
في بداية شهر أكتوبر؛ أي بعد قرابة شهر من فوز بيير بويليفر بزعامة حزب المحافظين الكندي، وبعد أن أصبح زعيم المعارضة الرسمية، تعرَّض لانتقادات عندما اتضح أن بعض مقاطع الفيديو على قناته على “يوتيوب”، تتضمن شارة ترتبط بحركة “الرجال السائرون في طريقهم الخاص” (الميجتاو)، حركة حقوقية ذكورية معادية للنساء.
في هذ الصدد، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو “لولا صحيفة جلوبال نيوز لما علمنا أن زعيم حزب المحافظين يستخدم مقاطع الفيديو الخاصة به عمدًا لكسب ود الحركات اليمينية المتطرفة المعادية للنساء على الإنترنت”، داعيًا بويليفر إلى الاعتذار في مجلس العموم.
بيير بويليفر، زعيم المعارضة الرسمية
كشفت صحيفة “جلوبال نيوز” أن بويليفر، 43 عامًا، الذي يشغل منصب عضو البرلمان منذ عام 2004، وضع علامة على ما مجموعه خمسين مقطع فيديو على قناته على يوتيوب باسم “الميجتاو” “MGTOW”. وفي حين أن بويليفر لم يعتذر، فإنه تطرَّق إلى القضية، وقال إنه “يدين” الحركة، وعالج المشكلة بمجرد علمه بها.
الرجال السائرون في طريقهم الخاص داخل “الفضاء الذكوري”
وفقًا لبيانات حركة الميجتاو المتداولة على الإنترنت، تفضِّل الحركة ملكية ذواتهم على السيادة. الحق في قول “لا”. فهي ترفض المفاهيم المسبقة، والعادات الثقافية السخيفة التي تُعرِّف الرجل اليوم. وأفرادها لا يحاولون الانسجام مع المعايير الاجتماعية، ويرفضون الخنوع والاستعباد. إنهم يعيشون من أجل مصالحهم الخاصة أولًا، في عالمٍ لا يعتبر هذا لائقًا.
على الرغم من أنها قد لا تكون واضحة بما يكفي في هذه البيانات، فإن الأيديولوجية الكامنة وراء الحركة شديدةُ المعاداة للنساء. ومن شأن إلقاء نظرةٍ فاحصة عليها، يمكننا العثور على أوجه تشابه متعددة بين الميجتاو، والمكونات الأخرى للفضاء الذكوري، مثل مجتمع العزوبة غير الطوعية:
مركز التحكم الخارجي
مفهوم مركز التحكم (locus of control) قدمه جوليان روتر في عام 1954 وأصبح منذ ذلك الحين مفهومًا بالغ الأهمية في دراسات الشخصية. يشير المفهوم إلى مدى اعتقاد الأفراد أنهم يسيطرون على مجرى الأحداث في حياتهم أو العكس بالعكس، أي أنهم يقعون تحت رحمة العوامل الخارجية التي تحدِّد نجاحاتهم، وإخفاقاتهم. يُقال إن مركز التحكم داخلي لشخص ما إذا كان يعتقد أنه يتحكم في حياته، ويكون المركز خارجيًا إذا ساد الاعتقاد بأن ثمة عوامل خارجية لا يمكن له التحكم فيها هي التي تسيطر على حياته1.
في حين أن مركز التحكم لشخص ما دائمًا ما يكون في شكل طيف، فمن الصحيح أيضًا القول إن أولئك الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم ينتمون إلى حركة العزوبية غير الطوعية يظهرون بوضوحٍ ملحوظ أن مركز التحكم الخارجي يطغى بلا شك على مركز التحكم الداخلي.
عندما نتحدث عن مجتمع العزوبية غير الطوعية، يتعامل المرء مع نوعٍ من مركز التحكم الخارجي المؤسسي. وبناء على ذلك، يُصنّف الأعضاء على أنهم عُزَّاب من دون إرادتهم، من خلال تصوراتهم الخاصة، وهذا يعود في رأيهم إلى مطالب المرأة غير الواقعية، وانحلالها الجنسي، وإلى أن العُزَّاب غير محظوظين وراثيًا، وإلى أن حياتهم الاجتماعية في الوقت نفسه غير موجودة أو محدودة للغاية لأن العالم مكانٌ غير عادل.
إذا كان الشخص يشعر أنه لا يسيطر على حياته، فإنه يشعر بالعجز، وهذا بدوره يزيد من تقويض مفهوم المسؤولية الشخصية، الذي قد يوفر كابحًا يوقف الانزلاق نحو السلوك المعادي للمجتمع والتطرف2.
مركز التحكم الخارجي ليس سمة نموذجية لمجتمع العزوبية غير الطوعية فحسب، بل سمة يتشاركها مع كل مكونات الفضاء الذكوري تقريبًا، بما في ذلك الميجتاو، الذين يقررون الانسحاب من التفاعل الاجتماعي الطبيعي بين الجنسين، لأنه يشعر أن النظام بأكمله غير عادل تجاه الرجال ويجب تغييره. أفراد مجتمع الميجتاو لا يرون حقًا حاجةً لأي شكلٍ من أشكال النقد الذاتي.
