بين يدينا كتاب قامت بتحريره الدكتورة إليسا أوروفينو، المشرفة الأكاديمية لبرنامج التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأمنية للمناطق الشرقية (PIER) في جامعة أنجليا روسكين، الكتاب جديج وشامل ويأتي في توقيت ملائم جدا حيث يناقش واحدة من أكثر القضايا التي يساء فهمها وتبسيطها على نطاق واسع في هذا الحقل: العلاقة بين الإسلاموية والعنف الجهادي.
منذ عام 2014، ركزت أبحاث المؤلفة على التطرف غير العنيف ودوره المزعوم “كحزام ناقل” للإرهاب. وقد أجرت بحثًا مباشرًا حول هذا الموضوع، قدمت فيه حزب التحرير، الجماعة الإسلاموية غير العنيفة ولكن المتطرفة، كدراسة حالة. لسنوات عدة، ارتبطت الإسلاموية بالجهادية والتطرف العنيف في كل من الأوساط الأكاديمية والمناقشات السياسية المعاصرة. في كثير من الحالات، يميل هذا الربط إلى الذهاب بعيدًا، حيث ينتهي الأمر بالباحثين وعامة الناس إلى التغاضي عن حقيقة أن الإسلاموية أيديولوجية معقدة قائمة بذاتها، تلهم الجماعات غير العنيفة والعنيفة في جميع أنحاء العالم.
الجدير بالذكر أن الإسلاموية ظهرت كأيديولوجية احتجاج من أجل العدالة تطالب بالحرية ضد الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، وقد حرّكت الأفراد والجماعات في جميع أنحاء العالم منذ أوائل القرن العشرين. لكن التعامل مع الإسلاموية الجهادية بشكل منهجي بدأ بالتزامن مع هجمات 11 سبتمبر، وهو اتجاه بسّط تدريجيًا الطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه لهذه (المجموعة) من الأيديولوجيات.
إعادة تركيز البحوث
يهدف كتاب “إعادة النظر في الإسلاموية ما وراء العنف الجهادي” إلى إعادة تركيز البحوث حول الإسلاموية خارج الجهادية من خلال جمع المساهمات ذات الصلة حول المنظمات الإسلاموية ولكن غير العنيفة. يتتبع الكتاب تطوّر الإسلاموية بمرور الوقت ويدقق في الدور الذي تؤديه المنظمات الإسلاموية غير “الجهادية” الأكثر نفوذًا النشطة اليوم كجهات فاعلة قوية غير حكومية.
تقدم الدكتورة أوروفينو، في غير موضع من الكتاب، تفسيرات شاملة لمفهوم الإسلاموية. يشير مصطلح “إسلاموي” اليوم إلى كل من المنظمات والأفراد الذين يقدمون مجموعة محددة جيدًا من الأفكار التي تنطوي على رفض الحداثة والقيم الغربية والرأسمالية وفضح فساد القادة. يدعو الإسلامويون إلى إحياء الإسلام في جميع المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية)، مشددين على ضرورة العودة إلى جذور الدين.
عادة ما يكون للإسلامويين رأي قاسٍ للغاية حول الغرب كنظام سائد متجانس له قيم وممارسات دينية محددة- وغالبًا ما تكون غير دينية- تتناقض بشدة مع الإسلام (مثل الإجهاض واستخدام الكحول والعلاقات الجنسية المثلانية)، وبالتالي، يجب رفضها باعتبارها محرمة. من الواضح أن الكتاب يعترف بالروابط القوية بين الإسلاموية والجهادية ويعالجها كعوالم متشابكة بعمق. ومع ذلك، فإنه يوضح في الوقت نفسه الإسلاموية والجهادية كمفهومين مختلفين.
من خلال تقديم مجموعة واسعة من وجهات النظر الدقيقة والمتغايرة، تحلل الفصول المختلفة- والكتاب ككل- السمات الدينية والتاريخية للإسلاموية غير العنيفة، متحدية المفاهيم الخاطئة الشائعة التي تضعها دائمًا على مقربة شديدة من العنف الجهادي. وتجعل الأصول والخلفيات المتنوعة للمساهمين الكتاب ماتعًا وشائقًا وجديرًا بالقراءة.
الجوانب الحاسمة للإسلاموية
كما يشير الدكتور لورنزو فيدينو في مقدمته للكتاب، فإن فصول عدة تركز على عدد من الجوانب النظرية الحاسمة للإسلاموية، بدءًا من كيف يمكن اعتبارها ثقافة مضادة غربية إلى كيفية رؤية المثقفين الإسلامويين أنفسهم للحركة. وتقدم فصول أخرى نظرة متعمقة على كيفية عمل الإسلامويين في دول متباينة مثل طاجيكستان وإسبانيا وإيران والمملكة المتحدة.
من المرجح أن يخرج القارئ، بما في ذلك أولئك الذين لديهم خلفية عن هذا الموضوع، بمزيد من الوضوح حول ماهية الإسلاموية ولكن أيضًا مع قدرٍ من “الارتباك الصحّي” حول السمات المتطورة باستمرار للحركة، وهذا هو السبب في أن الكتاب من المرجح أن يصبح موردًا أساسيًا في هذا المجال وخارجه.
