في الآونة الأخيرة، نشر “ديس إنفو لاب”، مختبر أوروبي لمراقبة المعلومات الكاذبة، مواد استخباراتية مفتوحة المصدر، قيّمة للغاية، حول حملات جماعة الإخوان المسلمين ضد الهند، واستغلالها لكشمير، والقضايا المعقدة المتعلقة بالمنطقة.
في عام 2021، شنَّتِ الشبكات التابعة لجماعة الإخوان حملة مقاطعة ضد الهند، استهدفت في الوقت نفسه المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا، الدول الرئيسة التي اتخذت موقفًا ضد جماعة الإخوان المسلمين. وكانت الحملة على الأرجح مدعومةً بما تسمَّى كتائب الذباب الإلكتروني التركي والباكستاني.
وفقًا للمنظمة الأوروبية، “ديس إنفو لاب” (Disinfolab)، لم تكن تلك دعاية عادية، حيث وظّفت جبهات الإخوان المسلمين العديدَ من وكالات الإعلام الإخبارية لهذا الغرض، بما في ذلك قناة الجزيرة.
في أواخر سبتمبر 2021، تصدّر هاشتاج مقاطعة-المنتجات-الهندية تويتر في أجزاء من العالم العربي، معظمها في مصر والعراق، داعيًا إلى مقاطعة المنتجات الهندية. وقاد الحملة أشخاص موالون للإخوان وتركيا، وانضم إليها فيما بعد أشخاص من باكستان. تعود أصول الحملة إلى عام 2018، لكنها حققت في السنوات القليلة الماضية نجاحات لم يسبق لها مثيل.
وبحسبِ التقرير، شارك في الحملة شخصياتٌ بارزة في جماعة الإخوان المسلمين؛ مثل محمد الصغير، وسامي كمال الدين، وصحفيا الجزيرة ياسر أبو هلالة، وأحمد موفق زيدان. وكما هو الحال مع أية دعاية منظمة، بدأت الحملة أولًا من قبل عددٍ من المؤثرين، ثم أعطتها وسائلُ الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المسلمين زخمًا، وأخيرًا عمل الذبابُ الإلكتروني على تضخيمها. غير أن معظم مقاطع الفيديو/ الملصقات المستخدمة قد فضحت مؤخرًا من قبل العديد من أبرز مدققي الحقائق في الهند.
وشملت وسائل الإعلام المشاركة في هذه الحملة الدعائية قناة الجزيرة، وقناة “تي آر تي” الحكومية التركية، وشبكة “رصد”، وعربي21، ووطن يغرد خارج السرب، وقناة العربي. بعض هذه القنوات مألوفة، لأنها كانت على قائمة وسائل الإعلام التي طالبت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى قطر بإغلاقها في عام 2017.
ووفقًا لتقرير “ديس إنفو لاب”، فإن هذه الأحداث هي جزء من مخطط أكبر، يهدف لخلق مساحة أوسع للصراع. نجحت جماعة الإخوان المسلمين في إدارة “صناعة” الصراع في فلسطين لأكثر من عقد من الزمان. وهي تتطلع الآن إلى نقل هذه الصناعة إلى موقع جديد. وإحدى الأدوات الرئيسة لصنع صناعة صراع قابلة للاستمرار هي ما بات يعرف باسم “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”.
إن الروايات التي بنيت في الهند في السنوات القليلة الماضية تشبه إلى حد كبير الحملة السابقة، حيث تشكّل المصطلحات المستخدمة ضد إسرائيل- “الإسلاموفوبيا” و”الفاشية” و”الإبادة الجماعية”- ركائزها. ومن ثم يسعى هذا التقرير إلى إماطة اللثام عن الجبهات المختلفة لجماعة الإخوان المسلمين التي جرى توظيفها بالفعل في هذا المسرح الجديد.
في معرض تناوله للمفهوم المعقد لصناعة الصراع، يوضح التقرير أن الصراعات الجيواستراتيجية، حيث تختطف القوى الخارجية (الناشطون) الأصوات الرئيسة، بدلًا من أصحاب المصلحة الرئيسيين، تميل إلى خلق طبقة من المصالح، لا تكمن مصالحها في حل الصراع بل في إطالة أمده، ما يخلق ما يُطلق عليه “صناعة الصراع”.
السمات الجوهرية لهذه الصناعة هي أنها تشمل دولًا وديانات وأعراقًا مختلفة. لذلك، يمكن أن تكون فلسطين أو كشمير أو الروهينجيا أو الأويغور مفيدة لصناعة الصراع ولكن ليس الأكراد أو البلوش. صناعة الصراع تحتاج إلى “الآخر” لتكون فعّالة. ولعل أهم سمة هي أن معظم الوجوه والمنظمات الناقدة لا علاقة لها عمومًا بحالة الصراع، ولا تكون لها تجارب مباشرة، ومع ذلك فهي من تصنع الضجة في المقام الأول.
لقد كانت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إحدى هذه الحملات، التي استغلتها جماعة الإخوان المسلمين، لإدارة صناعة الصراع. وهي تدور حول حملات هجينة مصممة بعناية يشارك فيها نشطاء إعلاميون ونشطاء على الأرض، على الرغم من أن الدعاية لا تزال العامل الرئيس. وكلما زادت الدعاية للصراع، كلما زاد احتمال جمع الأموال باسمه.
صممت حملة حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بشكلٍ يتناسب مع جمهورها. ومن ثم، عندما تُدار في العالم الغربي تُقدم تحت اسم حقوق الإنسان والإبادة الجماعية، وعندما تُدار بين المجتمعات المسلمة، تُقدم في شكل قضية إسلامية.
