أجرت “عين أوروبية على التطرف” مقابلةً مع جاكوب زين؛ أستاذ مساعد في دورة الدراسات العليا “الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية في السياسة العالمية”، التي تقدم ضمن برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، وباحث في الشؤون الإفريقية والأوروبية الآسيوية في مؤسسة جيمستاون في واشنطن العاصمة.
قام زين بعملٍ ميداني واسع النطاق في نيجيريا، والدول المحيطة بها، ما ساعده على الخروج بتصورٍ واضح للهيكل التنظيمي لبوكو حرام. كما أنه يكتب بانتظام في المجلات العلمية، وأحدث كتبه هو «كشف النقاب عن بوكو حرام: استكشاف الجهاد العالمي في نيجيريا».
وفي وقتٍ سابق من هذا العام، نشر زين تقريرًا في موقع عين أوروبية على التطرف بعنوان “تيار بوكو حرام المعتدل ومعضلة مكافحة الإرهاب النيجيرية”، يبحث في تطور الوضع الداخلي للجماعة وبيئتها الأمنية. وتركِّز المقابلة الحالية على الديناميات والتطورات المتكشّفة منذ ذلك الحين.
يوضح زين أن نشأة بوكو حرام تعود إلى عام 1994، عندما بدأ النيجيريون الانضمام إلى “الجماعة الإسلامية المسلحة” في حربها ضد الدولة الجزائرية، على الرغم من أن معظمهم خدموا في مواقع الحرس الخلفي في مالي والنيجر، وانضم النيجيريون في الشتات، لا سيما في المملكة العربية السعودية، إلى تنظيم القاعدة. ثم عاد هذان العنصران إلى نيجيريا، وبدآ يختلطان بالجماعات السلفية المحلية. وبعد 11 سبتمبر، ومع تحفّز تلك الجماعات، وازدياد قوتها نتيجة بعض ردود الحكومة على مكافحة الإرهاب، التأمتِ الجماعة تحت قيادة محمد يوسف، الذي قُتل في عام 2009، العام الذي أعلنت فيه بوكو حرام رسميًا جهادها تحت قيادة أبو بكر شيكاو. في عام 2015، ظهرت الجماعة على الساحة الجهادية الدولية، عندما انضمت إلى تنظيم داعش.
من ناحيةٍ أخرى، تعود صلة تنظيم القاعدة ببوكو حرام إلى أصولها في أوائل التسعينيات. ويقول زين إن تنظيم القاعدة أدّى دورًا مهمًا في تطور التنظيم وتورطه في أول هجوم كبير في عام 2003، الذي لم يكن، كما يقول زين، نابعًا من ظروف محلية في الجامعات.
من الواضح أن التطور السريع للتفجيرات الانتحارية كتكتيك تستخدمه بوكو حرام لم يأت من فراغ، لقد جاء من القاعدة حيث يُظهر السجل الوثائقي المساعدة التي قدمها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للجماعة. وقد كشف شيكاو، في إحدى رسائله الصوتية الأخيرة قبل وفاته في مايو 2021، أنه أعلن البيعة لتنظيم القاعدة.
يمكن أن تكون تسمية بوكو حرام -وهو اسم لا تعترف به الجماعة لنفسها (وهذا يعني “التعليم الغربي حرام”)- مربكة للبعض، لكن زين يوضح أنه بعد وفاة شيكاو، أصبح الاسم يشير بشكلٍ أساسي إلى ولاية داعش في غرب إفريقيا، وقد تُرك فصيل شيكاو المنشق، المعروف باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، معزولًا إلى حدٍّ ما وأضحى أعضاؤه ينضمون إلى ولاية داعش في غرب إفريقيا.
وثمة فصيل مهم آخر هو أنصار المسلمين، وهو امتدادٌ لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، امتداد بارع للغاية رغم صغر حجمه، حيث يعمل كمضاعف للقوة مع صعود جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد/ ولاية داعش في غرب إفريقيا، وابتعد في وقتٍ لاحق بمجرد أن شرع شيكاو في مساره التكفيري المتطرف.
تجدر الإشارة إلى أن نيجيريا تنقسم بالتساوي تقريبًا بين المسلمين في الشمال والمسيحيين في الجنوب. ويكشف زين كيف أن هذا البعد الطائفي يؤثر في استراتيجية الجماعات الجهادية.
في الوقت الذي أنهى فيه زين التقرير، بدا أن تيارًا أكثر اعتدالًا من ولاية داعش في غرب إفريقيا آخذ في السيطرة على مقاليد الأمور داخل الجماعة، ما يمثل مشكلة مختلفة وأكثر صعوبة من بعض النواحي بالنسبة للدولة النيجيرية. وعلى الرغم من أن التيار الأكثر تطرفًا يبدو أنه يكتسب أرضية أيضًا، فإن إعادة تأكيد ولاية داعش في غرب إفريقيا يجعل من غير المرجح أن تنجرف الجماعة مرة أخرى إلى مستوى التطرف الذي شوهد تحت قيادة شيكاو، حتى في الوقت الذي تتصارع فيه مع كيفية استيعاب عناصر جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد الذين كانوا قريبين من شيكاو. وعمومًا، فإن نيجيريا تواجه مشكلة أكثر تعقيدًا بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات.
في الوقت الحاضر، توجّه ولاية داعش في غرب إفريقيا؛ مثلها مثل جميع ولايات داعش الأخرى، من قبل داعش المركزي في سوريا والعراق، ولكن لا يبدو أن هناك علاقات وثيقة مع ولايات داعش الأخرى في القارة الإفريقية، مثل ولاية داعش في إفريقيا الوسطى في الكونغو وموزمبيق.
من ناحية الوضع العسكري في نيجيريا، يوضح زين أن هناك حالة ما من الجمود: فولاية داعش في غرب إفريقيا غير قادرة على الاستيلاء على معسكرات رئيسة، لكن الجيش غير قادر على قمع الجهاديين في المناطق الريفية. وهذه الحالة مواتية لولاية داعش في غرب إفريقيا، ما يسمح لها بتعزيز وضعها؛ اجتماعيًا وسياسيًا، وكسب سيطرة قوية على هذه المجالات على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بالدعم الدولي لنيجيريا، يخلص زين إلى أن هناك تراجعًا في استعدادِ الجهات الغربية، وغيرها من الجهات الفاعلة، لمساعدة نيجيريا. ويقول إن حالة “الجمود قوية للغاية”، وستكون هناك حاجة إلى تقديم مساعداتٍ رئيسة لاستئصال ولاية داعش في غرب إفريقيا من المناطق الريفية في بورنو، حيث يعرف الجهاديون اللغة والتضاريس والناس بشكل أفضل من أي غرباء، وربما أفضل بكثير من الحكومة.
ولا يزال من غير الواضح ما الذي يمكن للدول الأجنبية أن تسهم بالفعل في هذا الأمر، وإن كان من المهم طرح هذا السؤال.