جابرييل سيوبلوم فودور*
تجري حاليًا في السويد محاكمة هي الأولى من نوعها هناك، حيث تُتهم إحدى العائدات من تنظيم داعش بارتكاب جريمة حرب. كانت المرأة، التي عادت في عام 2020، قد اتهمت في وقتٍ سابق بالتزويج القسري لإحدى بناتها القاصرات لأحد أعضاء التنظيم. وعلى الرغم من إغلاق هذا التحقيق، فقد احتجزت المرأة مرة أخرى، في أواخر العام الماضي، بتهمة محاولة استمالة ابنها ليصبح جنديًا طفلًا.
هناك جوانب كثيرة ينبغي معالجتها في هذه القضية. على سبيل المثال، لماذا غادرتِ المرأة السويد في المقام الأول؟ آمل أن تكشف النيابة عن أسباب ذلك. أيضًا، ما دافعها للانضمام إلى داعش؟ هل كانت المعتقدات المتطرفة أم أنها كانت تحاول الهروب من شيء آخر؟ بغض النظر عن نتيجة المحاكمة، فمن المهم فهم دوافعها الأساسية.
أنماط شائعة
ليس من الجيد أبدًا التعميم، لكن هناك بعض الأنماط الشائعة التي لوحظت في حالات الأشخاص الذين غادروا الدول الغربية للانضمام إلى داعش. العديد من الحالات تتقاسم سماتٍ مشتركة من التكفيرية المفرطة، إلى جانب الهروب من تحديات العيش في المجتمع الغربي كمسلم متدين.
إن تبني نمط حياة تكفيري ومحاولة العيش به بمطالبه وقيوده العديدة (خاصة بالنسبة للمرأة) في مجتمع علماني غربي أمر منهك ومرهق عقليًا. هذا الاقتناع دفع الكثيرين إلى البحث عن مجتمع يعتقدون أنه يستوعب نمط الحياة هذا، وعندما تشكَّل ما يُسمَّى بالدولة الإسلامية، كان يُنظر إلى هذا المجتمع على أنه المجتمع المنشود.
حماسة مفرطة
ما نعرفه حتى الآن عن هذه المرأة هو أنها اعتنقت الإسلام، بعدما كانت مسيحية، وهذا أمر غير شائع كونها عربية. إذ يميل المتحولون إلى المرور بمراحل إدراكية من الحماسة المفرطة والأصولية في الأجزاء الأولى من رحلتهم الإيمانية التي قد تعتدل مع مرور الوقت، وتراكم المعرفة والخبرة أو لا. وبما أننا لا نملك معلوماتٍ مفصلة، فيمكن أن نستنتج أن السيدة وزوجها المعني ربما كانا في قبضة هذه المرحلة المبكرة، واتخذا، تحت تأثيرها، هذه القرارات التي تجد نفسها الآن قد تُحاكم بسببها.
غالبًا ما تتسم هذه المرحلة من الحماسة المفرطة والأصولية بحالةٍ من المثالية، حيث يكون للإيمان القوي والإذعان الكامل للدعاة والواعظين، الذين يُنظر إليهم على أنهم على صواب، الأسبقية على تقييمات المنطق أو العواقب. وتنطوي على ثقةٍ كاملة في السلطات الدينية، باعتبارها من تنفذ الإرادة الإلهية على الأرض، وبالتالي تُطاع من دون نقدٍ أو تمحيص.
ثمة جانب مهم آخر في هذه المحاكمة يتمثل في موضوع حقوق الطفل، كون تلك السيدة متهمة باستمالة ابنها ليصبح جنديًا طفلًا. من وجهة نظر سويدية وغربية عامة، قد تبدو هذه الأعمال شائنة، ولكنها من وجهة نظر تكفيرية لن تبدو كذلك. في نظرة التكفيريين للعالم، “تربية محارب” جديرة بالثناء، وشيء يسعون جاهدين لتحقيقه.
فرصة لفهم أفضل
غالبًا ما يفشل المعلقون في فهم تأثير التعصب التكفيري بالكامل، والمراحل المعرفية المترتبة عليه والتلاعب بالنصوص الدينية على صنع القرار الأفراد. كما أن غياب هذا الفهم ينتج تحليلًا معيبًا وضحلًا إلى حد ما، ويطرح أيضًا أسئلة أكثر مما يجيب عليه، فيما يتعلق بقدرة الإنسان على اتخاذ قراراتٍ مستقلة. ووظيفة كل من الادعاء والدفاع هي إدراج هذه الأسئلة في تحقيقاتهما، ومن ثم بحث الدور الذي لعبته هذه الجوانب في القضية.
وختامًا، دائمًا ما تنطوي حالات المقاتلين الأجانب أو نظرائهم من النساء، على الاستمالة، والابتزاز، والمغامرة، والسذاجة، والخداع. غير أنها غالبًا ما تظهر في وقتٍ مبكر جدًا، إذا كان هذا هو الحال، في شكل وجود رسائل إلى الأصدقاء والعائلة حول الرغبة في المغادرة، وما إلى ذلك. وهذا هو السبب في أن الأدلة والتحليلات التي تأخذ جميع الجوانب المذكورة أعلاه في الاعتبار مهمة من أجل البحث. إنها في حد ذاتها محاكمة مهمة جدًا ستثبت ما إذا كان من الممكن، في ظلِّ الإطار القانوني الحالي، وفي ظل الأدلة المتاحة، إصدار حكم على جرائم الحرب. وسنتابعها باهتمام.
*باحث متخصص في دراسة مكافحة التطرف العنيف في المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف (ICSVE).