كانت تونس ذاتَ يوم مركزًا للإمبراطورية القرطاجية، وقد نجح زعيمها العظيم حنبعل في الوصول إلى أوروبا، بل وصل إلى روما. وفي حين لا تمثل تونس في شكلها الحديث الحجم نفسه من التحدي لأمن أوروبا واستقرارها، لكن الواقع أن أهميتها كثيرًا ما تُغفل في التعليقات والتحليلات.
في أعقاب قرار الرئيس قيس سعيّد، في أواخر يوليو، حل “العقدة الغوردية” للخلل الوظيفي الذي تعاني منه تونس، وإعادة ضبط النظام السياسي من خلال إقالة الحكومة التي يهيمن عليها حزب النهضة؛ فصيل الإخوان المسلمين المحلي، كانت هناك مخاوف من أن يؤجج الإسلامويون الاضطرابات.
الجدير بالذكر أن تونس تقع على مسافة أقل من 400 ميل من أوروبا، وتحديدًا صقلية، عبر البحر الأبيض المتوسط، وهي طريق هجرة رئيس من إفريقيا والشرق الأوسط. وقبل عام، شهدت إيطاليا موجة من الهجرة من شمال إفريقيا، حيث جاء ما يقرب من 40% منهم من ليبيا التي مزقتها الحرب، و40% من تونس. ومن بين القادمين من تونس، كان ثلثهم فقط من المواطنين التونسيين.
تدفقات المهاجرين لا تخلق مشكلات للمتجرين بالبشر فحسب، الذين يستغلون الأشخاص الذين يحاولون القيام بهذه الرحلات، ويسيئون معاملتهم، ولكن ضمن تيارات الناس الذين يقومون بهذه التحركات، فهي توفِّر غطاءً للمجرمين والنشاط الإجرامي مثل تهريب المخدرات والإرهابيين.
تجدر الإشارة إلى أن تونس كانت واحدة من أكبر الدول المساهمة في صفوف تنظيم داعش لأسبابٍ معقدة، وكانت هجمات داعش في تونس من أكثر الهجمات فظاعة في ذروة “الخلافة”. وعلى الرغم من أن نشاط داعش في تونس قد تضاءل منذ فترة الذروة في الفترة من 2014 إلى 2016، فإن داعش يحتفظ بمخابئ في الجبال والمناطق الأخرى التي تكون فيها سيطرة الدولة ضعيفة.
علاوة على ذلك، ما تزال الهجمات مستمرة، ما يدل على أن لدى داعش شبكات وخلايا حتى في المدن التونسية. ومن شأن شيوع عدم الاستقرار في البلاد الناجم عن الانهيار السياسي، لا سيّما إذا أدّى إلى نزوحٍ كبير إلى الشمال عبر البحر الأبيض المتوسط، أن يوفر لداعش فرصًا قوية للتسلل إلى أوروبا.
لسوء الحظ فإن المشكلة الحالية في تونس تأتي في وقتٍ يتضاعف فيه الخطر بسبب انهيار أفغانستان، حيثُ تدفُّق اللاجئين قد بدأ بالفعل عبر إيران وتركيا إلى أوروبا. وحتى من دون التهديد الإرهابي، فإن حدوث “أزمة مهاجرين” جديدة، كما شوهدت في عام 2015، من شأنها أن تتسبب في تطرف الرأي العام الأوروبي، وتضر بتعددية القارة، ما يمنح فرصًا للجهات الفاعلة الخبيثة التي تبحث عن قضية مشتركة مع القوى القومية المتشددة.
إذن، فالمخاطر التي تواجه أوروبا في تونس كبيرة.
وعلى الرغم من محاولة حزب النهضة وحلفائه تصوير القرارات التي اتخذها الرئيس سعيّد على أنها “انقلاب”، فإن رد فعل الاتحاد الأوروبي على حلِّ قرار الحكومة كان حذرًا بشكل معقول. لقد أدركت بروكسل أهمية الاستقرار التونسي لأمن أوروبا نفسها، والدور الذي لعبته حركة النهضة في وضع الدولة على حافة الكارثة منذ ثورة 2011.
وقد كوفئ الاتحاد الأوروبي على حذره هذا. فلقد استطاع الصحفيون وعناصر المجتمع المدني الأخرى التي دعّمت عزل حزب النهضة أن يتحدوا معًا، بعد حرمانهم في السابق من التشجيع الخارجي، وفشلت محاولة الإسلامويين لإذكاء نار الاضطرابات. وفي الواقع، اضطرت حركة النهضة إلى قبول الواقع السياسي، والانضمام إلى التيار الرئيس للمجتمع التونسي في النظر إلى ما حدث على أنه فرصة للتجديد الديمقراطي.
وإذا نجحت إعادة ضبط العملية الديمقراطية، فإنها ستمنح التونسيين الحرية والازدهار اللذين انتفضوا من أجلهما قبل عقدٍ من الزمن. وبما أن الوصول إلى هذه المحصلة أمر حيوي للأمن الغربي أيضًا، يُؤمل أن يراقبَ الاتحاد الأوروبي التطوراتِ عن كثبٍ.