عرض: د.عمار علي حسن*
لم تعرف حركاتٌ دينية سياسية واجتماعية وفكرية صورًا من التوالد، ثم الانقسام والانشطار والتشرذم، أكثرَ مما عرفته جماعات وتنظيمات زعم كلٌّ منها أنه يمثل “صحيح الإسلام”، ليس في العصر الحديث فحسب، بل طوال التاريخ الإسلامي تقريبًا.
فالاختلافُ حول تأويل وتفسير النصين القرآني والنبوي، وتضارب المنافع والمصالح، وغلبة الأهواء، وتناحر الأفهام، وتراكم المزاعم، قاد على مدار ألف وأربعمائة سنة إلى قيام فرق وتكوينات متحزبة، تتابعت في موجات من الغُبن والرفض والتمرد والخروج على السلطة القائمة، وكذلك على التيار الرئيسي في المجتمع، وحنقت على غيرها من الجماعات التي تزعم تمثيلها للإسلام، وصارعتها على المكانة والنفوذ، وقبلهما الأحقية في التحدث باسم الإسلام.
وكان لكثيرٍ من هذه الفرق والجماعات والتنظيمات قدرة مؤقتة على التحايل والمداراة أو التجلد والمناطحة والنزال المسلح، بما حفظ لها وجودها فاعلة على الساحة الاجتماعية بعض الوقت، لكنها لم تلبث أن تمزقت أوصالها، وتفككت عراها، وتدهورت أوضاعها تدريجيًا حتى صارت أثرًا من بعد عين.
ومن يطالع «موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية» للدكتور عبد المنعم الحفني يستقر في يقينه أن التصارع والتفتت، والحضور والغياب، والوجود والاختفاء، من السمات الأساسية التي تحكم تاريخ “الحركة الإسلامية” سواء كانت سياسية أو دعوية، معتدلة أو متشددة، ويدرك، في الوقت نفسه أن هذا الأمر لم تنج منه حركة في الزمن البعيد أو الحالي، حتى أن “جماعة الإخوان المسلمين” التي أسسها حسن البنا عام 1928 في مصر، وانتشرت في أكثر من ستين دولة في العالم ويطلق عليها أصحابها “كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث”، عرفت ظاهرة التفسخ هذه، إذ انشقت عنها جماعات إثر اختلاف حول النهج، فانسلخت منها أو خرجت من تحت عباءتها، وجاءت أخرى لتوازيها وتضاهيها وتحاول أن تضارعها مكانة.
يعزو الحفني ظاهرة الانشقاق والتشرذم والتوزع هذه، على مدار القرون التي وقعت فيها الحركات والفرق الإسلامية كافة، إلى سببين رئيسيين، هما:
1 ـ تباين آراء هذه الجماعات حول تفسير وتأويل النص، أو الحركة في الواقع المعيش، وكيفية التعامل مع الآخر.
2 ـ دخول أمم وأجناس كثيرة متباينة في رحاب الإسلام أيام الفتوحات الأولى، وهي أممٌ مختلفة الثقافات والحضارات، كان أهلها يعتقدون في مذاهب ودروب شتى من التدين قبل دخولهم إلى الإسلام.
لكن الحفني يُغفل أهمَّ سببٍ أدى إلى تشرذمِ التنظيمات التي يدَّعِي كلٌّ منها وصلًا أصيلًا بالإسلام، وهو الصراعُ حول السلطة السياسية والمكانة الاجتماعية، أو على الأقل الخلاف الحاد حول التعامل مع السلطات التي استمرت على سدَّة الحكم في العالم الإسلامي، منذ الفتنة الكبرى وحتى نهاية الخلافة العثمانية عام 1924.
ربما يعود هذا إلى أن الكتاب ركَّز بالأساس على الجوانب الفكرية لهذه الفرق والجماعات والتنظيمات، محاولا الابتعاد عن الجوانب السياسية والتاريخية، فالمؤلف يصف موسوعته بأنها “ليست كتابًا في التاريخ، ولكنه كتاب في الفكر، وهو يجمع هذا الفكر، ثم هو يجدده تجديدًا”.