نظرة دونية للمرأة
يعج الفضاء الذكوري بوجهات نظرٍ مهينة للمرأة، تصوِّر النساء، في أحسن الأحوال، على أنهن مجبولاتٌ على الاهتمام بالجنس، ويتسمن بضحالة الفكر. وأنهن يبحثن دائمًا عن أقوى شريك. وفي مجتمعاتنا الحديثة، يترجم هذا إلى البحث عن أغنى رجل. وفقًا لوجهة النظر هذه، فإن المرأة بطبيعتها محبة للمتعة على نحوٍ مَرَضّي، وغير قادرة على التفكير على المدى الطويل، ومادية، ومندفعة جنسيًا.
التاريخ يحابي النساء
النزعة النسوية هي المسيطرة وفقًا للنظرة العالمية الشائعة في الفضاء الذكوري، وفي مجتمع الميجتاو. ذلك أن التغيرات التكنولوجية والإجراءات السياسية تحابي النساء، وتعرِّض الرجال لصراعاتٍ غير مسبوقة.
بدوره، ينتقد مجتمع الميجتاو تطوراتٍ مثل طرق تحديد النسل، وانتشار الطلاق، والمعارك من أجل حضانة الأطفال التي تفوز بها الأمهات بشكلٍ منهجي. وعلى عكس ما تقوله النسويات، يعتقد مجتمع الميجتاو أن الرجال هم غير المحظوظين في المجتمع.
عالم “الحبة الحمراء”
من أجل فهم هذه المشكلات، ترى الأيديولوجية التي يعتنقها الفضاء الذكوري أن الرجال يحتاجون إلى ابتلاع “الحبة الحمراء” (Red Pill). بصفةٍ عامة، بدأ مصطلح “الحبوب”، يصبح سمة بارزة في غرف الدردشة عبر الإنترنت ومنتديات اليمين البديل. مصطلح “الحبة الحمراء” مقتبس من مشهد مشهور من فيلم ذا ماتريكس (The Matrix)، الذي صدر عام 1999، حيث يُعرَض على البطل، نيو، ابتلاع واحدة من حبتين: الحبة الزرقاء التي ستجعله يعيش سعيدًا لكن في جهل بالواقع، أو الحبة الحمراء التي ستظهر له العالم كما هو حقًا.
وهكذا، فإنه باختيار الحبة الزرقاء، يختار الأفراد العمى المُطمئِن، لكن باختيار الحبة الحمراء يصبحون على استعداد لمعرفة الحقائق غير السارة. “ابتلاع الحبة الحمراء”، وقبول الحقيقة، وإن كانت مريرة، يمثل فلسفة أساسية لأفراد مجتمع العزوبية غير الطوعية.
الميجتاو ومجتمع العزوبية غير الطوعية: الاختلافات ومخاطر التطرف
على الرغم من التداخلات المتعددة بين المجتمعين عبر الإنترنت، فهناك اختلافات بينهما. على سبيل المثال، لا يتناول مجتمع العزوبية غير الطوعية “الحبة الحمراء” فحسب، بل غالبًا ما يذهبون إلى خطوة أخرى ويتناولون “الحبة السوداء”: أي أنهم يعتقدون أنه لا يوجد شيء يمكن القيام به لتغيير الواقع الرهيب بمجرد رؤيته. على النقيض من ذلك، يعتقد مجتمع الميجتاو أن مجرد تناول “الحبة الحمراء” يتيح لهم رؤية التفاعل الشرير القائم بين الجنسين، ومن ثم الانسحاب منه.
الفرق الآخر هو أن أفراد مجتمع العزوبية غير الطوعية يظهرون مستوى أعلى من العنف اللفظي والملموس في كثيرٍ من الأحيان. فهم يعتقدون أنه ينبغي إجبار النساء على الزواج الأحادي من الرجال، في حين أن أفراد مجتمع الميجتاو يريدون -كما يوحي الاسم- أن يكونوا منفصلين لحماية فكرتهم وتصورهم للذكورة.
علاوة على هذه الاختلافات، أضحى الخبراء والحكومات على وعيٍ متزايد بالتهديد الذي تشكّله الخطابات في الفضاء الذكوري، التي وإن لم تكن عنيفة بالضرورة، فإنها لا تزال تمثل بيئة مواتية قوية للتطرف، وينبغي اعتبارها وسطًا متطرفًا. ونعني بـ “الوسط المتطرف” بيئة تشترك في العناصر الأساسية لوجهات نظر مرتكبي الهجمات العنيفة وخبراتهم، وإن لم تكن عنيفة جسديًا في حدِّ ذاتها.
