بقلم: فرانسيسكو بيرغوغليو إيركو
يطرح تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) ثلاثة أسئلة رئيسة حول التطرف في أوروبا: أولها: ما هو التهديد الإرهابي في أوروبا، وكيف تطور عبر الوقت؟ وثانيها: كيف استجابت الحكومات الأوروبية للتهديدات الإرهابية؟ وثالثها: ما هي آثار هذه السياسات على الولايات المتحدة؟ وفي حين يقدم التقرير نظرة شاملة للاتجاهات الإرهابية في أوروبا، فإنه يشرح باستفاضة حالة كل من المملكة المتحدة وفرنسا.
تطور التهديدات الإرهابية في أوروبا
بالنظر إلى البيانات المتوفرة منذ عام 1970، فإنها تشير إلى أن أعداد الوفيات الناتجة عن الهجمات الإرهابية في أوروبا قد انخفضت منذ نهاية الحرب الباردة. لقد عانت أوروبا خلال الحرب الباردة هجمات إرهابية نفذتها مجموعات عرقية – قومية مثل: “الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)” و”منظمة إيتا الإسبانية المسلحة (ETA”) وكذلك مجموعات يسارية مثل “الألوية الحمراء” و”منظمة 17 نوفمبر الثورية اليونانية”. علاوة على ذلك، هاجمت مجموعات إرهابية شرق أوسطية وشمال إفريقية أهدافًا أوروبية، بعضها مدعومة برعاة حكوميين.
لقد شكّل انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 نقطة تحوّل عندما فقدت الماركسية اللينينية فعاليتها. بالنسبة للجيش الجمهوري الأيرلندي، أدت اتفاقية “الجمعة العظيمة” لعام 1998 في أيرلندا الشمالية إلى إنهاء العمليات القتالية. ونتيجة لذلك، بدأت أعداد الوفيات الناتجة عن الإرهاب في أوروبا بالانخفاض بشكل لافت، وبالتحديد في منتصف التسعينيات.
لكن هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة شكّلت تحولًا آخر تجاه التطرف الإسلامي والجهاد. ومنذ ذلك الحين، تعرضت أوروبا لهجمات قوية بهذا النوع من الإرهاب، لا سيما في مراحله الأولى في مدريد في 11 مارس 2004، عندما قتل 191 شخصًا وجرح 1755 آخرين، وكذلك في 7 يوليو 2005 في لندن، عندما قتل 50 شخصًا وجرح 700 آخرين.
وابتداء من 2014، انضم تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” إلى تنظيم القاعدة لينفذ تهديدًا جهاديًا سلفيًا جديدًا، ويرتكب موجة جديدة من الهجمات الإرهابية. وقد شهدت أوروبا ما بين 2014 و2016 الكثير من الهجمات الإرهابية الكبيرة، مثل هجوم يناير 2015 ضد صحيفة “شارلي إبدو”، وكذلك ضد أهداف أخرى في باريس. ثم نفذ التنظيم سلسلة من الهجمات، من بينها مذبحة (مسرح باتاكلان) وغيره من الأهداف في فرنسا. وفي عام 2016، عانت بلجيكا من هجمات إرهابية ضد مطار بروكسل ومحطة مترو مالبيك، ثم هوجمت فرنسا مرة أخرى من حافلة ملغمة في مدينة نيس، وكذلك ألمانيا في سوق “كريسماس” في برلين.
وإلى جانب التهديدات الإرهابية السلفية الجهادية، يشير التقرير إلى أن أوروبا تواجه تهديدات المجموعات اليمينية واليسارية المتطرفة. وقد شهدت أوروبا ارتفاعًا لافتًا في أعداد الهجمات اليمينية؛ من 9 هجمات في 2013 إلى 21 هجومًا في 2016، و30 هجومًا في 2017. في الحقيقة، شهد عام 2017 العدد الأكبر الهجمات اليمينية في أوروبا منذ عام 1994.
