دينيس ساموت*
بداية، يمكن القول إن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران في 18 يونيو، لا يُشكّل، من نواحٍ كثيرة، حدثًا فارقًا. بل إن النتيجة لم تكن مفاجئة؛ لأن معظم البدائل الجادة له مُنعت من خوضِ الانتخابات. رئيسي، الذي يرأس حتى الآن السلطة القضائية في الدولة، هو من العالمين ببواطن الأمور في المؤسسة الدينية الشيعية، ومساعد موثوق به لدى المرشد الأعلى الإيراني؛ علي خامنئي.
خلال السنوات الثلاثين التي قضاها في منصب المرشد الأعلى، حافظ خامنئي، خلافًا لسلفه المرشد الأعلى الأول آية الله روح الله الخميني، على قبضة مُحكمة على السلطة، وتدخل في كل جانبٍ من جوانب الحكومة. والآن، يبدو أن خامنئي قرر تضييق الخناق على النظام السياسي، الذي كان مشوهًا ومختلًا بالفعل، ما يزيد الطين بلّة. والسؤال هو لماذا، ولماذا الآن؟
الجدير بالذكر أن دور الرئيس في النظام السياسي الإيراني محدود جدًا. فهو ليس صانع القرار النهائي بشأن أهم القضايا، التي تتراوح بين الدفاع والسياسة الخارجية، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية. فالرئيس محاصر بين المرشد الأعلى، الذي يتدخل بشكل متزايد في عهد آية الله خامنئي في جميع جوانب الحكم، وبين البرلمان، المنتخب أيضًا تحت قيود صارمة، الذي غالبًا ما يكون منبرًا للمتشددين. كما أن الرئيس، والبيروقراطية التي يقودها، غالبًا ما يتعين عليهما تنفيذ السياسات التي قد لا يتفقان معها، ولكنها تحظى بدعم المتعصبين الدينيين.
وعلى الرغم من ذلك كله، يمكن للبراجماتيين، مثل الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، أثناء توليه منصب الرئيس، أن يكونوا بمنزلة صوت العقل في مجالس الحكم، وكجسر تواصل إلى مختلف أجزاء المجتمع غير المحببة للمؤسسة الدينية الشيعية، ما يوسِّع قاعدة شرعية النظام.
ولم يتضح بعد لماذا قرر خامنئي، والمؤسسة الدينية الشيعية، تنصيب واحدٍ ينتمي لهما رئيسًا للدولة. هل يُعد هذا تحولًا إلى سياسة أكثر تشددًا؟ هل يحكمان السيطرة لأنهما يخشيان المستقبل؟ أم أن هذه خطوة أكثر تعقيدًا، استعدادًا لتخفيف بعض السيطرة الإيديولوجية الصارمة، وفي هذه الحالة يحتاجون إلى رئيس لا جدال حول مقوماته الثورية.
سيتم الكشف عن كل ذلك مع تطور رئاسة رئيسي، ولكن في غضون ذلك هناك قضايا مُلحّة تتعلق بإيران يراقبها العالم، بما في ذلك في أوروبا، حيث يتنامى الاهتمام بالقضايا الإيرانية.
منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، كان موقف أوروبا من إيران أكثر دقة إلى حدٍّ ما من موقف الولايات المتحدة، اعتقادًا منها بأن المشاركة أفضل من العزلة. وهذا لا يعني أن أوروبا لم تشعر بالفزع من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران، أو أن أوروبا ليست قلقة بشدة من المغامرات الإيرانية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. علاوة على ذلك، بالنسبة للبلدان الأوروبية التي تتبنى العلمانية والفصل بين الكنيسة والدولة، فإن فكرة وجود دولة يديرها نظام ديني، كما هو الحال في إيران، هي في حد ذاتها فكرة مقيتة.
ومع ذلك، اختارت أوروبا الانخراط مع إيران، وفي الوقت الحالي هناك أربع مجالات رئيسة ترغب أوروبا في الانخراط مع إيران بشأنها أكثر من ذلك:
الأولى، والأولوية في الوقت الحالي، هي إيجاد حل للمأزق المتعلق بالاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على إعادة إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات بشكل كامل. وقد انتهت الجولة السادسة من مناقشات فيينا دون نتيجة، وإن كان الدبلوماسيون يصرون على إحراز تقدم، على الرغم من أن الخلافات لا تزال خطيرة.
الثاني هو لبنان. هناك قلق كبير في الاتحاد الأوروبي من أن الدولة اللبنانية قد تكون على وشك الانهيار. معروف أن إيران، من خلال وكيلها الشيعي، حزب الله، لاعب مهم في لبنان. ومن ثم يريد الاتحاد الأوروبي أن تلعب إيران دورًا إيجابيًا في تأمين مستقبل لبنان، ليس أقله من خلال تشكيل حكومة شرعية ومستدامة.
الثالث هو اليمن، حيث تشعر أوروبا بالفزع إزاء الكارثة الإنسانية التي أعقبت إطلاق العنان للعنف من قبل وكيل إيران، الحوثيين، والحرب اللاحقة التي لا تصب في مصلحة أحد.
الرابع هو أمن الخليج. وقد أصبح هذا موضوعًا متزايد الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وفي ظل اتجاه الولايات المتحدة لإعادة التموضع لمواجهة التحديات الناشئة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، هناك اعتراف بأن أوروبا لا بد وأن تكثّف انخراطها في المنطقة، دبلوماسيًا في البداية، وعسكريًا في نهاية المطاف. والتعامل مع إيران المُخرّبة هو التحدي الأكبر في هذا المسعى.
في هذه الأثناء، يُكثّف المبعوثون الأوروبيون من زياراتهم إلى المنطقة للعمل على هذه القضايا الأربع. ففي فيينا، يتولى الاتحاد الأوروبي قيادة المحادثات حول خطة العمل الشاملة المشتركة، وتُلقي إيران بظلالها على المناقشات الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في الحقبة الجديدة من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في عهد الرئيس جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن.
وبصراحةٍ، لا تخشى أوروبا من أن يغيّر رئيسي السياسة الخارجية الإيرانية إلى الأسوأ. والسبب هو أنه، بالأساس، لا يستطيع. ومن كان يمسك بزمام الأمور ويتحكم في المشهد من قبل -خلال فترة روحاني- سيواصل القيام بذلك في عهد رئيسي. وقد قال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بوضوح، حتى وإن لم يكن بشكلٍ مُقنع، عندما تحدث عن خطة العمل الشاملة المشتركة بعد اجتماع لمجلس الشؤون الخارجية يوم الاثنين (21 يونيو):
“ليس لديّ أي سببٍ للاعتقاد بأن الرئيس الإيراني الجديد سيتخذ موقفًا مختلفًا فيما يتعلق بالمفاوضات التي تخدم مصلحة شعبه وبلده. ليس لديّ أي سبب للاعتقاد بذلك، ولكن دعونا نرَ”.
رئيسي براجماتي وموالٍ للمؤسسة الحاكمة. وهو الآن رئيس ليس لتنفيذ أجندته الخاصة، بل لتنفيذ أجندة خامنئي وفريقه. والنقطة الأولى في أجندته هذه هي البقاء على قيد الحياة.
وختامًا، فالوضع الاقتصادي المتردي في إيران؛ وشبابها، الممزق بين ثورة مُنهكَة وعالم حديث سريع التغيّر؛ والمجتمع ككل، الذي يفخر بعظمة ماضي الدولة، ولا يقبل الظروف المتواضعة للحاضر، تُشكِّل تحديات وجودية لقيادة الثورة الإيرانية. وَجِيءَ برئيسي كجزءٍ من التصدي لهذا التحدي. ولكن يبقى السؤال: كيف وماذا نفعل؟
الزمن كفيل بالإجابة على ذلك.
* مدير شبكة لينكس أوروبا ومدير تحرير منصة (commonspace.eu)