فيما يتعلق بكشمير، من المهم ملاحظة أن حملة المقاطعة شكلت تطورًا كبيرًا عن أساليب جمع الأموال التقليدية التي تستخدمها الجماعة الإسلامية والفصائل المماثلة، التي تعتمد بالأساس على التبرعات الدينية.
وفي حين أن جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية تنسقان أنشطتهما في الولايات المتحدة وأوروبا منذ فترة، إلا أن مسرح جنوب آسيا حتى الآن تُرك للجماعة الإسلامية للتعامل معه. وقد شوهد أول دخول علني لجماعة الإخوان المسلمين في جنوب آسيا في العام الماضي، مع نشر روايات المقاطعة. والجدير بالذكر أن جماعة الإخوان المسلمين ترعى بعض الجماعات السياسية والمدنية في الهند منذ فترة، لكنها حرصت في البداية على عدم لفتِ الأنظار.
وبالمقارنةِ مع الجماعة الإسلامية، تتمتع جماعة الإخوان بخبرةٍ أفضل في إدارة حملات على غرار حركة المقاطعة. وقد شهد هذا التحول لأول مرة خلال حملة المقاطعة التي شنت ضد الهند، التي قادتها جماعةُ الإخوان، ووسائل الإعلام التابعة لها.
من القضايا الحاسمة التي تناولها التقرير ما يسمَّى بـ “محكمة راسل بشأن كشمير”، التي عقدت في الفترة من 17 إلى 19 ديسمبر 2021، في سراييفو، البوسنة. وقد شُكِّلت المحكمة على غرار “المحكمة الدولية لجرائم الحرب” الشهيرة أو “محكمة راسل“، التي أُنشئت في عام 1966 بدعوى دراسةِ سلوك الولايات المتحدة وحلفائها في حرب فيتنام. سميت “المحكمة” على اسم الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وقد شهدت هذه اللجنةُ الخاصة المؤلَّفة من مفكرين وفلاسفة وعلماء وسياسيين وكتَّاب ومحامين بارزين، جلساتِ الاستماع إلى الأدلة المتعلقة بجهود الولايات المتحدة لمنع استيلاء الشيوعيين على فيتنام، قبل إعلان الولايات المتحدة مذنبة بـ “الإبادة الجماعية”.
وقد نظِّمت “محكمة” كشمير، التي جاءت كنموذجٍ لهذا الحدث الدعائي، من قبل منظمة “كشمير سيفيتاس”، إلى جانب المنتدى العالمي للتوعية بكشمير، والمحكمة الشعبية الدائمة لبولونيا إيطاليا، ومركز التعليم والبحوث في سراييفو، ومركز الدراسات المتقدمة في سراييفو، والجامعة الدولية في سراييفو، وقناة الجزيرة-البلقان.
وكانت الجامعة الدولية في سراييفو أول منظمة تنشر عن محكمةِ راسل بشأن كشمير على موقعها الإلكتروني، إلى جانب قائمة الضيوف والشركاء. ومن المثيرِ للاهتمام، قبل استضافة هذا الحدث، أن الجامعة لم تتحدث من قبل أبدًا عن مواضيع تتعلق بكشمير. وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة الدولية في سراييفو هي جامعة خاصة أسستها “مؤسسة تطوير التعليم في سراييفو” في عام 2003، وافتتحت في العام الدراسي 2004/2005. ويقع مقر الجامعة في البوسنة.
تحظى الجامعة الدولية في سراييفو بدعم حزب العدالة والتنمية التركي. رئيس الجامعة هي البروفيسورة سيفجي كورتولموش، أستاذة الاقتصاد في جامعة أنقرة. سيفجي هي زوجة نائب رئيس الوزراء التركي السابق نعمان كورتولموش (بين عامي 2014 و2017) الزعيم الحالي لحزب العدالة والتنمية. والمنظمة التي أسست الجامعة هي “مؤسسة تطوير التعليم في سراييفو”، التي أسسها مجموعة من رجال الأعمال الأتراك. علاوة على ذلك، فإن العديد من المنظمات المكوِّنة لمؤسسة تطوير التعليم في سراييفو هي منظمات تركية، وتسيطر على المؤسسة عائلةُ أردوغان.
من بين تلك المنظمات التركية “مؤسسة نشر العلم” (Ilim Yayma Vakfi)، مؤسسة مقرها اسطنبول أسسها أردوغان في 31 مارس 1973. في الوقت الحالي، يشغل ابنه، نجم الدين بلال أردوغان، رئاسة المؤسسة، ويحل ضيفًا متحدثًا في الجامعة الدولية في سراييفو.
قناة الجزيرة البلقان، إحدى قنوات شبكة الجزيرة، ليست استثناءً في الترويج للدعاية الإخوانية، وتوفر منصة لـ “النجوم” المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين. وبالتالي، فليس من المستغرب أن الجزيرة البلقان واحدة من المنظمات الشريكة التي تقف وراء محكمة راسل بشأن كشمير.
التقرير غنيٌّ بالمعلومات، ويتتبع الروابط المتعددة بين الحملة، ومحكمة كشمير، والعديد من شخصيات الإخوان المسلمين، بمن فيهم القضاة والحضور البارزون. وعلى الرغم من أن تغطية التقرير مؤيدة للهند، بشكلٍ واضح، فإن المعلومات الاستخباراتية التي يعرضها تمثل مساهمةً مهمة في كيفية استغلال قوى الإسلام السياسي لقضية كشمير.