وبهذه الطريقة، توفِّر الأوساط المتطرفة أرضية خصبة للتكاثر والتجنيد، فضلًا على الدعم المباشر وغير المباشر لأولئك الأفراد الذين قد يواصلون عملية التطرف إلى حدِّ ارتكاب هجماتٍ فعلية. إنه فضاء افتراضي يمكن فيه للأعضاء العثور على منظومة دعم وشعور فريد بالانتماء، والأهم من ذلك، إضفاء الشرعية الضمنية أو الصريحة على مظالمهم.
فيما يلي بعض الأفكار المأخوذة من مدونة لمجتمع الميجتاو:
عندما يتعلق الأمر بالرجال والنساء، فمن الواضح الآن أنها صفقة من جانب واحد. صفقة سيئة جدًا. لكن الرجال ما زالوا يتصرفون بغباء، ويلهثون وراء النساء كي ينالوا أي اهتمام أو رضاء. وبالطبع هناك الكثير من الفرسان البيض الذين يركضون خلف النساء، سواء في الحياة الحقيقية أو عبر الإنترنت.
أردت في سن مبكرة قلب الطاولة على المعادلة بأكملها فيما يتعلق بالمواعدة. بدأت أرفض ملاحقة النساء بأي شكلٍ من الأشكال. الطريقة الوحيدة التي سيحصلون بها على أي اهتمام مني هي أن يلاحقوني، أو أن يعاملوني بالفعل على قدم المساواة. لكن من النادر جدًا الحصول على ذلك ما لم يكن لديك المال والموارد. لذلك قضيت الكثير من الوقت وحدي.
هل الجهل عذر؟
وفقًا لسجلات “يوتيوب”، أضيفت شارة مجتمع الميجتاو على مقاطع الفيديو الخاصة بزعيم المحافظين الكندي بيير بويليفير في أوائل عام 2018، وظلت موجودة منذ ذلك الحين.
وعلى مرِّ السنوات، طلب السيد بويليفير من العديد من موظفيه تحميل مقاطع فيديو -وجميعهم يعرفون كلمات المرور اللازمة- وبالتالي ادّعى مكتبه أنه غير قادر على تحديد من أضاف الشارة بالضبط.
إذا ما أخذنا كل هذه الأشياء في الاعتبار، قد يكون هذا صحيحًا تمامًا، وكذلك قد يكون الجهل الكامل المزعوم للسياسي حول الأيديولوجية الكامنة وراء مجتمع الميجتاو وتداخلها مع الخطابات والأفعال العنيفة.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالتطرف، لا يمكن اعتبار الجهل عذرًا، ولا سيّما في دولة مثل كندا، حيث أودى العنف المتعلق بكراهية للنساء بحياة الناس بالفعل.
في 23 أبريل 2018 في تورونتو، دهست شاحنة عددًا من المشاة، ما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص، وإصابة ستة عشر آخرين، في أعنف هجوم من نوعه في التاريخ الكندي. وقد ألقي القبض على المهاجم، أليك ميناسيان، الذي وصف نفسه بأنه ينتمي لمجتمع العزوبية غير الطوعية، بعد محاولته دفع الشرطة إلى إطلاق النار عليه.
تجدر الإشارة هنا، إلى أن ميناسيان قد أشار في بيانه إلى الإرهابي إليوت رودجر الذي قتل في 23 مايو 2014 ستة أشخاص، وأصاب أربعة عشر في جزيرة فيستا، بالقرب من حرم جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، قبل أن ينتحر.
وقد حذّر مسؤولو الأمن والاستخبارات الكنديون من أن كراهية النساء العنيفة تُعتبر تهديدًا للأمن القومي، وشكلًا من أشكال “التطرف العنيف ذي الدوافع الأيديولوجية”.
حتى الآن، لا يبدو أن الرجال السائرون في طريقهم الخاص (الميجتاو) عنيفون على نحو ملموس. ومع ذلك، فإن إلقاء اللوم على المجتمع لكونه غير عادل، ومتحيّز بطبعه للنساء، والرغبة في القضاء على النسوية تمامًا، واتهام النساء بأنهن ضحلات وماديات وفاسقات، يقودهم إلى اختيار الانفصال عن أي شكل من أشكال العلاقات مع الجنس الآخر.
وهذا بدوره يعزّز نظرة عالمية يكون فيها التواصل والتفاعل مع الجماعة الخارجية، أي النساء، غير موجود على الإطلاق. ومن هنا ينبع التطرف: القطيعة المطلقة بين جماعة نحن وجماعة هم، حيث تعزّز الأولى باستمرار روايات الكراهية حول الأخيرة وخطابات المظلومية عن نفسها.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
_________________________________________
المراجع:
Rotter, Julian, ‘Generalized expectancies for internal versus external control of reinforcement,’ Psychological Monographs: General and Applied, Vol. 80 (1966), 1–28
Brzuszkiewicz, Sara, ‘Incel Radical Milieu and External Locus of Control,’ The International Centre for Counter-Terrorism – The Hague (ICCT) Evolutions in Counter-Terrorism, Vol. 2 (November 2020), 1-20