نودين موزي[**]
تتجه المملكةُ المتحدة إلى إقرار قانونٍ جديد يتعلق بالدعاية الإرهابية، بموجب هذا القانون يمكن أن يؤدي مجرد “النقر” على روابط الدعاية الإرهابية، ولو لمرة واحدة، إلى السجن لمدة 15 عامًا. والمستثنون من هذا القانون هم الصحفيون والباحثون الأكاديميون والأشخاص الذين “لا يوجد سببٌ للاعتقاد” بأنهم يريدون الوصول إلى مثل هذه الدعاية في حدِّ ذاتها. وستتم ممارسة السلطة التقديرية في هذا الشأن. ومن المتوقع أن يساعد هذا القانون على مقاضاة المتطرفين في الحالات التي لا يمكن فيها إثبات جرائم أخرى أو لمنع التطرف.
يعود هذا القانون جزئيًّا إلى سياقٍ أشمل، فهناك حالات تحوَّل فيها أشخاصٌ عاديون إلى التطرف ووصلوا إلى درجة التخطيط لتنفيذ هجمات، ومن ضمن أسباب هذا التحول حجم وطبيعة المواد الإرهابية التي يصلون إليها عبر الإنترنت. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، الهجومُ الإرهابي على “جسر لندن”، حيث أثبتتِ التحقيقاتُ تعرُّضَ خورام بات، منفذ الهجمة، إلى العديد من الدعايات الإرهابية على الإنترنت مثل قطع الرؤوس، والتعذيب، وخُطب دعاة الكراهية من الإسلاميين الذين يمجِّدون الجهاد. وفي ظلِّ غياب قانون يُجرِّم حيازة الدعاية الإرهابية، فإن شرطة مكافحة الإرهاب، في بعض الأحيان، قد لا تتمكن من اتخاذ تدابير لوقف هؤلاء.
الأمر الذي يقلقني، بوصفي متخصصًا في مكافحة الإرهاب، أنه إذا لم تتم صياغة هذا القانون، وتطبيقه بدقة شديدة، فإنه يمكن أن يستهدف الأفراد الأكثر ضعفًا الذين هم في أمس الحاجة إلى مساعدتنا. الأهداف المشروعة لهذا القانون هم العقول المدبرة للعمليات الإرهابية، ودعاة الكراهية، والقائمون على عمليات التجنيد الذين ينشرون هذه الأيديولوجيا الدنيئة عبر المنصات الإلكترونية.
وينبغي تدعيم هذه القوانين باستراتيجيات للتدخل المبكر مثل الاستعانة بالأمهات؛ اللاتي يمثلن “دعائم” موثوقًا بها داخل الأسرة وخط الدفاع الأول في مجتمعاتنا المحلية. ومن المفيد تدريبهن على كيفية التعرف على المؤشرات المبكرة للجماعات المتطرفة التي تنشط عبر الإنترنت ومحاولاتها تحويل أطفالهن للتطرف.
يجبُ على الحكومات ألا تكيل بمكيالين عند تطبيق القانون. هذه النقطة أوضحتها دراسة حديثة أجرتها جمعية هنري جاكسون، التي تظهر أن الإسلاميين المدانين بجرائم تخص الدعاية عبر الإنترنت تلقوا أحكامًا بالسجن في المتوسط أطول بثلاث مرات من نظرائهم اليمينيين المتطرفين، الذين عادة ما يُحكم عليهم بما يزيد قليلًا على 24 شهرًا. وقد يُعزى ذلك إلى حقيقةِ أن الحكومة فشلت في حظر جميع الجماعات اليمينية المتطرفة في المملكة المتحدة. ففي الوقت الحالي، هناك منظمات يمينية مثل “العمل الوطني” (National Action) والجماعات التي انبثقت منها، “الفجر الأسكتلندي” (Scottish Dawn) ومنظمة العمل القومي الاشتراكي المناهض للرأسمالية التي تُعرف اختصارًا باسم (NS131)، هي المنظمات النازية الجديدة الوحيدة المحظورة كجماعات إرهابية في المملكة المتحدة. وتستخدم شركات وسائل التواصل الاجتماعي قائمة تضم الجماعات الإرهابية المحظورة لحذف محتوى الدعاية الإرهابية، ولكن هذه القائمة لا تضم كافة الجماعات اليمينية المتطرفة، ما يجعل مراقبة هذا المحتوى الضار أكثر صعوبة.
لقد أصبحت شركات التواصل الاجتماعي بارعة بشكل متزايد في اكتشاف الرموز واللغة الجهادية، لكنها تتقدم ببطء فيما يتعلق باكتشاف المؤشرات المتنوعة التي يستخدمها اليمين المتطرف. من ناحية أخرى، ربما تلقى حجة اليمين المتطرف بأنه يتم التضييق على “حريتهم في التعبير” من خلال عمليات الحذف المحتملة صدى وقبولًا أكثر من ادعاء الإسلاميين بأن حريتهم الدينية تُداس. وعلاوة على ذلك، يبدو أن اليمينيين المتطرفين أكثر مهارة في استخدام اللغة المشفرة للتهرب من اكتشافهم من قبل برامج التحذير أو الإزالة التلقائية التي تستخدمها تلك الشركات.
من المؤكد أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بعملٍ أفضل الآن مما كانت عليه قبل سنوات عدة في إزالة الدعاية الإرهابية. في عام 2014، في ذروة تسيّد الإرهاب للمشهد العام، كانت عرائس داعش ينشرن بشكل متكرر على الإنترنت، ويشاركن حياتهن الفخمة في كنف الخلافة، ويقمن بتحميل مواد دعائية على “فيسبوك” و”إنستجرام” من دون قيودٍ على ما يبدو. الآن، هناك بعض القيود، ولكن دعونا نأخذ حالة شميمة بيجوم الأخيرة كمثال. يبدو أن بيجوم وزميلاتها من عرائس داعش، اللواتي يسكنّ في مخيم الهول للاجئين سيئ السمعة، يتمتعن بسهولة الوصول إلى الإنترنت، بينما لا يزلن متمسكاتٍ بمعتقداتهن المتطرفة. تروي إحداهن، التي تدعي أنها من هولندا، قصتها على “فيسبوك” وتشرح كيف وفَّرت ما يكفي من المال لدفع المال للمهربين لتحريرها من “القمع”. اشتكتِ العديدُ من العرائس والأرامل من ظروف المخيم المروعة، والتمسن التبرعات النقدية، بينما يُذكِّرِن المتابعين بوقتهن ضمن صفوف الجماعة الإرهابية خلال ذروة قوتها. وهناك أخريات ينشرن تعليقاتٍ صادمة على الإنترنت، تظهر دعمهن المستمر للخلافة، ويتعهدن بتربية أطفالهن كمقاتلين جهاديين. وقد واصل عدد من “المؤثرين” في داعش على الإنترنت الترويج لحساباتهم المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبوا من الناس متابعتهم أثناء نشرهم لدعاية داعش. وكان ذلك بعد خمس سنوات من تأسيس الخلافة وبعد انهيار الخلافة نفسها.
مثال آخر على كيفية نشر داعش دعايتها من خلال استخدام تطبيق الفيديو “تيك توك” الذي انتشر بسرعة هائلة، وأصبح يحظى بشعبية لدى المراهقين. وقيل إن أشرطة الفيديو التي تم تحديدها من قبل موقع “Storyful” ونشرتها صحيفة وول ستريت جورنال لأول مرة، قد نشرت من قبل حوالي عشرين حسابًا. تضمنت هذه الفيديوهات لقطاتٍ لمقاتلي الدولة الإسلامية يحملون البنادق، كما تم وضع الأناشيد التي تستخدمها الجماعة كخلفية لبعض المقاطع، فيما جرى تركيب فلاتر “تيك توك” على بعضها الآخر، واحتوت أيضا مقاطع مروعة لجثث يتم نقلها في الشوارع. وقالت الشركة في بيان بعد الكشف عن هذه المعلومات: “لا يوجد مكان على الإطلاق في تيك توك للمحتوى الذي يروج للمنظمات الإرهابية… نحن نحظر بشكل دائم أي حسابات من هذا القبيل، والأجهزة المرتبطة بها بمجرد تحديدها، ونقوم باستمرار بتطوير ضوابط أقوى من أي وقتٍ مضى للكشف عن النشاط المشبوه بشكل استباقي”. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تثير الأخبار التي تفيد بوصول مثل هذه المقاطع على تطبيق تيك توك وانتشارها بهذه الطريقة القلق نظرًا لصغر سن العديد من مستخدمي التطبيق. إذ يوجد لدى التطبيق حاليًا أكثر من أربعة ملايين مستخدم في المملكة المتحدة، معظمهم من المراهقين.
وكما نرى، فإن آلات الدعاية للجماعات المتطرفة سوف تواصل لعبة “القط والفأر” مع مختلف وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات. فبعدما يتم إغلاق إحدى المنصات، سوف “تظهر فجأة” الجماعات المتطرفة على منصة وسائل تواصل اجتماعي أخرى لمواصلة نشر أيديولوجيتها. وإذا كانت الحكومات ستُجرم حيازة المواد الدعائية الإرهابية، هل ستلتزم شركات وسائل التواصل الاجتماعي التزامًا كاملًا بإزالة أي، وكل، أنواع المحتوى المتطرف كافة من الإنترنت، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض هذه الدعاية الإرهابية قد تكون مُحملة على الإنترنت في جزء مختلف من العالم، وبالتالي في ولاية قضائية وقانونية مختلفة، حيث القوانين التي تحظر الدعاية الإرهابية ضعيفة، وفي بعض الحالات غير موجودة؟
إن عدم مناقشة ومعالجة المثالب التي تم إيضاحها في هذا المقال يعني أن هذا القانون سوف يأتي بنتائج عكسية ويدفع الأفراد الأكثر ضعفًا نحو التطرف، بدلًا من توفير بيئةٍ آمنة و”معقمة” حيث يمكنهم مناقشة القضايا التي يشعرون بفضول نحوها مثل الإرهاب وداعش. وإذا لم يتم توفير مثل هذا الفضاء، واضطر الناس إلى البحث عن إجابات لهذه الأسئلة في بيئات غير آمنة، فإنهم سوف يفعلون ذلك، وسوف يستفيد القائمون على عمليات التجنيد في الجماعات الإرهابية من ذلك. وإذا لم تطبق هذه القوانين بشكل موحد وعادل، فإن هذا القانون سيخلق أيضًا استياء داخل المجتمع الإسلامي، ما يقود إلى تصديق رواية الاضطهاد التي يروج لها المتطرفون الإسلاميون.
وأخيرًا، فإن القوانين المتعلقة بالدعاية الإرهابية التي تستهدف الأشخاص الخطأ قد تؤدي إلى تنفير المجتمعات ذاتها التي نحتاج إلى التعامل معها كأصحاب مصلحة رئيسيين في دحر التطرف. هذا المجال يتطلب تعاملًا حساسًا وليس ممارسة القوة الغاشمة ضده فقط. لقد ارتكبت دولٌ مختلفة، في جميع أنحاء العالم، هذا الخطأ مرارًا وتكرارًا، والجماعات المتطرفة تترقب وقوع مثل هذه الأخطاء للاستفادة منها.
*يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
[**] خبير مكافحة الإرهاب