لقي أبو بكر شيكاو، القائد سيئ السمعة لجماعة بوكو حرام في نيجيريا حتفه، بعد أن فجّر حزامًا انتحاريًا هربًا من الوقوع في الأسر في 19 مايو. استحوذ شيكاو، الذي وصفته هيئة الإذاعة البريطانية ذات مرة بأنه “رجل دين ورجل عصابات في آن واحد”، على اهتمام العالم قبل ست سنواتٍ بالضبط من خلال الانتماء إلى تنظيم داعش، وخليفته المزعوم أبو بكر البغدادي1. ومن المفارقات أن داعش، التي انشق عنها شيكاو -أو طُرد منها- في عام 2016 هي التي تسببت في النهاية في مصرعه، بعدما حاصرته، ما دفعه لقتل نفسه بدلًا من أن يقع أسيرًا.
لا شك في أن وفاة شيكاو سوف تثلج قلوب الشعب النيجيري، الذي تحمّل وطأة جنونه لأكثر من عقد من الزمان، ولكنها لن تنهي الفكر المتشدد الذي يجسّده. فلقد استمر تنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن، تمامًا كما استمر تنظيم داعش بعد مقتل أبو بكر البغدادي. وبوكو حرام لن تكون استثناءً.
ولد محمد أبو بكر الشيكاوي في بلدة شيكاو، في ولاية يوبي في شمال شرق نيجيريا، بالقرب من الحدود مع النيجر. وهناك تقارير متضاربة عن تاريخ ميلاده، تتراوح بين عامي 1965 و1975، وإن كانت السلطات الرسمية النيجيرية تؤكد أنه ولد في عام 1973. كان شيكاو عضوًا في مجموعة الكانوري العرقية في أفريقيا، المنتشرة في نيجيريا وليبيا والسودان والكاميرون. نشأ في شوارع مدينته الأصلية، حيث عمل والده إمامًا لمسجد محلي، وقد عمل هو أولًا كطفلٍ متسوّل، ثم كبائع عطور أثناء دراسته على أيدي رجال الدين المحليين2. ثم التحق بكلية بورنو للدراسات القانونية والإسلامية، حيث التقى باثنين من الأصدقاء الطلاب الذين تحولوا إلى جهاديين، وهما محمد يوسف ومامان نور. ثم أسس يوسف جماعة بوكو حرام في عام 2002 بينما كان نور مسؤولًا عن تفجير مقر الأمم المتحدة في العاصمة النيجيرية أبوجا، في أغسطس 32011.
مستلهمًا فكر تنظيم القاعدة وبن لادن، ترك شيكاو الكلية قبل أن ينهي دراسته، وانضم إلى صفوف جماعة بوكو حرام4. وأوضح محمد يوسف أن “بوكو حرام” تعني (التعليم الغربي حرام). وكان الاسم الرسمي للجماعة هو “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”. كان لبوكو حرام هدفان: تطهير الإسلام، والإطاحة بالحكومة النيجيرية، لإقامة دولة إسلامية. وعلى مدى السنوات التسع عشرة الماضية، قتلت الجماعة 30,000 شخص في جميع أنحاء أفريقيا، وشردت 2.3 مليون آخرين، وساهمت في حدوث المجاعة، ونقص الغذاء في القارة5.
الجهادي المعتوه
عُيّن شيكاو نائبًا لقائد بوكو حرام حتى يوليو 2009، بعدما اعتقلت السلطات النيجيرية محمد يوسف وأعدمته حيث خلف شيكاو يوسف على رأس التنظيم الإرهابي، وتزوج من إحدى أرامله الأربع6. صنّفته وزارة الخارجية الأمريكية إرهابيًا في منتصف عام 2012، ورصدت مكافأة قدرها 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود للقبض عليه.
من جهته، وصف شيكاو الأمريكيين بأنهم إرهابيون متعهدًا بمحاربتهم حتى النهاية. ووعد بشنِّ حربٍ عالمية ضد المسيحية، وفي أبريل 2014، استحوذ على اهتمام العالم باختطاف 297 تلميذة قبل أداء امتحاناتهن، مهددًا ببيعهن في سوقٍ للعبيد7. ويحكي مَن أطلق سراحهن بعد ذلك قوله لهم: “أضحك عندما يتهمني الناس بالجنون. أنا لستُ مجنونًا أتصرف بغرابةٍ فقط لأغضب النيجيريين”8.
في عصرِ وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح شيكاو نجمًا، حيث جنّد الأعضاءَ، وتحدث إليهم من خلال مقاطع الفيديو على الإنترنت، تمامًا كما كان يفعل ابن لادن من كهوف أفغانستان. وقد كانت رسالة شيكاو بسيطة وواضحة: “كل ما عليك فعله هو أن تستلَّ سكينًا، وتقتحم منازلهم، وتقتلهم”. ومن المدهش أنه ذكر أبراهام لينكولن ذات مرة في أحد مقاطع الفيديو الخاصة به، ما يكشف أنه رغم كل هذا الجنون المتصوّر، كان قارئًا جيدًا نسبيًا9.