ورغم أن الكاتب لم يبذل هذا الجهد الذي وعد به في مسألة التجديد، لكنه برصده لفكرِ نحو ثمانمائة فرقة وجماعة ومذهب وحزب وتنظيم، هي حصيلة ما تمكن من جمعه، أظهر كيف أن مسألة التجديد هذه ليست بالأمر الهين، إذ يجد من يتصدى لها نفسَه أمام أفكارٍ متراكمة ومتخبطة ومتصارعة صُنعت على مدار أكثر من ألف وأربعمائة عام، بعضها لم يمت، ولم يقف عند حد أن يكون مُسجَّلًا فقط في تاريخ الأفكار، لكنه لا يزال موجودًا ومتفاعلًا وقادرًا على التأثير في أناس يحيون بيننا، بوسعهم أن يتبنوها، ويقولون عنها ما قاله الأولون، من أنها هي “الصواب” أو “الطريق المستقيم”.
ويمكن أن تعطي هذه الموسوعة قدرة على الوصول إلى النتيجة سالفة الذكر؛ لأنها في مضمونها وبنيتها هي بمثابة “رصد مذهبي لكل التنظيمات الأيديولوجية والسياسية الإسلامية عند السنة والشيعة عبر آسيا وأفريقيا، ومختلف البلاد العربية والإسلامية وغير الإسلامية.. منذ أول فرقة حتى الوقت الحالي”.
ومما يساعد في هذا الاستنتاج، دون قفز على الحقيقة أو تجن على هذه الجماعات والفرق أن الموسوعة لم ترتبها ترتيبًا تاريخيًا، بادئة بأقدمها ظهورًا، وصولًا إلى آخرها، إنما رتبتها أبجديا بادئة بفرقة يسميها المؤلف نفسه “آل محمد”، قاصدًا بها على ما يبدو التيار العريض من المؤمنين برسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عبر التاريخ الاجتماعي للإسلام والمسلمين، يتبعها بفرقة اسمها “الآمرية”، وهي من الشيعة المنتسبين إلى السيدة فاطمة ابنة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويدعون أحقيتهم في الملك، وهم من أتباع الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله المنصور بن أحمد المستعلي بالله بن المستنصر ( 1096 ـ 1130).
وتنتهي الموسوعة بأخرى هي “اليونسية”، وهي فرقة من غلاة “المرجئة” أصحاب شخص يدعى يونس بن عون النميري أو الشمري، تؤمن بأنه الإيمان هو مجرد المعرفة بالله والخضوع له، ومحبته بالقلب، والإقرار بوحدانيته، والتصديق بما جاء به الأنبياء، وترى أن الإيمان في القلب واللسان، لا يزيد ولا ينقص، ولا تضر معه معصية، وتقول بأن المؤمن إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته، وأن معرفة ما جاءت به الرسل في الجملة من الإيمان، وأن المعرفة التفصيلية لذلك ليست منه، وهي تشترط اجتماع هذه الخصال في شخص واحد حتى يكتمل إيمانه، وبذا فإنَّ كلَّ من يترك إحداها يعد في نظر هذه الفرقة قد اقترف عملا من أعمال الكفر.
فغيابُ التسلسل التاريخي لهذه الفرق في الموسوعة، جعل المعاصر منها والحديث يجاور القديمَ، فتنتقل من هذه إلى تلك، وتعود إلى ما كنت عليه، فتجد أفكارَ هذه الفرق تبدو كدوائر متداخلة، ما إن يتقدم بعضُها إلى الأمام في فهم الواقع وتقديره، حتى يأتي بعدَها ما يعودُ إلى الخلف بقوة، وهو أمر ربما كان يُشكِّل العاملَ القويَّ الذي حال دون تجديد الفكر والفقه الإسلامي، لا سيما في القرون الأخيرة.