فيما يتعلق ببنية الكتاب، فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام و16 فصلًا، حيث يتناول كل قسم هدفًا محددًا. القسم الأول، استكشاف الإسلاموية، مكرّس لتصور الإسلاموية عبر الزمان والمكان ويتألف من فصلين: الفصل الأول: مناقشة الإسلاموية كتعبير عن الإسلام السياسي للدكتور ميلاد دوخانشي والفصل الثاني: الإسلاموية وبناء نظام اجتماعي عالمي جديد بقلم جان أ. علي.
الفصول الأربعة في القسم الثاني تستكشف دور الإسلاموية كشكل من أشكال المقاومة غير العنيفة. الفصل الثالث يأتي بعنوان أسطورة الجهادية: صعود الإسلام السلفي في إيران، كتبه أغيل دغاغله. الفصل الرابع: دور الاحتلال البريطاني لمصر في إحياء وتطور الحركة الإسلاموية، تأليف الدكتورة فاطمة زهرة. الفصل الخامس: سياسة التمثيل: صعود الديمقراطيين المسلمين في سريلانكا كمقاومة غير عنيفة للصراع العرقي، بقلم الدكتور أمجد محمد سليم. الفصل السادس: المقاربات الألمانية للإخوان المسلمين بين السياسة الداخلية والخارجية، بقلم الدكتور يوليوس ديستلهوف.
يتناول هذا القسم على نحو مقنعٍ دور الإسلاموية كأيديولوجية توحِّد المسلمين في جميع أنحاء العالم من أجل محاربة الظالم، وكيف عملت الإسلاموية، من مصر إلى سريلانكا والهند، كمحفّز قوي للعمل الإسلامي المنظم ومن ثم ظهور الجماعات الإسلاموية.
الجماعات الإسلاموية غير العنيفة
يقدم القسم الثالث، “الجماعات الإسلاموية غير العنيفة كفاعلين”، دراسات حول مجموعة متنوعة من المجموعات، بما في ذلك الإسلامويون التقدميون في تونس، والحركة الإسلاموية في إسبانيا، والحركة النسوية الإسلامية العابرة للحدود.
يستكشف هذا القسم مختلف الجهات الفاعلة الإسلاموية الجماعية في جميع أنحاء العالم مع التركيز في الوقت نفسه على الاختلافات والخصوصيات الوطنية. ويحوي خمسة فصول متنوعة: الفصل السابع “الإسلامويون التقدميون” في تونس: الدعوة إلى التنوير ضد الجهاد، بدر الكركبي؛ الفصل الثامن: تعميم الإسلاموية في باكستان، الدكتور تشارلز م. رمزي؛ الفصل التاسع: الإسلاموية في إسبانيا: الخط غير الواضح بين الاعتدال والتطرف، سيرجيو كاستانو ريانيو؛ الفصل العاشر: الحركات النسوية الإسلامية المعاصرة عبر الوطنية: السعي إلى المساواة من خلال الإسلام، دانيال رويدا؛ والفصل الحادي عشر: مأساة الإسلاموية في بريطانيا: تقديس السياسة. قضية حزب التحرير، الدكتورة دانيلا جينوفيز.
“الحزام الناقل” للجهاد العنيف
القسم الأخير في الكتاب يأتي بعنوان “مناقشات حول دور الجماعات الإسلامية غير العنيفة كحزام ناقل للجهاد العنيف”، يتناول بعمق النقاش المعقد والساخن حول هذا الدور. وفي حين أن الاستنتاج يبدوا بسيطًا، ولكن إذا ما استوعب بالكامل من قبل المشاركين في مكافحة التطرف العنيف ومنعه، فمن المرجح أن يسهم في إحداث نقلة نوعية في كيفية التعامل مع التطرف الديني: أولئك الذين ينضمون إلى الحركات الجهادية العنيفة لديهم عقلية إسلاموية، لكن غالبية الأشخاص الذين لديهم عقلية إسلاموية لن ينخرطوا أبدًا في أعمال عنف.
ومع ذلك، لا يمكننا أن تجاهل حقيقة أن الأمور تصبح أكثر تعقيدًا وضبابية عندما يتعلق الأمر برسم حدود واضحة، في الحياة الواقعية، بين الأعمال العنيفة وغير العنيفة. على سبيل المثال، أليست الدعوة إلى العنف عملًا (عنيفا) بحد ذاته؟ هذا النقاش لم يحسم بعد.
الفصول المدرجة في القسم الرابع هي: الفصل الثاني عشر: الإصلاح مقابل الجهاد/التكفير: مسارات متقاربة أم متباينة داخل جماعة الإخوان المسلمين المبكرة؟، بقلم دكتور بانوس كورجيوتيس. الفصل الثالث عشر: حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، الدكتور جوناثان ك. زارتمان. الفصل الرابع عشر: الحدود المتميزة للدين والسياسة في الخطابات الإسلاموية الحديثة، بقلم د. أحمد ميلود. الفصل الخامس عشر: الإخوان المسلمون المصريون من سيد قطب إلى 2013: الاستمرارية والتصدعات، بقلم د. سارة تونسي. أما الفصل السادس عشر فيأتي بعنوان إعادة النظر في أهمية الدين في التطرف العنيف المعاصر، بقلم سارة نايت ولويز بارتون.