د.دنيس ساموت*
هناك حكمة معروفة في الدبلوماسية مفادها أن البلدان ليس لديها أصدقاء؛ بل مصالح فقط. وقد يبدو سلوك العلاقات الدولية عندما تسعى جميع الدول ببساطة إلى تحقيق مصالحها الذاتية فوضوياً، ومحفوفاً بالمخاطر، وغالباً ما يكون عشوائياً؛ حيث يسود الأقوى على الأضعف.
ويجب على جميع الدول أن توازن بين قوى المنافسة المثالية والواقعية. وفي حين كانت الواقعية لبعض الوقت غير مسايرة للعصر، فقد عادت الآن بسبب التقلب المتزايد في النظام الدولي. ومع ذلك، فيجب الحفاظ على المثالية والواقعية ضمن الحدود، وأفضل طريقة للقيام بذلك من خلال نهج متعدد الأطراف ونظام دولي قائم على القواعد. وعند مناقشة الواقعية في الدبلوماسية، يتبادر إلى الذهن اسم رجلين تفصلهما قرون من الزمن عن بعضهما؛ لكن أفكارهما غالباً ما تكون مترابطة.
إنه نيكولو مكيافيلي، مستشار قادة فلورنسا في نهاية القرن الخامس عشر، وهنري كيسنجر، الأكاديمي والدبلوماسي الأمريكي الذي شغل منصب وزير خارجية ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي في أواخر القرن العشرين. وبينما يحظى كلاهما بثقة البعض، يلعنهما البعض الآخر لتبرير تجاوزات قادتهما، ونشر سياسة واقعية تضع الضرورة قبل الاعتبارات المثالية الأخلاقية. ويعتبر مكيافيلي، سواء كنت تتفق معه أم لا، مفكراً عملاقاً. ولا يمكن وضع كيسنجر في الفئة نفسها، لكن حقيقة أنه قاد دبلوماسية قوة عظمى حديثة في وقت مضطرب في التاريخ، يجعل تفكيره وثيق الصلة بالظروف الحالية.
وبالنسبة إلى العديد من الذين يؤمنون بأن السياسة والقيادة والدبلوماسية بحاجة إلى أن تسترشد ببوصلة أخلاقية، كان مكيافيلي وكيسنجر من الرجال الأشرار الذين تسببوا في الكثير من المعاناة للعالم. ومع ذلك، فقد يكون هذا تبسيطاً مفرطاً؛ لأن نظرة فاحصة على كتاباتهما تظهر أنهما كانا أكثر دقة في تفكيرهما.
مكيافيلي والأمير
عاش نيكولو مكيافيلي في عصر النهضة في أوروبا عندما كانت القارة تخرج من عصورها المظلمة. وكان الهدف من كتابه الأكثر شهرة «الأمير»، هو أن يكون كتيّباً لأمير فلورنسا عندما شرع في أعمال حكم الدولة، وتوجيه سياستها الخارجية، بينما كان حينها حياً مضطرباً إلى حد ما.
وفي الكتاب، بدا أن مكيافيلي يبرر جميع أنواع التجاوزات التي يمكن أن يباشرها الأمير -من العنف إلى الإبادة ومن الخداع إلى الرشوة- أثناء صياغة عبارة “الغاية تبرر الوسيلة”. لكن البعض يختلف، قائلاً إنه حتى العبارة الشهيرة كانت ترجمة خاطئة، وأن مكيافيلي كان في الواقع إنسانياً يرفض الأخلاق المزيفة فقط، والتي بدلاً من تحقيق التقدم والانسجام تم استخدامها لتبرير البؤس والتخلف.
وربما يكون الأمر الأكثرُ صلة بالموضوع هو حقيقة تم إغفالها في بعض الأحيان في دراسة مكيافيلي؛ أنه كان ينشر نظاماً للحكم قائماً على القواعد. وكان ذلك في وقت بدأ فيه الإقطاع إفساحَ المجال لقيام دولة.