لكن قراءاته لم تمنعه من اختطاف 10,000 تلميذ، وإجبارهم المزيد من تلاميذ المدارس على الخدمة كجنود أطفال، وإصدار تعليمات لهم جميعًا بقتل زملائهم المسيحيين في المدارس، وذبح معلميهم، وحرق مدارسهم10. وكانت المدارس الحكومية هدفًا ثابتًا في موجة المذابح التي ارتكبها، حيث اتهم المدارس بإفساد عقول الشباب بمناهجها “غير الإسلامية”. وأغلقت مئات المدارس أبوابها بسبب جنونه، ما أدى إلى حرمان 15 مليون طفل من التعليم، وفقًا لمنظمة اليونيسيف.
وإلى جانب تدمير الفرص التعليمية لأعدادٍ غفيرة من الطلاب، تشمل “إنجازات” شيكاو العديدة إحراق الكنائس خلال عيد الميلاد، ومهاجمة الحانات المزدحمة والسجون المكتظة، واختطاف قائمة طويلة من الأجانب.
ومثل كل الإرهابيين، كان شيكاو مذعورًا حتى النخاع، حيث أعدم أقرب الأقربين إليه -بمن فيهم مُعلموه- بعدما راودته شكوك بشأن ولائهم. وقد اشتهر عنه أنه وعد بقتل أي زائر يحمل هاتفًا محمولًا، ولم يظهر في الأماكن العامة منذ عام 2010.
لقد ظلَّت سبعة جيوش تطارد شيكاو لسنواتٍ، بما في ذلك الولايات المتحدة، ونيجيريا وتشاد، لكنها لم تتمكن جميعها من اختراق الألغام والخنادق والأنفاق التي تحيط بمخبأه، المسمى “بيت الإمام”، في غابة سامبيسا في شمال شرق نيجيريا. ورغم أن الأمريكيين ادّعوا أنهم حددوا موقعه في عام 2016، لكن الضربات النيجيرية أخطأت هدفها فقتلت عشرة من تلاميذ المدارس المختطفين بدلًا منه.
هذه القدرة على المراوغة أشعلت نظريات المؤامرة، مثل أن أبو بكر شيكاو كان شخصية وهمية، أنشأتها الشبكة الجهادية العالمية لإرباك الاستخبارات النيجيرية.
الانتماء لداعش
كان شهر مارس 2015 لحظةً تاريخية لشيكاو، حددت مجده الجهادي، وزواله في المستقبل. في تلك المرحلة من حياته الجهادية، أعلن ولاءَه لأبي بكرٍ البغدادي، بعد تسعة أشهر من ظهور الأخير على منبر مسجد في الموصل، معلنًا نفسه خليفةً للدولة الإسلامية المزعومة. ثم حصل شيكاو ورجاله على اللقب الفخري من خلال منحهم حق تأسيس فرع داعش الذي عُرف باسم “ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم داعش”.
اعتقد شيكاو أنه سيتلقى المال والأسلحة من البغدادي. ومع ذلك، لم يكن لدى الخليفة المزعوم نيّة لتشتيت جهوده لصالح نيجيريا، وكان منغمسًا في مشروعه الخاص لبناء الدولة في سوريا، ومقرها مدينة الرقة. وبصرف النظر عن الأعلام السوداء والتشدق بالكلام، لم يرسل له البغدادي أي شيء، ما دفع شيكاو لانتقاد داعش بشكلٍ متنام. كان النقد متبادلًا، وتفاقم مع انعدام الثقة، حيث انتقد داعش شيكاو لأنه لم يبذل الكثير لتعزيز قضية التنظيم، على الرغم من منحه حق إنشاء فرع للتنظيم.
انتهى زواج المصلحة بين الجانبين فجأة في أغسطس 2016 عندما “طرد” البغدادي شيكاو من منصبه كأميرٍ لولاية غرب أفريقيا، وحل محله أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس بوكو حرام، محمد يوسف11. وفيما ادّعي شيكاو أنه استقال من ولايةِ غرب أفريقيا، أصرت وسائل إعلام داعش أنه تم تسريحه، واصفة إياه بأنه منبوذٌ ديني، ويُعد من الخوارج. ومنذ ذلك الحين، اندلعت اشتباكات عنيفة بين شيكاو وبرناوي، وقع آخرها في وقتٍ سابق من هذا الشهر، عندما حاصره مقاتلو ولاية غرب أفريقيا في قاعدته، ما دفع شيكاو إلى تفجير سترته الانتحارية.
شككت بعضُ وكالات الاستخبارات في وفاة شيكاو، وهي ليست مخطئة في الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها عن وفاة الزعيم الإرهابي. فلقد أبلغ عن وفاته في أعوام 2009 و2013 و2014 و2016، ما دفع المحلل الأمني ريان كامينجز إلى التعليق على ذلك بقوله: “هل هذه هي وفاته الرابعة أم الخامسة؟ يموت أكثر من بطارية آي فون”12.