المملكة المتحدة: النزعات التاريخية وبرنامج مكافحة الإرهاب
لدى المملكة المتحدة سجل حافل ومتنوع في التعامل مع ظاهرة الإرهاب. بدأت “المشاكل” في أيرلندا الشمالية في الستينيات، وتصاعدت عام 1969 عندما اندلعت أعمال شغب في أغسطس، وعلى إثرها نشرت المملكة المتحدة قواتها.
ما بين عامي 1969 و1998، حصد النزاع أرواح أكثر من 3500 شخص، وخلّف أكثر من 48000 جريح، وتسبب بخسائر اقتصادية بقيمة مليارات الجنيهات، نتيجة للتكلفة الباهظة لإعادة الإعمار التي أعقبت الهجمات، والتأثيرات السلبية التي لحقت بالاستثمار الأجنبي في أيرلندا الشمالية، وغيرها من العوامل.
وبعد 3 أعوام من اتفاقية “الجمعة العظيمة” لعام 1998، التي أدت إلى تسوية سياسية في أيرلندا الشمالية، نفذت القاعدة هجمات 11 سبتمبر، ما أدى إلى نشوب موجة جديدة من الإرهاب في الغرب، بما في ذك المملكة المتحدة. وبحلول عام 2006، تعرّفت المخابرات البريطانية على 1600 شخص شكلوا تهديدات مباشرة على أمن المملكة المتحدة، وبحلول 2007، ارتفع الرقم إلى 2000 شخص.
وحاليا، يمثل تنظيم الدولة الإسلامية أكبر تهديد إرهابي يواجه أوروبا بسبب قدرته منقطعة النظير على الإلهام بالهجمات، والحملات الدعائية الإلكترونية الهجومية، وعلاقته بمجموعات المملكة المتحدة مثل “المهاجرون” التي أعلنت الولاء للدولة الإسلامية. هنالك كذلك تهديد من مجموعات اليمين المتطرف، والأفراد اليمينيين في المملكة المتحدة، غالبيتهم من ذوي الارتباطات بمجموعات يمينية في الخارج.
شرعت المملكة المتحدة في تطوير إستراتيجية لمكافحة الإرهاب منذ عام 2003، حملت اسم “كونتست”، وطورتها في أعوام 2006 و2009 و2018. وقد استندت الإستراتيجية على 4 ركائز أساسية؛ الوقاية: منع الناس من التحول إلى إرهابيين وإيقاف دعمهم للإرهاب، والمتابعة: منع الهجمات الإرهابية من الحدوث في المملكة المتحدة والخارج، والحماية: تقوية حماية المملكة المتحدة ضد الهجمات الإرهابية في المملكة والخارج، والإعداد: تخفيف تأثير الهجمات الإرهابية في حال حصولها.
كما شرعت المملكة المتحدة في تطوير قوانين مختلفة بشأن الإرهاب ومواجهة الإرهاب في 2000 و2006 و2008 و2015، وفعّلت عقوبات إضافية على جرائم الإرهاب، واعتمدت قوانين تُعنى بمنع الناس من السفر إلى سوريا والعراق وأماكن النزاع الأخرى، وأيضًا إجراءات لمنعهم من العودة في حال انخراطهم في أنشطة إرهابية في الخارج، ومبادرات لكبح انتشار الأيديولوجية الجهادية.
فرنسا: نزعات تاريخية وإجراءات مكافحة الإرهاب
يرتبط التهديد الجهادي الأكبر في فرنسا بالجهاد الذي نشأ في التسعينيات، حيث تمحورت دوافع الجهاديين حول إجبار فرنسا على تغيير سياستها الخارجية تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة، لا سيما دول شمال إفريقيا. وبدأت الموجة الثانية من الجهاد، الذي ارتبط بشكل عام بتنظيم القاعدة، بمقاتلين فرنسيين ممن عادوا من أفغانستان والبوسنة في الثمانينيات والتسعينيات. عاد العشرات من الأفراد ونفذوا خليطًا من النشاطات الإرهابية الشبيهة بعمل العصابات. كما أدى الغزو الأمريكي للعراق، وما أعقبه من ربيع عربي، إلى تشكيل بؤر جديدة للجهاديين الفرنسيين، الذين تسلموا فيما بعد مناصب عليا في تنظيم الدولة الإسلامية.