وكانت فلورنسا، ومدن أخرى مثلها، تتحول من إقطاعيات إلى دول أميرية حديثة، ولم تكن هذه عملية سهلة ولا بسيطة؛ لا داخلياً ولا في عملية إدارة سياستها الخارجية. وفي هذا السياق برر مكيافيلي تصرفات أميره البغيضة كما كانت، والحاجة إلى إبقاء النهاية في الأفق دائماً.
وعن مكيافيلي، يقول أستاذ جامعة كولومبيا فيليب بوبيت: “لا يزال هناك عدد من الأسئلة المثيرة للجدل حول أبسط وجهات نظر مكيافيلي. هل كان شمولياً صريحاً أم جمهورياً يحترم حقوق الإنسان؟ هل كان من دعاة الإنسانية في عصر النهضة أم كان واقعياً كلاسيكياً جديداً؟”، استنتج بوبيت أنه كان في الأساس دستورياً. لم يكن يدعو إلى سلطة غير محدودة للأمير، بل كان ينصح الأمير بالعمل داخل نظام قائم على القواعد، وعلى أساس نظام من الضوابط والتوازنات.
وهكذا، لم يكن مكيافيلي مدافعاً عن السلطة، ولكنه كان تهديداً للتفكير الراسخ في ذلك الوقت. ولا عجب أن الكنيسة الكاثوليكية -القوة المطلقة في ذلك الوقت في أوروبا- وضعت كتاب «الأمير» على قائمة الكتب المحظورة؛ حيث الفهرس سيئ السمعة المعروف بـ”ليبروروم بروهيبيتيروم”.
هنري كيسنجر.. نظرياً وعملياً
وبالمثل، يدعونا المؤرخ المعاصر نيال فيرغسون، في مقالة في “فورين بوليسي” عام 2015، إلى إلقاء نظرة مرة أخرى على هنري كيسنجر، أستاذ هارفارد الذي تركت ولايته كمستشار للأمن القومي ووزير الخارجية علامة لا تُمحى على السياسة الخارجية الأمريكية، وبالتالي يميل الناس إلى التركيز على أفعاله في المنصب بدلاً من كتاباته على مر السنين. وأثارت تلك الإجراءات خلافات لا تزال محتدمة بعد عقود.
ويصفه المؤرخ أليستير هورن، في كتابه عن أكثر سنوات كيسنجر التي لا تُنسى “1973”، بأنه “الأكثر إثارة للجدل بين جميع موظفي الخدمة العامة في واشنطن”. كما أن إحدى الحلقات التي لا تزال تطارد كيسنجر كانت الانقلاب في تشيلي عام 1973. وتحت قيادته، وعلى ما يبدو بمباركته، تمت إقالة رئيس تشيلي المنتخب ديمقراطياً، سلفادور أليندي، من منصبه في انقلابٍ دموي قُتل خلاله أليندي وهو يحاول الدفاع عن نفسه في قصر لامونيدا في سينتياغو في سبتمبر 1973.
وزير الخارجية هنري كيسنجر والرئيس ريتشارد نيكسون بعد أن أدى كيسنجر اليمين الدستورية بصفته وزير الخارجية السادس والخمسين في البيت الأبيض في 22 سبتمبر 1973- “أسوشييتد برس”
وتركت دراما هذه الحلقة تأثيراً على جيلٍ كامل من الشباب النشطاء الليبراليين واليساريين والطلاب، الذين رأوا كيسنجر كرمز لكل شيء كان سيئاً وشراً في السياسة الخارجية الأمريكية. وحتى يومنا هذا، لا يزال بإمكان هذه اللحظة في لامونيدا إثارة هذا الجيل؛ الذي أصبح الآن في منتصف العمر، وينتمي غالباً إلى الطبقة المتوسطة. كما يوضح هذا جزئياً سبب بقاء كيسنجر شخصية سياسية مثيرة للجدل على الرغم من أنه في التسعينيات من عمره.
ولا يحب كيسنجر الجانب الآخر من الطيف السياسي أيضاً. وأدى إيمانه بالسياسة الواقعية، وبشكل أساسي الحاجة إلى إبقاء أعدائك منقسمين، إلى السعي لانفراجة مع الاتحاد السوفييتي على الرغم من معارضة المتشددين المناهضين للشيوعية. كما أن تدبيره للانفتاح التاريخي لنيكسون على الصين، وهو الموضوع الذي نشهده على نحو متزايد من جديد، لا يزال مثيراً للجدل.
