تعود جذور هذا المفهوم إلى منتصف السبعينيات الميلادية، مع الأبحاث في علم النفس المرضي التي حاولت فهم مشاكل الأطفال والمراهقين خارج نطاق البحث الفردي، والتوسّع في بحثِ الدوافع والمناخات العائلية والمجتمعية التي تؤثر على الصحة النفسية لديهم خصوصًا مع حالات الإجهاد العامة لأفراد المجتمع بسببِ التعرض للتوترات الجماعية كالعنف وحالات الفقد والألم التي تشمل الكوارث الطبيعية، والإرهاب، والركود الاقتصادي.
ومنذ ذلك الوقت، شرعت الدراسات في اقتراح برامج وحلول؛ تشمل تعزيز الموارد النفسية، والاجتماعية، والمادية للشخص، تساهمُ في بناء قدرته على التحمل والتأقلم والعمل بفعالية قصوى، وفق تلك الظروف العسيرة .
مرونة المجتمع تتجاوز حالة قدرة الأسر على حماية أفرادها من الجريمة والمرض؛ لأنها ترتبط بشكل مباشر بقدرة المجتمع على الاستعداد للظروف المضادّة، والاستجابة لها، والتكيف معها، عبر تقاسم المشاكل، وإنتاج حلول بشكل جماعي، والاستعداد للأخطار المتوقعة، والتكيف مع الظروف المتغيرة، والتحمل والتعافي بسرعة من الاضطرابات العامة، وذلك بتعزيز طرائق الوقاية والحماية والتخفيف والاستجابة والانتعاش.
فيما يخص الإرهاب، ومع تطور مفهوم “المرونة المجتمعية” سعتِ العديدُ من الدول الأوروبية إلى تحويله إلى برامج عمل لمنع التطرف والتطرف العنيف، عبر تحديد الجهات الفاعلة المحلية التي تسهم في منع التطرف واحتوائه ومكافحته، وأساليب كيف يمكن تقوية قدرة المجتمع.
وبحسب خبراء برامج “مرونة المجتمع”، لا يمكن فهم على أنه عمل فرديّ محض، بل يجب النظر إليه بشكل أكثر شمولًا لأن تطرفَ الأفراد هو جزء من سلوك غير تعددي وديمقراطي قائم على القناعة بضرورة التغيير الاجتماعي بوسائل عنيفة، ومن هنا يصبح التمييز بين الراديكالية كأيديولوجية، وأعمال التطرف العنيف كسلوك فردي.
الراديكالية تتميز بتأثير استقطابي من شأنه خلق انعدام الأمن في المجتمعات المحلية، كما أنه يخلق المحفزات التي تؤدي إلى تعزيز تورط الأفراد في دوامة العنف والإرهاب، وتؤثر عوامل الشعور بالتهميش وسياسات الهجرة، والحالة الاقتصادية، والصراعات الدولية في تحفيز التطرف وإضفاء الشرعية عليه.
خلال السنوات الفائتة، ازداد الاهتمام في المجتمعات الغربية بمفهوم مرونة المجتمع باعتباره الطريق لحماية المجتمعات الحديثة في حربها ضد التطرف وما يُشكِّلُه من تهديداتٍ معقدة، وذلك بالتركيز على الموارد الاجتماعية المتاحة؛ مثل مؤسسات إنفاذ القانون، والتربية، والإعلام، عبر التأثير المباشر على الجهات الفاعلة؛ كالعائلات، والجمعيات الخيرية، والمجتمعات.
تقوم برامج “مرونة المجتمعات” على خلق رأس مال مشترك للجهات الفاعلة، واستثمار الموارد العامة لصالح للمساهمة في منع واحتواء ومكافحة التطرف، وتأسيس ثقافة الصمود عبر برامج استباقية تتمثل في إعادة تأهيل الشباب المتطرف من خلال العلاج النفسي، برامج التثقيف في السجون للموقوفين على ذمة قضايا إرهابية، وصولًا إلى زيارة مناطق التوتر والقتال، والقيام بدراسات ميدانية، ولقاءات، تحاول فهم تعقيدات الهويّات البديلة للمنخرطين في التنظيمات الإرهابية.
ويعد مفهوم “مرونة المجتمع” وبرامجه التي يزداد الإقبال عليها، والإيمان بها في المجتمعات الغربية جزءًا من إعادة النظر في المسلّمات التي كان ينظر بها إلى ملف التطرف والإرهاب، وموجة جديدة في محاولة إشراك المجتمعات في تفهم الظاهرة، والتعامل معها بمسؤولية.
المصادر:
- مجلس الحكومة البريطانية، دليل مشروع مرونة المجتمع.
- منظمة عالمية، غير ربحية تعزز برامج الابتكار والحفاظ على صحة المجتمع.
- مبادرة الولايات المتحدة لمرونة المجتمع والصحة العامة.
- مؤسسة راند: دليل مفاهيمي لمرونة المجتمع والاستجابة للأحداث العنيفة.
- دليل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لمرونة المجتمع في أفريقيا.