والتأثر بالقديم بل تبنيه، لم يقتصر عند هذه الفرق والجماعات على الأفكار والتصورات فحسب، بل امتد إلى الأسماء والمسميات أيضًا، فالموسوعة تبين أن بعض هذه الفرق أخذت أسماء متشابهة أو متقاربة رغم اختلاف الزمان والمكان، وهو ما يمكن تفصيله في النقاط التالية:
1 ـ الإبراهيمية، وجاءت مرتبطة بها خمس فرق هي: “الإبراهمية الإمامية”، و”الإبراهيمية الشيعة”، و”الإبراهيمية الأباضية”، و”الإبراهيمية المشبهة”، و”الإبراهيمية الغالية”.
2 ـ الأحمدية، وارتبطت بها ثلاث فرق؛ هي: “الأحمدية البدوية”، و”الأحمدية القاديانية”، و”الأحمدية الإمامية”.
3 ـ الإسحاقية، ولها خمس فرق أيضًا؛ هي: “الإسحقية الغلاة”، و”الإسحقية التركية”، و”الإسحقية المجسمة”، و”الإسحقية الحلولية”، و”الإسحقية الشيعية”.
4 ـ الإسماعيلية، ولها ست فرق؛ هي: “الإسماعيلية الأغاخانية”، و”الإسماعيلية التعليمية”، و”الإسماعيلية الخالصة”، و”الإسماعيلية المستعلية”، و”الإسماعيلية الترارية”، و”الإسماعيلية الواقفة”.
5 ـ أصحاب، وتحت هذه الكلمة جاءت عشرون فرقة؛ مثل “أصحاب الإجماع”، و”أصحاب الرأي”، و”أصحاب السؤال”، و”أصحاب الرجعة”، و”أصحاب الطبائع”، و”أصحاب المعاني”، و”أصحاب الحديث”، و”أصحاب التفسير”.. الخ.
6 ـ أهل، وتحت هذه الكلمة جاءت خمس وعشرون فرقة، بدءًا من “أهل الحق”، و”أهل الإثبات”، و”أهل الصُفَّة”، إلى “أهل الأهواء”، و”أهل الإهمال”، و”أهل الردة”، وما بينهما من “أهل الحل والعقد”، و”أهل الذوق”، و”أهل الرجعة”، و”أهل الفلسفة”، و”أهل الكلام”.. الخ.
7 ـ أولو، واندرجت تحتها ثلاث جماعات؛ هي” أولو الألباب”، و”أولو العزم”، و”أولو العلم”.
8 ـ الجماعة، وتزاحمت حولها الفرق والتنظيمات حتى صارت إحدى وثلاثين جماعة، من أشهرها “الجماعة الإسلامية”؛ وهي تنظيم محلي في كل من مصر وتونس والمغرب وباكستان وبنجلاديش وأفغانستان، و”جماعة التبليغ والدعوة” التي تأسست في الهند، وانتشرت في ربوع العالم الإسلامي، و”جماعة النهضة” في الجزائر.
9 ـ الجمعية، وجاءت تحتها سبع جماعات؛ مثل “جمعية الشبان المسلمين العالمية”، و”الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة”، و”جمعية أنصار السنة المحمدية” في مصر، و”جمعية أهل الدعوة الإسلامية”، و”جمعية العلماء المسلمين” في الجزائر، و”جمعية الشبيبة الإسلامية” في المغرب، و”جمعية المحافظة على القرآن الكريم” في تونس.
10 ـ الحركة، وانضوى تحت هذه الكلمة خمسة عشر تنظيمًا، من أبرزها: “حركة طالبان” في أفغانستان، و”حركة الأحباش”، و”حركة التوحيد الإسلامية”، و”حركة أمل” في لبنان، و”حركة الشباب الإسلامي” في ماليزيا، و”حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس”، و”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين، و”الحركة الثورية الإسلامية” في المغرب، و”حركة العدالة” في أوزبكستان، و”حركة المجتمع الإسلامي” في الجزائر.