ولكن إلى أي مدى كان كيسنجر مدفوعاً بالواقعية؟ يزعم فيرغسون أن كيسنجر “بعيداً عن كونه مكيافيلياً” كان “مثالياً منذ بداية حياته المهنية”. ويجادل بأن أفضل طريقة لفهم تفكير كيسنجر هي “نقد مبتكر للسياسة الواقعية”. ولتوضيح وجهة نظره فإنه يسلط الضوء على 4 عناصر أساسية؛ هي: “التاريخ هو المفتاح لفهم الخصوم والحلفاء، ويجب على المرء أن يواجه مشكلة التخمين مع مردوداته غير المتكافئة؛ حيث العديد من قرارات السياسة الخارجية هي خيارات بين الشرور، ويجب على القادة الحذر من مخاطر الواقعية الفارغة أخلاقياً”.
ومع ذلك، تشير جميع الأدلة التجريبية إلى أن كيسنجر في منصبه مَارَس بشكل أساسي عقيدة الغاية التي تبرر الوسائل. ومن المفارقات أنه فعل ذلك بطريقة لم يفعلها مكيافيلي نفسه؛ لأنه لم يكن في الواقع في منصبه بعد أن كتب «الأمير». لكن كيسنجر كان يؤمن بشدة أيضاً بـ”النظام الدولي المشروع”، والذي اعتبره هورن ضرورياً للاستقرار، وحتى لسلوك الدبلوماسية نفسها.
أهمية التاريخ
آمن كل من مكيافيلي وكيسنجر بأهمية التاريخ في صياغة سياسة الدولة. ونصح مكيافيلي بشدة بالدراسة المكثفة للماضي؛ خصوصاً في ما يتعلق بتأسيس مدينة (دولة)، حيث شعر أنها كانت مفتاحاً لفهم تطورها لاحقاً. ويستشهد فيرغسون بأطروحة الدكتوراه التي قدمها كيسنجر عام 1957، والتي يقول فيها “إن ذاكرة الدول هي اختبار حقيقة سياستها. كلما كانت التجربة أكثر بدائية، كان التأثير على تفسير الأمة للحاضر في ضوء الماضي أكثر عمقًا”، مضيفًا أن “ما حدث” غالبًا ما يكون أقل أهمية مما يعتقد أنه حدث.
إذن يعبث التاريخ بالواقعية. ففي حين يميل البعض إلى الاعتقاد بأن التاريخ مهم ونحن بحاجة إلى التعلم من دروسه، فإن العديد من الدول وقادتها في الواقع لا يهتمون حقاً بالتعلم من التاريخ؛ بل يهتمون بتسخير التاريخ لدعم السرد الوطني من أجل شرح الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.
وبعيداً عن كون ذلك أداة واقعية، فإنه سيصبح فخاً يحد من قدرة الأمة على العمل، وقدرة القائد على إدارة سياسة خارجية مواتية للمصلحة الوطنية؛ ولكنها تتناقض مع ثقب السرد التاريخي الذي ربما تكون الأمة قد حفرته بنفسها. وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك في الشرق الأوسط والقوقاز وأوروبا.
ولعل إعادة النظر في مكيافيلي وكيسنجر وإعادة تقييمهما أبعد من أن تكون مناقشة أكاديمية بسيطة. فالأفكار والخواطر التي قامت عليها كتاباتهما ذات صلة بشكل خاص بالمرحلة الحالية من السياسة العالمية والعلاقات الدولية، عندما يهدد التنافس بين القوى الكبرى مرة أخرى بالتحول إلى عداء صريح.
حدود القوة الناعمة
لقد شهدنا خلال العقود الأربعة الماضية صعوداً وهبوطاً للقوة الناعمة كأداة في العلاقات الدولية. وقيل إن الدول أو مجموعات الدول؛ مثل الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تظهر القوة ليس فقط من خلال الوسائل العسكرية؛ ولكن أيضاً من خلال “الأدوات الناعمة” مثل الاقتصاد والثقافة واللغة والمساعدات التنموية، وحتى القيم الأكثر إثارة للجدل.
وأعلن أول وزير خارجية لتوني بلير، روبن كوك، أن بريطانيا ستكون لديها “سياسة خارجية أخلاقية”. وبالنسبة إلى دولة أتقنت مفهوم “دبلوماسية الزوارق الحربية”، كان هذا مجرد تصريح. وقد استقال كوك من حكومة بلير قبل حرب الخليج الثانية. وقد سادت الواقعية، لكن الاتحاد الأوروبي أصبح على مر السنين رمزاً للقوة الناعمة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه لفترة طويلة لم تكن لديه قوة صلبة لإبرازها. فلم تكن لديه جيوش دائمة، إلا أن تأييده للقيم، مثل احترام حقوق الإنسان، جعله منارة للكثيرين.
لكن هذا يتغير الآن. ويتأرجح البندول ببطء؛ ولكن بثبات نحو النهج الواقعي. ويجادل البعض بأن النهج المثالي في أوروبا كان هزيمة ذاتية ونفاقاً. وكان لدى أوروبا ما يكفي من مشكلات الحقائب التاريخية والحاضر للتعامل معها قبل أن تبدأ في وعظ الآخرين.
ومن ناحيةٍ أخرى، شعر القادة الأوروبيون بالإحباط؛ لأنه على الرغم من كون الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية عظمى، فإنه كان عليه أن يكافح من أجل الاستماع إليه في العديد من القضايا العالمية. وحتى في جواره المباشر؛ خصوصاً عندما يواجه منافسين حازمين مثل روسيا وتركيا، بدا الاتحاد الأوروبي عاجزاً. إن طموح أورسولا فان ديرلاين في جعل مفوضيتها وثيقة الصلة بالأحداث من الناحية الجغرافية والاستراتيجية هو الاعتراف بحدود القوة الناعمة.
جنون القوة الصلبة
ومع ذلك، فإذا فشلت القوة الناعمة فلا أحد يستطيع أن يؤكد انتصار القوة الصلبة. لقد مرت خمسة وسبعون عاماً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي هذه الفترة كانت هناك لحظة واحدة من السلام الكامل في العالم. وعندما اندلعت جائحة فيروس كورونا، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى وقف عالمي لإطلاق النار أثناء الوباء.
قامت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ بتسوية أكبر خلافاتها.. وبدأت التعاون في إنتاج الفحم والصلب.. وتم تأسيس المجتمع الاقتصادي الأوروبي والمؤسسات المشتركة الأخرى عام 1967- أرشيفية
ولم يتم تجاهل دعوته عالمياً في سوريا وليبيا واليمن وناغورنو ومناطق الصراع الأخرى فقط؛ ولكن يبدو أن الجائحة أطلقت مجموعة جديدة من المواجهات في بحر الصين الجنوبي فوق جبال الهيمالايا وأماكن أخرى، ليستمر الجنون الذي هو الحرب بلا هوادة. وسيجادل الواقعيون بأن هذا يثبت الحاجة إلى القوة والقسوة عند الضرورة في التعامل مع السياسة الخارجية. ولكن هذا الاعتماد على القوة والقسوة هو الذي أدى إلى انحراف العالم من صراع إلى آخر، ومن أزمة إنسانية إلى أخرى. ومع الخوف المستمر من أن أزمة ما قد تخرج عن نطاق السيطرة، لتعيد العالم إلى هاوية الحرب العالمية.
التعددية ونظام دولي قائم على القواعد
يدخل العالم فترة صعبة في العلاقات الدولية مع اندلاع الحرب على مقربة من معظم أصحاب القرار في العالم. وسيجادل البعض في أن هذا ليس وقت الأخلاق الساذجة. ويقول آخرون إن الافتقار إلى الأخلاق في العلاقات الدولية هو سبب المشكلات. وهي حجة عمرها قرون ولن يتم حلها قريباً.
