المتحدة، بثقةٍ منخفضة، أن اسمه الحقيقي طه خويت، عراقي ولد في الفترة ما بين عامي 1965 و1969. وإذا ما كان هذا صحيحًا، وأن عبد الناصر ولد في تلعفر، فإن نسبه بقريش لن يكون واضحًا.
وفي هذا الصدد، قال البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2018 إن عبد الناصر “قد تولى خلال السنوات الخمس الماضية.. منصب القائد العسكري لداعش في سوريا، وكذلك رئيس اللجنة المفوضة في داعش”، المجلس التنفيذي الذي “يمارس الرقابة الإدارية على شؤون التنظيم الإرهابي. كما أن اللجنة المفوضة مسؤولة عن التخطيط وإصدار الأوامر المتعلقة بالعمليات العسكرية لداعش، وتحصيل الضرائب، والشرطة الدينية، والعمليات التجارية والأمنية “. وظهر توقيع عبد الناصر، بصفته رئيس اللجنة المفوضة، على الفتوى التي صدرت في مايو 2017 مايو، التي توسَّعت في تعريف التكفير، قبل إلغائها، في وقتٍ لاحقٍ، من العام ذاته.
معتز نعمان عبد نايف نجم الجبوري (حاجي تيسير)
تجدر الإشارة إلى أنه تمت إضافة معتز الجبوري إلى قائمة المكافآت من أجل العدالة في نفسِ الوقتِ الذي أضيف فيه المولى، حيث وصف بأنه “عضو قديم” في داعش، منذ أن كان يُعرف باسم “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”. وأضاف إشعار وزارة الخارجية الأمريكية أن الجبوري “أشرف على تصنيع القنابل لأنشطة داعش الإرهابية”.
سامي جاسم محمد الجبوري (حاجي حميد)
الرجلُ الثالثُ، في بيان المكافآت من أجل العدالة نفسه الذي أُدرج فيه المولى، ومعتز الجبوري، هو سامي الجبوري. عندما تم إدراج سامي في قائمة الإرهابيين المحددين بصفة خاصة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في سبتمبر 2015، تم توضيح أنه كان يرأس مجلس الشريعة، ونائب حاكم جنوب الموصل، بعد سقوط المدينة في قبضة داعش. وفي يونيو 2014، قبل أن يصبح “وزير المالية” الفعلي في مارس 2015، كان يشرف على الإيرادات الإجرامية المتنوعة لداعش، من النفط والغاز إلى بيع وتهريب الآثار. وكان يتعاون بشكلٍ وثيقٍ مع فتحي التونسي (أبو سياف العراقي)، المسؤول الأوسط المهم لداعش، من أجل زيادة الإيرادات من حقول النفط في الوقت الذي قُتل فيه التونسي في غارة أمريكية على سوريا في مايو 2015.
المرشحين الأجانب
من الاحتمالات المثيرة للاهتمام التي طرحها بعض الخبراء هي تعيين داعش لأوَّل أميرٍ “أجنبي” (غير عراقي). وفي هذا الصدد، يقترح هشام الهاشمي، محلِّل يقيمُ في بغداد، وله العديد من الدراسات عن قادة داعش، مرشحين اثنين ضمن هذه الفئة: أبو صلاح الجزراوي، وهو سعودي الجنسية، أو أبو عثمان التونسي، تونسي الجنسية. وظهر اسم أبو عثمان كخليفة، عقب تقريرٍ كاذب عن وفاة البغدادي العام الماضي.
الخلاصة
ربما يتخفى أحدُ هؤلاء الرجال وراء لقب “أبو إبراهيم”. وتجدر الإشارةُ إلى أنه في التجربتين السابقتين لاختيار القيادة، كان الأميرُ الذي ظهر رجلًا مجهولًا؛ مرشحًا توافقيًا لإعادة البناء للتنظيم في عملية الاختيار في عام 2006، ثم الوريث الذي تم إعداده، وتم اختياره عام 2010. ومع ذلك، لم يكن هيكل داعش القيادي، لسنواتٍ عدة، بهذا الغموض الذي هو عليه الآن.
(*) يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
(**) باحث في الشأن السوري وقضايا الإرهاب.
المراجع:
- تم الحصول على رسالةِ عبد الحكيم إلى عبد المالك درودكال بواسطة تور هامينج ونشر في معهد الشرق الأوسط في عام 2018. يوضح هامينج أن درودكال قد ناقش بعض القضايا مع عبد الحكيم قبل هذه الرسالة، وهي تتلخص في ثلاثة أمور: (1) الإعلان عن الخلافة دون موافقة السلطات المختصة (أهل الحل والعقد)، الذين أدرج ستة منهم: عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، عمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، سليمان العلوان، أبو الوليد الغازي الأنصاري (أبو الوليد الفلسطيني)، وأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، (2) مسألة التمكين، بمعنى آخر عما إذا كان تنظيم داعش يسيطر على الدولة على أرض الواقع، و(3) التراجع عن البيعة لأيمن الظواهري. وقد رفض عبد الحكيم العلماء الذين كان يرى درودكال أنه يجب إرضاؤهم. كان عبد الحكيم يرى أن البرقاوي متحيز ضد داعش على الدوام، وعثمان عصبي للغاية، وغير سليم فيما يختص بأمور الجهاد، وبما أن العلوان في السجن فهو يتصرف بناءً على طلب من الحكومة السعودية التي تحتجزه. وأن داعش لا يعرف أبي الوليد جيدًا، وهو، كما يقول هامينج، “إما تظاهر بالجهل أو نتيجة الاستفزاز لأن أبي الوليد كان عالمًا مجاهدًا رفيع المستوى لسنواتٍ عدة، حيث قضى أيامه الأولى في لندن، كتلميذٍ لأبي قتادة، قبل الانتقال إلى أفغانستان وباكستان ليصبح عالمًا لدى تنظيم القاعدة”. كما يرى عبد الحكيم أن الملا عمر لم يظهر على الملأ منذ أحد عشر عامًا، وبالتالي لا يعتبر حَكَمًا (أعلنتِ الحكومةُ الأفغانية عن مقتل الملا عمر في نهاية يوليو 2015، واعترفت طالبان بالأمر بعد ذلك بشهر). ويخلص عبد الحكيم إلى أن الظواهري هو أحد أفراد النزاع، ومن ثم لا يمكن أن يكون القاضي في قضيته. فيما يتعلق بالاعتراضات العملية حول مسألة التمكين، يرى عبد الحكيم أن داعش يمتلك أراضيَ تتيح للمسلمين السفرَ بأمانٍ من حلب إلى ديالى. وفيما يتعلق بشرعية البيعة، يصرّ عبد الحكيم أن مثل هذه الاعتبارات كانت “صالحة قبل الخلافة”. أما الآن، بعد أن أصبح لدينا خلافة حقيقية دون أدنى خطأ في الشريعة أو في الإمامة، فقد أصبح نقض البيعة واجبًا وفقًا للشريعة”. وباختصار، فإن الخطيئة الإسلامية ستكون في عدم نقض البيعة للظواهري ومبايعة البدري.