هاويس سينجر*
أُطلق منتدى الإسلام في فرنسا رسميًا في 5 فبراير 2022 بحضور وزير الداخلية جيرالد دارمانان. حلَّ المنتدى الجديد بديلًا للمجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية (CFCM) الذي أنشئ في عام 2003. وقد كان الأخير في حالة احتضار لسنواتٍ عدة بسبب خلافاتٍ داخلية ترتبط بالمنافسة بين المسؤولين التنفيذيين الوطنيين من الجزائر والمغرب وتركيا.
فرنسا، كدولة علمانية، تواجه مهمة صعبة. فهي ملزمة بقانون الفصل بين الكنيسة والدولة الذي صدر في 9 ديسمبر 1905، الذي ينص على أن السلطات العامة ملزمة بواجب الحياد والتوازن الصارم بين الحرية الفردية والاستقلال التنظيمي للأديان. وعلى هذا النحو، يجب على الدولة الحفاظ على إطار الحوار المستمر بين الممثلين الدينيين من أجل ضمان الحرية، والنظام العام، والسلم المدني.
هذا الإطار تؤكده دائمًا الاتصالات والمراسلات الرسمية لوزارة الداخلية والشؤون الدينية. وفي حين أن فرنسا لا تعترف رسميًا بأي دين، فإن هذا لا يعني أنها ليس لها علاقات مع مختلف الأديان. في الواقع، هي ملتزمة بأن تكون متوازنة ومحايدة تجاه الأديان كافة. ومع ذلك، فعندما يتعلق الأمر بالإسلام، فإن هذا الحياد لم يُراعَ أبدًا بشكلٍ كامل لأسبابٍ تاريخية واجتماعية مختلفة.
توترات تغذِّيها الدولة
تصرفت أقليةٌ من المسلمين في فرنسا بعنفٍ ضد المدنيين في هجماتٍ واغتيالات مختلفة، منذ منتصف التسعينيات. وبالتالي، فقد أُلغيت المحددات التي تنظم معاملة الإسلام والمسلمين في فرنسا بشكلٍ كبير. وفي حين أن الدولة الفرنسية ليست مسؤولة عن إلغاء القيود التنظيمية هذه، فإنها مسؤولة عن التوترات التي خلقتها وغذَّتها بشأن الإسلام. ومن خلال تأطير التطرف الإسلامي باستمرار كقضية أمن عام، فقد جعلت المجتمع يخشى من المسلمين، لدرجة أن شرعيتهم أصبحت موضع تساؤل.
في هذا الصدد، لخص المفكر الإسلامي الفرنسي الجزائري محمد أركون (1928-2010) الوضع الفريد إلى حدٍّ ما للدين الإسلامي في العالم بشكلٍ عام وفي فرنسا بشكلٍ خاص، عندما قال: “الإسلام بروتستانتي لاهوتيًا وكاثوليكي سياسيًا”. وأوضح ذلك بقوله: “الإسلام بروتستانتي بمعنى أنه يسمح لكل مسلم بقراءة النصوص القرآنية، واقتراح فهمٍ وتفسيرٍ للنصوص، لكنه لا يملك القدرة على فرضها سياسيًا”. ويشير إلى أن هذا الأمر يصدق بين السنة أكثر من الشيعة. من ناحيةٍ أخرى، يضيف أركون، الإسلام كاثوليكي سياسيًا لأن السلطة تأتي من القمة إلى القاعدة. “سواء كان الخليفة أو السلطان العثماني أو الأمير (الذي اعتلى العرش في مكان ما في العالم العربي الإسلامي) أو رئيس الجمهورية، ذا الحزب الواحد، فإن السلطة هي بالتأكيد رأسية. فالسلطة لا تستمد شرعيتها من السيادة الشعبية.
نهج لا مركزي
بناء على ما سبق ذكره، تتدخل الدولة الفرنسية أيضًا لأنه لا يوجد هيكل شعبي فريد ومشروع لتجسيد الإسلام أو تمثيله في فرنسا. وفي مواجهة إخفاقات المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية، وحالة الجمود المزمنة، أعربت فرنسا -من خلال رئيس الجمهورية ووزير داخليته- عن رغبتها في “تجديد أساليب الحوار” مع ممثلي الدين الإسلامي.
في العامين 2016 و2017، عُقدت أولى منتديات الحوار الوطني التي ضمت ممثلين مسلمين على المستوى المحلي، ومستوى المقاطعات. وأعقب ذلك اجتماعات إقليمية للإسلام في فرنسا، في السنوات التالية. وقد أطلق منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) لتعزيز نهج أكثر لا مركزية يعكس واقع المسلمين الذين يعيشون في مناطق فرنسية مختلفة.
وفي هذا العام، سلّط المنتدى الضوء على أربع أولويات هي: أداء مكاتب رجال الدين وإدارتها، وإضفاء الطابع المهني على الأئمة وتوظيفهم، والأعمال المعادية للمسلمين، وأمن دور العبادة، وتطبيق القانون لضمان احترام مبادئ الجمهورية.
لم يتضح بعد ما إذا كان هذا النهج سيؤسِّس لعلاقة جديدة، ويبني الثقة بين المسلمين ودولة فرنسا. غير أن الأمل معقود على أن يكون هذا النهج المتعدد الأطراف، الذي يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المحددة للمسلمين في مختلف المناطق، ويتعامل مع الجهات الفاعلة المسلمة المحلية، نموذجًا أفضل من المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية، الذي أثبت قصوره وعدم فعاليته.
* محاضر في العلوم السياسية في ساينس بو ليون ، نائب مدير معهد دراسة الإسلام ومجتمعات العالم الإسلامي (IISMM) باريس