11 ـ الحزب، وهناك ستة عشر تنظيمًا حملت اسم “الحزب”؛ في مطلعها “حزب الله” في لبنان، و”حزب التحرير” المنتشر في عدة دول، و”الحزب الإسلامي” في تركستان، و”حزب آلاش الإسلامي” في كازاخستان، و”الحزب الإسلامي”، و”حزب الاتحاد الإسلامي” في أفغانستان، و”حزب الدعوة الإسلامي” في العراق، و”حزب العمل الإسلامي” اليمنى”، و”حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان وأوزبكستان.
12 ـ المنظمة، وهناك ستة تنظيمات حملت هذا المسمى؛ هي: “منظمة الثورة الإسلامية” في شبه الجزيرة العربية، و”منظمة “الدعوة” الشيعية، و”منظمة العمل الإسلامي”، و”منظمة كتائب الإيمان”، و”منظمة كلمة الله”، و”منظمة المجاهدون” المغربية.
13ـ الواقفة، وحملت أربع جماعات هذا الاسم؛ هي: “الواقفة المتكلمون”، و”الواقفة الخوارج”، و”الواقفة الإمامية”، و”الواقفة الإباضية”.
ومن يُمعن النظر في هذه التصنيفات المتتابعة للفرق والجماعات الإسلامية، أو التي تدعي تمثيل الإسلام كاملًا، يمكن أن يصل إلى ملاحظات مهمة على النحو التالي:
1 ـ يلاحظ أن هذه الفرق التي تكررت أسماؤها جاءت إما منسوبة إلى أشخاص، سواء كانوا وعاظًا وعلماء دين أو قادة سياسيين يرتدون عباءة الدين، أو يرون أن الإسلام يجب أن يكون طريقًا إلى السلطة السياسية، أو منسوبة إلى صفات جامعة، فحين يُقال: “أهل” أو “أصحاب”، ففي هذا رغبة في اقتصار الإسلام أو الإيمان على أتباع هذه الجماعة أو تلك.
2 ـ بعضُ هذه الفرق أخذ صفات متضاربة أو متناقضة تمامًا، فهؤلاء يطلقون على أنفسهم “أهل الحق” ويطلقون على آخرين “أهل الأهواء”. وهذان ليستا جماعتين فقط في حقيقة الأمر، إنما تمثيل بسيط لاتجاه ساد وتعزز في مسار الجماعات والتنظيمات والفرق والأحزاب الدينية في تاريخ المسلمين، يقوم على النبذ والهجر والتقبيح المتبادل في أغلب الأحيان، والذي يمكن أن يصل إلى التكفير في بعض الحالات.
3 ـ ليس بالضرورة أن هذه الجماعات والفرق والتنظيمات في حال صراع وتنافس طيلة الوقت، فبعضها يخدم البعض طيلة التاريخ، حتى لو لم يكن بينها اتفاق على تقاسم الوظائف والأدوار. فعلى سبيل المثال، فإن الجماعات والجمعيات التي يقتصر دورها على إنتاج وترويج معرفة دينية تقليدية، تقوم بملء المجال العام بأفكار وتصورات، يمكن أن تمهد للجماعات الدينية المسيسة، أو الساعية إلى تحصيل السلطة السياسية، وتوفر لها جهدًا ووقتا في عملية الجذب والإقناع والتجنيد، بدعوى مواصلة نصرة الدين، بينما ما تطرحه هذه الجماعات هو مشروع سياسي في المقام الأول. وفي بعض الأحيان تتمكن الجماعات المسيسة هذه من التغلغل في صفوف التنظيمات الدعوية والتعليمية أو المدرسية، ثم استغلاها لخدمة أهدافها.
4 ـ تتوزع هذه الجماعات والتنظيمات على المذهبين الأساسيين في تاريخ الإسلام، وهما السنة والشيعة، فكلا المذهبين أنتجا على مدار القرون جماعات وتنظيمات شتى، كانت الأسباب التي أدت إلى افتراقها وتنازعها وتطاحنها أحيانًا متشابهة في الشكل والطريقة، رغم اختلاف التصور العقدي، أو المرجعية والإطار الفكري، والأهداف المبتغاة.
5 ـ على مدار تاريخ المسلمين، لطالما ظهرت جماعاتٌ وتنظيمات كانت في البداية ضعيفة، ثم راحت تقوى بمرور الوقت، سواء من حيث عدد الأتباع المنتمين لها، أو ركائز القوة المادية التي تحوزها، وما إن تصل إلى الذروة في هذا وتسود وتعلو، حتى تبدأ رحلة تراجعها، خاصة حين وفاة مؤسسها والذين معه، أو بدخولها في صراع دموي ضد السلطة السياسية، ينتهي بهزيمتها، وتشتت أتباعها في البلاد، ثم مطاردة الأفكار التي تتبناها، والتعمية عليها، حتى يضعف تأثيرها.
6 ـ لم يخل زمن أو عهد أو حقبة في تاريخ المسلمين من وجود جماعات وجمعيات وتنظيمات وفرق وأحزاب وطرق، تعلو وتنخفض على هوامش التيار الرئيسي أو العام من المسلمين غير المنضوين في مثل هذه الكيانات والتكوينات. ورغم أن هذه التنظيمات لا تتمكن من تحقيق أهدافها في أغلب الأحيان، لكن طالما شكَّل المتطرف منها عامل إزعاج لبقية المسلمين.
7 ـ كان المتطرف والمتشدد من هذه الكيانات والتنظيمات دومًا في حالة نزاع وصراع مع مثيلاتها، وضد المجتمع والسلطة السياسية القائمة في الوقت نفسه. فنظرًا لأن النازع إلى السياسة من هذه التنظيمات والجماعات يرفض بالقطع الشرعيات القائمة، فإنه يجد نفسه مجذوبًا إلى الدخول في صراع مفتوح مع أصحابها، ومحاولة فرض شرعية أخرى.
8 ـ لم تكن هذه الجمعيات والجماعات كافة مسيَّسة أو واقعة في التشدد والتطرف، فبعضها قام بدوره في الدعوة إلى الامتلاء الروحي، والسمو الأخلاقي، وتحقيق النفع العام للمجتمع، وبعضها فتح أبوابًا ونوافذ لدراسة علوم الدين. وفي الغالب الأعم تكون هذه الكيانات أكثر قدرة على الاستمرار من تلك المتصارعة على السلطة.
9 ـ بعض هذه التنظيمات والجماعات، مسيَّسة أو دعوية، لم تكن بعيدة عن السلطة السياسية في تاريخ المسلمين منذ بدء الخلافة الأموية وحتى انهيار الخلافة العثمانية، سواء قامت هذه السلطة بإطلاق تنظيم أو جماعة ما ورعايته، أو تبنته فيما بعد من أجل خدمة مصالحها ومنافعها. وفي بعض الأحيان نشأت جماعات استجابة لسلطات متصارعة، أو تعبيرًا عن النزاع بين العرب والموالي في العصر العباسي الثاني، أو بين الترك والعرب في أيام حكم العثمانيين.
10 ـ ليس هناك ما يمنع مستقبلا من نشوء انشطارات وتشققات في جماعات وتنظيمات وأحزاب وحركات قائمة بالفعل، وكذلك ظهور جماعات جديدة في العالم الإسلامي من غانا إلى فرغانة. وليس من المتوقع أن تأتي حقبة أو عهد في حياة المسلمين تكون فيه مثل هذه الكيانات والتكوينات الدينية والسياسية غائبة، فهي أشبه بمرض السكري، الذي يستحيل علاجه تمامًا، حتى الآن، لكن يمكن التعامل معه والسيطرة عليه وتقليل آثاره السلبية والخطيرة.
في خاتمة المطاف، فإن الإطلاع على هذه الموسوعة وتأمل ما فيها جيدًا، سيساعد من دون شك في فهم وتحليل مدركات وتصورات وأهداف وتدابير الجماعات والتنظيمات الدينية السياسية، وكذلك الدعوية، في وقتنا الحاضر، فهي برمتها ليست منبتة الصلة عن سابقاتها، وقد لا تعدو أن تكون مجرد قيام تنظيم جديد بتبني فكرة قديمة، ومحاولة زرعها في سياق اجتماعي وسياسي مغاير.
*روائي، وباحث في علم الاجتماع السياسي