البروفيسورة جوديث تيدور بومل-شوارتز*
إحياء الذكرى -أي تكريم ذكرى شيء ما وحفظه إلى الأبد- هو مفهوم قديم حيث يترك الناس في الحاضر تذكيرًا ملموسًا بالأحداث السابقة للأجيال القادمة، ما يخلق جسرًا بين الماضي والمستقبل. إحياء الذكرى يلبي احتياجات عديدة في وقتٍ واحد، فهو يخلق مصدرًا للتوحيد والاستمرارية، ويعمل كأداة لخلق “روح وطنية” تنتقل إلى الأجيال المقبلة، ويدمج أنماط الاعتقاد لتوفير لبنة في عملية الشفاء.
يصدق هذا الأمر بالتأكيد فيما يتعلق بإحياء ذكرى الهولوكوست. الجدير بالذكر أن الهولوكوست عملية اضطهاد ممنهجة ضد اليهود حدثت في أوروبا بين عامي 1933 و1945، حيث اضطهد النازيون والمتعاونون معهم، في عهد المستشار الألماني أدولف هتلر، السكان اليهود أولاً ثم حاولوا إبادتهم في جميع البلدان الخاضعة لسلطانهم بناء على تفسيرهم لنظرية عنصرية علمية زائفة. وقد تم إحياء ذكرى الهولوكوست منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).
وفي عدد قليل من الدول، تم إحياء ذكرى الهولوكوست على الصعيد الوطني، في أخرى، محليًا، ولكن وفي معظم الدول، لم يتم ذلك على الإطلاق. كان إحياء ذكرى الهولوكوست في ألمانيا صعبًا بشكل خاص لسنواتٍ عديدة. كيف يمكنك إحياء ذكرى فظائع ارتبطت بالكثير من السكان المحليين قبل وقت قصير فقط؟ وهناك أيضاً، نشأ إحياء ذكرى الهولوكوست من اجتماع الثقافات، والصراع على السيادة الثقافية بين ماضي ألمانيا وحاضرها.
وقد أضاف إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948 بعدًا جديدًا إلى إحياء ذكرى الهولوكوست، حيث تم بالفعل الاحتفال الوطني بمحرقة اليهود الأوروبيين في أوائل الخمسينيات. من عام 1959 فصاعداً، تم تحديد يوم هشوآه -يوم ذكرى المحرقة في إسرائيل- في السابع والعشرين من الشهر؛ شهر نَـيْسَان حسب الأسماء العبرية، الذي يقام في فصل الربيع، قرب تاريخ الانتفاضة اليهودية ضد النازيين في 1943 في جيتو وارسو. ويتميز هذا اليوم بإطلاق صافرة لمدة دقيقتين يقف خلالها الناس في صمت لإحياء ذكرى مقتل ستة ملايين يهودي على يد النازيين ومعاونيهم، يصاحبها احتفالات تذكارية في جميع أنحاء الدولة.
ولكن ماذا عن الأماكن الأخرى؟ على مدى سنوات، كانت الاحتفالات التذكارية الوحيدة التي كانت قائمة في جميع أنحاء أوروبا والدول الأخرى المشاركة في الحرب العالمية الثانية هي تلك التي أحيت ذكرى جنود دولة ما الذين سقطوا في المعركة، أو المدنيين الذين قتلوا في الحرب. غير أن هذا الوضع تغير في نوفمبر 2005 عندما اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مدفوعة بمبادرة من سيلفان شالوم المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، قراراً بأن اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست سيكون سنوياً في 27 يناير، وأن “الهولوكوست، الذي أسفر عن تدمير ثلث الشعب اليهودي، سيبقى إلى الأبد بمثابة تحذير لجميع دول العالم من مخاطر الكراهية غير المبررة، والعنصرية، والتحيز”.
علاوة على ذلك، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 يناير يومًا دوليًا سنويًا لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، لأن الجيش السوفييتي قام في ذلك اليوم من عام 1945 بتحرير معسكر أوشفيتز، معسكر الاعتقال الواقع في بولندا التي كانت محتلة من قبل النازيين، والذي أصبح رمزًا للهولوكوست. كان هذا المعسكر الذي قتل فيه أكثر من مليون يهودي على يد النازيين وأتباعهم بين عامي 1941 و1945.
وحثّ قرار الأمم المتحدة الدول الأعضاء على “تطوير برامج تعليمية تغرس في الأجيال القادمة الدروس المستفادة من الهولوكوست من أجل المساعدة في منع أعمال الإبادة الجماعية المستقبلية”. وذكر أن الأمم المتحدة ترفض “أي إنكار للهولوكوست كحدث تاريخي، سواء كليًا أو جزئيًا”، و”تدين دون تحفظ جميع مظاهر التعصب الديني أو التحريض أو التحرش أو العنف ضد الأشخاص أو الطوائف على أساس الأصل العرقي أو المعتقد الديني، أينما تقع”.
ومنذ ذلك الوقت، في 27 يناير من كل عام، تحتفل دول عديدة في جميع أنحاء العالم مثل أستراليا، وإنجلترا، وألمانيا، وبولندا، والبرتغال، وبلجيكا، وبولندا، واليونان، وإسبانيا، والسويد، وأوكرانيا، إلى جانب منظمة اليونسكو، بذكرى ضحايا الهولوكوست، وتؤكد من جديد التزامها الثابت بمكافحة معاداة السامية والعنصرية وغير ذلك من أشكال التعصب التي قد تؤدي إلى العنف. وفي اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، تستضيف الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامجًا خاصًا، وهناك أيضًا احتفالات تذكارية في متحف ذكرى الهولوكوست في واشنطن العاصمة، بالولايات المتحدة، وفي مؤسسة “ياد فاشيم” في القدس، وفي فيينا.
وفي هذا العام، ستنظم الأمم المتحدة واليونسكو، للمرة الأولى، سلسلة من الفعاليات، بالشراكة مع التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، احتفالًا بالذكرى السنوية الـ 76 لتحرير معسكر الاعتقال والإبادة الألماني النازي أوشفيتز-بيركيناو. ونظراً للقيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، وبغية الوصول إلى الجماهير العالمية، ستتاح الفعاليات على الإنترنت بالكامل. وستشمل الفعاليات الاحتفال بالذكرى السنوية في 27 يناير 2021 وحلقة نقاش عن إنكار الهولوكوست وتشويهه، يبث على قناة الأمم المتحدة وشبكة “سي إن إن”، بالإضافة إلى معارض في باريس ومكاتب منظمة اليونسكو الميدانية في جميع أنحاء العالم.
الموضوع الذي اختير للاحتفال في هذا العام (2021) هو “مواجهة التداعيات: التعافي وإعادة البناء بعد الهولوكوست”.
* مديرة معهد فينكلر لبحوث الهولوكوست في جامعة بار إيلان في إسرائيل.
** يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.