وفي هذه الأثناء، يجب إدارة التحديات الحالية؛ لأن هناك حاجة إلى نهج عملي مستوحى من القيم، ولكن يتم تقديمه بلمسة ثقيلة من الواقعية. حيث تحتاج الدول إلى تعلم كيفية التفاوض، وهذا ليس بالأمر السهل دائماً، لأنه وفقاً لكيسنجر: “التفاوض هو قبول للسلطة المحدودة”. وفي تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدا أن النهج التعددي كان صالحاً. وعلى الرغم من قصورها، حافظت الأمم المتحدة على ما يشبه النظام العالمي. وعندما غزا العراق الكويت، وهدد بمسح الدولة من على الخريطة، تدخل المجتمع الدولي في عرض غير مسبوق للوحدة.
ولكن، بعد خمسة وعشرين عاماً، مزقت روسيا أوكرانيا وضمَّت شبه جزيرة القرم، وكانت الاستجابة العالمية أضعف بكثير. وبالتالي فإن المشكلة مؤسسية وسياسية؛ حيث تعاني المنظمات الدولية أزمة لأسبابٍ متنوعة، بعضها مثل الأمم المتحدة، لم يعد يعكس واقع القوة اليوم. والبعض الآخر مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، يعاني خللاً وظيفياً، حتى لو كانت هناك حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.
من جانب آخر، كان هناك في السنوات الأخيرة عجز في الدعم السياسي للمؤسسات الدولية، ونقص شهية السياسيين والدبلوماسيين لاستثمار الوقت ورأس المال السياسي والموارد لإصلاح ودعم المؤسسات الدولية اللازمة إذا كان لابد من اعتماد نهج متعدد الأطراف.
ولا يمكن للنهج متعدد الأطراف أن ينجح إلا إذا كان النظام الدولي قائماً على قواعد يتبعها القوي والضعيف. وهذا ضروري؛ ليس فقط للحفاظ على السلام العالمي أو لاستعادته في بعض الحالات، ولكن أيضاً لأن التحديات التي تواجه البشرية، من تغير المناخ إلى الأوبئة، تتطلب جهداً مشتركاً في ظل نظام ذي قواعد. حيث تُبقي التعددية والنظام الدولي القائم على القواعد كلاً من الأجندة الأخلاقية والنهج الواقعي ضمن الحدود وترويض وصول المتعصبين على جانبَي النقاش.
وكتب وزير الخارجية البريطاني الأسبق، دوغلاس هيرد، قائلاً: “العالم يركض في حلقة من التناقض؛ فمن ناحية يظل التركيز الأساسي للولاء هو الدولة القومية، ومن ناحية أخرى لا توجد دولة قومية، ولا حتى القوة العظمى الوحيدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، قادرة على توفير الأمن والازدهار والبيئة اللائقة التي يطلبها المواطنون بمفردها”. ولذلك فإن الجدل حول ما إذا كان مكيافيلي وكيسنجر واقعيَّين أم مثاليَّين بعيد كل البعد عن كونهما أكاديميين. إن تفكيرهما وأفعالهما مثيرة للجدل، ويبدوان أحيانًا متناقضَين، لأنهما كانا يحاولان ليس فقط التوفيق بين الواقعية والمثالية في تنفيذ فن الحكم والسياسة الخارجية؛ ولكن أيضاً يحاولان إبقاءهما ضمن الحدود. وهذا هو أيضاً تحدي اليوم.
*مدير مؤسسة لينكس أوروبا، ومعلق منتظم على قضايا الأمن الأوروبي.
مراجع:
«الأمير»، نيكولو مكيافيلي.
هنري كيسنجر، «عالم مستعاد» (1957).
فيليب بوبيت، «ملابس المحكمة والقصر: مكيافيلي والعالم الذي صنعه» (2013).
نيال فيرغسون: «معنى كيسنجر: واقعي أعيد النظر فيه»؛ فورين أفيرز، المجلد 94، العدد 5 سبتمبر/ أكتوبر 2015.
أليستير هورن: «كيسنجر: 1973، العام الحاسم» (2009).