في كثيرٍ من الأحيان، بعد ورود تقارير عن وفاته، ظهر شيكاو في مقاطع فيديو على الإنترنت يدحض فيها تلك التقارير، ويسخر من أعدائه، كما حدث في منتصف أغسطس 2015 بعد أن زعم الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي أن شيكاو قد أطيح به وحلَّ محله محمد داود13. ربما حتى الآن يعمل شيكاو على مقطع فيديو آخر من هذا القبيل، على الرغم من أن الأدلة تبدو أقوى هذه المرة على أن مسيرة شيكاو الدموية قد انتهت14.
من سيخلفه؟
اكتسب شيكاو العديد من الأعداء، سواء في صفوف حركته أو خارجها. جميعهم أرادو التخلصَ منه، وكلهم سيتنافسون لأخذ مكانه، عندما تُعلن وفاته رسميًا. ويقف صديقه الذي تحوّل إلى عدوٍّ لدود أبو مصعب البرناوي في صدارة القائمة، ومما لا شك فيه أنه سيكون مدعومًا من خَلَف البغدادي، أبو إبراهيم القريشي. وسيخرج منافسون آخرون من جماعة منشقة عن بوكو حرام تعرف باسم “جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان”، أو من الدائرة الداخلية لشيكاو، خاصة أبو سعد البامبوي، ومحمد سلفي.
_____________________________________
المراجع:
[1] “Nigeria’s Boka Haram leader Abubakar Shekau in profile,” BBC (May 9, 2014): https://www.bbc.com/news/world-africa-18020349
[2] Oduh, Chika. “Mother of Boko Haram leader speaks out,” VOA (June 14, 2018): https://www.voanews.com/africa/voa-interview-mother-boko-haram-leader-speaks-out
[3] “Nigeria’s Boka Haram leader Abubakar Shekau in profile” BBC (May 9, 2014): https://www.bbc.com/news/world-africa-18020349
[4] “Curbing violence in Nigeria: The Boko Haram Insurgency,” International Crisis Group (April 3, 2014): https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/curbing-violence-in-nigeria-II-the-boko-haram-insurgency.pdf
[5] “Nigeria’s Boko Haram kills 49 in suicide bombing,” Associated Press (November 18, 2015): https://web.archive.org/web/20151121020206/http://www.nytimes.com/aponline/2015/11/17/world/africa/ap-af-boko-haram.html
[6] “Nigeria’s Boka Haram leader Abubakar Shekau in profile,” BBC (May 9, 2014): https://www.bbc.com/news/world-africa-18020349
[7] Strochlic, Nina. “Six years ago, Boko Haram kidnapped 276 schoolgirls: Where are they now?” National Geographic (March 2020): https://www.nationalgeographic.com/magazine/article/six-years-ago-boko-haram-kidnapped-276-schoolgirls-where-are-they-now
[8] Hinshaw, Drew & Parkinson, Joe. “Boko Haram leader, responsible for Chibok schoolgirls kidnapping, dies,” The Wall Street Journal (May 21, 2021): https://www.wsj.com/articles/boko-haram-leader-responsible-for-chibok-schoolgirl-kidnappings-dies-11621608392
[9] Urquhart, Conal. “Nigerian kidnapped schoolgirls: ‘Kill the unbelievers!’ says Boko Haram leader Abubakar Shekau,” The Independent (May 13, 2014): https://www.independent.co.uk/news/world/africa/boko-haram-leader-abubakar-shekau-kill-the-unbelievers-9359078.html
[10] Hinshaw, Drew & Parkinson, Joe. “Boko Haram leader, responsible for Chibok schoolgirls kidnapping, dies,” The Wall Street Journal (May 21, 2021): https://www.wsj.com/articles/boko-haram-leader-responsible-for-chibok-schoolgirl-kidnappings-dies-11621608392
[11] “Boko Haram in Nigeria: Abu Musab al-Barnawi named as new leader,” BBC (August 3, 2016): https://www.bbc.com/news/world-africa-36963711
[12] Strange, Hannah. “Boko Haram leader reported killed again, this time by Cameroon’s army,” VICE News (September 22, 2014), https://news.vice.com/article/boko-haram-leader-abubakar-shekau-reported-killed-again-this-time-by-cameroons-army
[13] “Boko Haram has a new leader, states Chadian President,” Africa Times (August 13, 2015): https://africatimes.com/2015/08/13/boko-haram-has-a-new-leader-states-chadian-president/
[14] Hinshaw, Drew & Parkinson, Joe. “Boko Haram leader, responsible for Chibok schoolgirls kidnapping, dies,” The Wall Street Journal (May 21, 2021): https://www.wsj.com/articles/boko-haram-leader-responsible-for-chibok-schoolgirl-kidnappings-dies-11621608392