ومن جديد، أصبح شمالي وغربي إفريقيا مصدرين إضافيين للقلق في فرنسا. في عام 2013، نشرت فرنسا قوات في مالي لمحاربة المجموعات الجهادية السلفية مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)”، ما أدى إلى نشوب مزيد من التهديدات للمصالح الفرنسية. علاوة على ذلك، تدهور الوضع مرة أخرى في الساحل برغم الجهود الفرنسية لتأسيس قوة إقليمية، بغرض محاربة المجموعات الإرهابية، إذ استهدف الإرهابيون الأصول الفرنسية والغربية بشكل منتظم، مثل المناجم والمصانع والقواعد العسكرية.
ويمكن القول إن الموجة الجهادية الأخيرة ارتبطت بظهور الدولة الإسلامية، التي نفذت هجمات باريس 2015. واستجابة لذلك، أنشأت فرنسا مؤسسات لمكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة بشكل جوهري. وأسست الكثير من وكالات التنسيق على المستويين الإستراتيجي والعملياتي بغرض تخفيف التنافس المؤسساتي وتحسين توقيت الاستجابة الحكومية. كما أجرت فرنسا تحديثات على خطط مكافحة الإرهاب بشكل سنوي ابتداء من 2014، علمًا بأن التحديث الأخير حصل في يوليو 2018.
تحديات ناشئة مشتركة
إن الطبيعة المتطورة للإرهاب تشير إلى أن المملكة المتحدة، وفرنسا، والولايات المتحدة، وغيرها من الدول، ستواجه تحديات متعددة بطرق مختلفة.
أولًا: ستبقى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت أداتين رئيستين في يد الدولة الإسلامية والقاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى لخدمة التطرف والتجنيد وجمع التمويل وغيرها من النشاطات الإرهابية. وبالتالي، هنالك حاجة إلى تعاون أكبر بين الحكومات والشركات الخاصة التي تدير الشبكات الاجتماعية ومنصات التراسل، بغرض مكافحة التطرف العنيف بأشكاله كافة، وإزالة المحتوى الجهادي المتطرف، وترويج حملات رواية مضادة.
ثانيًا: من المتوقع أن تبقى التهديدات الإرهابية من المجموعات السلفية الجهادية، والشبكات، والأفراد، مرتفعة. ولذلك، ستكون الجهود الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية ضرورية جدًا لتخفيف التهديد القادم من 67 مجموعة جهادية وحوالي 230,000 مقاتل سلفي جهادي حول العالم.
ثالثًا: إن التهديد القادم من المجموعات اليمينية واليسارية المتطرفة مرتفع. هذا النوع من الإرهاب منحصر بشكل عام على أبعاد وطنية وإقليمية أكثر من ارتباطه بأبعاد عالمية كما هو الحال مع تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، لا يزال يشكل تهديدات ملموسة على أمن الديمقراطيات بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعًا: من المتوقع استمرار التهديدات المحلية الناشئة عن عودة المقاتلين الأجانب وأسرهم وأولئك الذين ترعرعوا في السجون.
خامسًا: سيبقى التطرف في السجون مشكلة كبيرة لكل من أوروبا والولايات المتحدة. ستظل السجون أرضية خصبة للشبكات الجهادية. لم تفعل الولايات المتحدة بالتحديد الكثير من أجل تقليل التطرف في السجون بشكل منهجي، ولم تبذل جهودًا كافية لتحقيق ابتعاد المفرج عنهم عن العنف. ينبغي على صناع القرار في الولايات المتحدة أن ينظروا عن كثب في البرامج الأوروبية، مثل برنامجي المملكة المتحدة وفرنسا.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا