شنّت ولايةُ خراسان التابعة لتنظيم داعش هجومًا انتحاريًا على السفارة الروسية في أفغانستان في الخامس من سبتمبر، أسفر عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم دبلوماسي رفيع المستوى، عرّفته لجنة التحقيق الروسية على أنه السكرتير الثاني ميخائيل شاخ، بالإضافة إلى حارس أمن روسي، وأربعة أفغان.
هذا الهجوم سلّط الضوء على العديد من الديناميات المهمة في أفغانستان التي يحكمها الجهاديون، مع ما يصاحب ذلك من تداعياتٍ جيوسياسية تتجاوز جنوب آسيا.
الهجوم الأخير
في عدد الأسبوع الماضي من صحيفة “النبأ” الأسبوعية التي يصدرها تنظيم داعش، خصصت القصة الرئيسة للعدد لمناقشة الهجوم على السفارة الروسية في كابول. وقد عرّفت صحيفة النبأ المهاجم الذي فجّر نفسه بأنه “وقّاص الوزيرستاني”، الذي قيل إنه تمكّن من التهرّب من الإجراءات الأمنية التي ينفذها نظام طالبان لتنفيذ هذا الهجوم في قلب العاصمة. وأصيب نحو عشرين شخصًا في الهجوم، بحسب النبأ.
جزء كبير من التغطية في النبأ كان هجومًا أيديولوجيًا على طالبان، متهمًا إياها بالانحراف عن الأيديولوجية الجهادية، من خلال محاولة حماية السفارات “الصليبية”، “بحثًا عن “الشرعية” و”الدعم”، و”التسوّل للحصول على الفتات” من الكفار، في حين أن داعش “يستمد شرعيته من القرآن والسنة” وحدهما. وهذه بالمناسبة حملة إعلامية دأب عليها داعش منذ أمدٍ طويل.
منذ قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب القوات من أفغانستان والسماح لوكالة الاستخبارات الباكستانية بإعادة الاستيلاء على الدولة من خلال طالبان والقاعدة في أغسطس 2021، والإطاحة بالحكومة المنتخبة، انخرطت طالبان في جهدٍ متردد للحصول على الاعتراف الدبلوماسي، وإحدى الطرق التي تحاول بها تحقيق ذلك هي الادّعاء بأنها جهة فاعلة في “مكافحة الإرهاب”.
هل تثق في الإرهابيين لمحاربة الإرهابيين؟!
لعل إحدى المشكلات الرئيسة المتعلقة بالاعتقاد بأن طالبان مفيدة في “مكافحة الإرهاب”، على الرغم من حقيقة أنها بحكم تعريفاتٍ كثيرة هي جماعة إرهابية نفسها، هي أن طالبان لا تستطيع قمع ولاية خراسان. فلقد انخرطت طالبان وحليفها تنظيم القاعدة في قتالٍ شرس ضد ولاية خراسان لسنواتٍ عديدة، وعندما كان الناتو في أفغانستان، زوّد الناتو قوات طالبان والقاعدة بدعم عسكري مباشر، وما زالت ولاية خراسان قائمة.
في الواقع، كان انسحابُ تنظيم ولاية خراسان من السيطرة الإقليمية العلنية على شرق أفغانستان عام 2017 قرارًا تكتيكيًا من قبل التنظيم نفسه، الذي انسحب إلى ملاذاتٍ ريفية، وزرع عناصره في جميع أنحاء السجون الأفغانية، حيث كانوا ينشرون التطرف، بينما كانوا ينتظرون اقتحامها خلال غزو طالبان. وكان أحد هؤلاء العناصر في ولاية خراسان هو الانتحاري الذي هاجم مطار كابول الدولي أثناء انسحاب حلف الناتو، الذي أدّى إلى مقتل قرابة 200 شخص.
منذ استيلاء طالبان على السلطة، برزت ولاية خراسان بشكلٍ ملحوظ، من حيث النشاط والانتشار الجغرافي والفتك، كما وثّق تقرير حديث للأمم المتحدة:
لقد كثّفت [ولاية خراسان] من وجودها في شمال وشرق أفغانستان. وتضم في صفوفها مقاتلين من آسيا الوسطى الذين زادوا من أنشطتهم في الشمال. في أبريل 2022، ادّعت [ولاية خراسان] أنها أطلقت صواريخ على طاجيكستان وأوزبكستان… ولا يزال خطر وقوع هجماتٍ مماثلة [على جيران أفغانستان] قائمًا. وتمثلت الأهداف في تقويض مصداقية قوات أمن طالبان، من خلال إظهار عجزها عن السيطرة على الحدود، واجتذاب مجندين جدد من المنطقة.
ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان [ولاية خراسان] استعادة الأراضي المفقودة في شرق أفغانستان. وإذا نجحت في ذلك، فقد يكون من الصعب على طالبان عكس مسار هذه المكاسب. ووفقًا لإحدى الدول الأعضاء، ستصبح [ولاية خراسان] عندئذ في وضع يسمح لها بتطوير قدرة تهديد عالمية من أفغانستان.
يُعتبر حكم طالبان في أفغانستان “نعمة” للإرهابيين الجهاديين من جميع المشارب. ففي المناطق التي تسيطر عليها طالبان، يتمتع تنظيم القاعدة بملاذٍ آمن، كما ثبت من قتل أمير القاعدة أيمن الظواهري في عاصمة طالبان في نهاية شهر يوليو. وفي المناطق التي لا تسيطر عليها طالبان، تزدهر ولاية خراسان، ومن المرجح أن تكتسب مزيدًا من القوة بمرور الوقت، لأن طالبان غير قادرة على كبح جماحها.
روسيا والجماعات الجهادية
التهديد الآخر للأمن الدولي هو العلاقة بين الاتحاد الروسي ونظام طالبان-القاعدة. وهذا ليس بالأمر الجديد. هناك فصول غامضة جدًا من تاريخ القاعدة عندما يتعلق الأمر بالتفاعلات مع أجهزة الاستخبارات الروسية في فترة التسعينيات، وتورّط روسيا مع طالبان يعود إلى الوقت نفسه تقريبًا وهي علاقة معقدة للغاية ومتضاربة. كانت العلاقات أقل تعقيدًا منذ أن أطاح حلف الناتو بطالبان في عام 2001: منذ تلك المرحلة فصاعدًا، دعّمَت روسيا طالبان، وبالتالي القاعدة، ضد الناتو، وقد غدا هذا الأمر أكثر وضوحًا منذ مغادرة الناتو أفغانستان في عام 2021.
من الأهمية بمكان ملاحظة أن روسيا استخدمت الفائدة المفترضة لحركة طالبان في مكافحة تنظيم ولاية خراسان، كغطاء سياسي لدعم الحركة، وهذا أيضًا ليس بالأمر الجديد. ففي أبريل 2017، قال مسؤول عسكري أمريكي كبير لصحيفة “واشنطن بوست” إنَّ “الروس زادوا من إمداداتهم من المعدات والأسلحة الصغيرة إلى طالبان خلال الأشهر الـ 18 الماضية”. وقال المسؤول إن الروس يرسلون أسلحة، بما في ذلك مدافع رشاشة متوسطة وثقيلة، إلى طالبان تحت ستار أن العتاد سيستخدم لمحاربة تنظيم داعش في شرق أفغانستان. لكن المسؤول قال إن الأسلحة كانت تظهر في بعض المقاطعات الجنوبية في أفغانستان، بما في ذلك هلمند وقندهار، وهما منطقتان لا يوجد فيهما سوى عدد قليل من عناصر داعش.
ووردت تقارير في يونيو 2020 عن أن الروس، إلى جانب إمداداتهم العامة من العتاد لطالبان لقتل قوات حلف الناتو والمسؤولين الحكوميين الأفغان وقوات الأمن، كانوا يقدمون مكافآت لاغتيال الأمريكيين.
وقبل وقتٍ قصير من عودة طالبان إلى السلطة، دعيت الحركة إلى موسكو -في إشارة إلى دعم الحكومة الروسية لحملة طالبان المستمرة آنذاك للاستيلاء على كابول- وبعد ذلك بوقتٍ قصير كان هناك المزيد من الاتصالات الدبلوماسية العلنية، التي تكثّفت هذا العام في ظلِّ سعي موسكو إلى البحث عن حلفاء لكسر عزلتها بعد غزو أوكرانيا. (إلى جانب أفغانستان التي يسيطر عليه الجهاديون، تشمل قائمة حلفاء روسيا المتبقين ما يلي: بيلاروسيا (التي ضمتها روسيا تقريبًا) وسوريا بشار الأسد (شبه مستعمرة لروسيا)، فضلًا على الدول المارقة من الديكتاتوريات العدوانية، مثل (الصين وإيران وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية).
ومن الأهمية بمكان ألا يصرف المجتمع الدولي انتباهه بعيدًا عن أنشطة روسيا في أفغانستان، وألا يسمح باستخدام الحكومة الجهادية في تلك الدولة لاستعادة نفوذه السياسي والاقتصادي.