د.شادي عبد الوهاب*
أوردت مصادرُ إعلامية يمنية، أن قطر تقدم الدعم لحزب الإصلاح في اليمن، الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الدولة. وتوضح هذه المصادر أن هذا التدخل يهدف إلى إنشاءِ جناحٍ عسكري للجماعة؛ من شأنه أن يعزز قدرة حزب الإصلاح على توسيع نفوذه للهيمنة على الدولة؛ سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا(1).
ومن ثم، يسعى التقرير التالي إلى تقييم مصداقية هذه المصادر والتي تشير في الواقع إلى الأهدافِ السياسية التي تضمرها الدوحة من وراء تقديم الدعم لحزب الإصلاح. ومن المهم في هذا السياق فهم أن أي علاقة تربط بين قطر وحزب الإصلاح يجب أن تتم رؤيتها ضمن سياسات الدعم القطري طويل الأمد للإخوان المسلمين، وغيرهم من الإسلاميين، في مناطق الصراع المختلفة في الشرق الأوسط.
توسيع النفوذ الإقليمي
حاولتِ الدوحة تعزيزَ دورها الإقليمي عقب اندلاع الربيع العربي، عبر دعم أفرع الإخوان المسلمين في دول عدة من تلك التي شهدت ثورات، لا سيّما تونس ومصر وليبيا(2). وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن هذا النهج القطري يمتد إلى اليمن. ففي كلمة له في أبريل 2011، قال الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح: “نستمد شرعيتنا من قوة الشعب اليمني العظيم، وليس من قطر، التي نرفض مبادرتها”(3). والأمر الذي بعث على هذا الرفض العلني القاسي للمساعي القطرية هو دعم قطر لحزب الإصلاح، الذي كان يلعب دورًا قياديًا في الجهود التي كانت جاريةً، وقتئذٍ، للإطاحة بصالح.
تعني سياساتُ الدوحة المتهورة؛ المتمثلة في إغداق الأموال على المتمردين الإسلاميين، أن المنظمات الإرهابية قد استفادت، في نهاية المطاف، من سخاءها. وتُعد سوريا حالة بارزة في هذا الصدد، إضافة إلى ليبيا ومالي. بل إن هناك تلميحًا من دائرة الاستخبارات العسكرية الفرنسية في عام 2013، بأن قطر قد ذهبت إلى أبعد من ذلك وأن قواتها الخاصة تقوم بتدريب مقاتلين على صلةٍ بجماعة “أنصار الدين”، فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل(4).
وليس من المستغرب أن نجد جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة يعملان معًا ويضغطان في نفس الاتجاه. ذلك أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قد دافع علنًا عن الاتحاد مع جماعة الإخوان المسلمين للعمل معًا ضد الغرب. وكما هو الحال مع العديد من الجهاديين المصريين، انضم الظواهري إلى التطرف الإسلامي من خلال سيد قطب، مُنظّر جماعة الإخوان المسلمين، الذي كتب عنه بشكل إيجابي في كتابه «فرسان تحت راية النبي»(5). لذا، فقد تتسرب أموال قطر وأسلحتها بسهولة من جماعة الإخوان المسلمين إلى القوات المرتبطة بالقاعدة.
في ليبيا، دعمتِ الدوحةُ “لواء طرابلس” التابع لعبد الحكيم بلحاج. وكان بلحاج أمير “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة”، التابعة لتنظيم القاعدة، إلى أن ألقت وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية القبض عليه في بانكوك في عام 2004. وعندما حوّل بلحاج جماعته إلى حزب سياسي، أسماه “الوطن”، وتنافس في الانتخابات الليبية لعام 2012، فعل ذلك بدعم مالي قطري هائل(6). ورغم هذا الدعم، جاء أداء بلحاج سيئًا، ولم يحظ سوى بنسبة 3% فقط من أصوات الناخبين، وبالتالي لم يحصد مقاعد في مجلس النواب(7). علاوة على ذلك، فقد دعمت الدوحة حزب العدالة والبناء الليبي؛ جماعة إسلامية تابعة للإخوان.
وقد وصف مسؤولون أمريكيون الإسلاميين الليبيين بأنهم “متطرفون غير ديمقراطيين”، وأعربوا عن استيائهم من دعم قطر لهم. فعلى سبيل المثال، منعت الحكومة الأمريكية شركة أسلحة، تتخذ من ولاية أريزونا مقرا لها، من بيع أسلحة إلى قطر على أساس أنها ستذهب إلى الإسلاميين الليبيين(8).
وفي سوريا، قدمت قناة الجزيرة الفضائية التي تسيطر عليها الدولة تغطيةً إيجابية لجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، وحاول بعض المسؤولين القطريين تصوير جبهة النصرة على أنها قوة معتدلة، مما وفّر تغطية واسعة -وساذجة- لإعلان جبهة النصرة أنها انفصلت عن تنظيم القاعدة(9). غير أن جهود قطر لتغيير تصور الغرب عن جبهة النصرة قد فشل فشلًا ذريعًا، على الرغم من أن قطر لا تزال تحاول لعب دور الوسيط بين الغرب والقوى المتطرفة. ومنذ يونيو 2013، تستضيف الدوحة حركة طالبان، التي تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة حتى يومنا هذا(10).
تقويض المنافسين الإقليميين
إضافة إلى استخدام الإسلاميين لتوسيع نفوذها، استخدمت قطر الإسلاميين لتقويض منافسيها. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن رجل أعمال مقربًا من أميرٍ قطر يُدعى خليفة كايد المهندي، قد نسّق مع السفير القطري في الصومال لترتيب عملية لتفجير سيارة مفخخة يقوم بها مسلحون في بوصاصو، بهدف تعزيز مصالح قطر عبر طرد منافسها، الإمارات العربية المتحدة.
يمكن الاستماعُ إلى المهندي في مكالمةٍ هاتفية مع السفير في 18 مايو 2019، بعد قرابة أسبوع من التفجير، قائلًا: “نعرف من يقف وراء [الهجمات]”، مضيفًا: “أصدقاؤنا كانوا وراء التفجيرات الأخيرة”. وقال المهندي إن العنف كان “يهدف إلى دفع أهل دبي للهرب من هناك”. وأضاف: “دعهم يطردون الإماراتيين، حتى لا يجددوا العقود معهم، وسأحضر العقد إلى الدوحة”(11). وقد أعلنت حركةُ الشباب، التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، مسؤوليتها عن الهجوم.
هذا التسجيل يضفي مصداقيةً على الاتهام الذي وجهه سفيرُ دولة الإمارات العربية المتحدة لدى روسيا، عمر سيف غباش وقتها، الذي يفيد بأن قطر تعاونت مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن. وفي هذ الصدد، قال غباش “لقد أبلغ (حلفاؤنا القطريون) القاعدة بموقعنا الدقيق وما كنا نخطط للقيام به”(12). وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة الشباب أصبحا أكثر تشابكًا منذ عام 2011 على الأقل، وبالتالي فإن دعم أحدهما يمكن أن يفيد الآخر بسهولة(13).
الخلاصة
في ضوء العواملِ المذكورة أعلاه، نجد أنه من المرجح أن قطر تحاول استغلالَ حزب الإصلاح لتحقيق مآربها في اليمن، ولن يكون مستغربًا الاعتقادُ بأن الدوحة تنخرط حتى مع قوى أكثر تطرفًا في محاولةٍ لتعزيز نفوذها في المجتمع والدولة في اليمن.
يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّاب المساهمون، والآراء الواردة في المقالات والدراسات تُعبِّر عن وجهةِ نظر أصحابها.
* خبير متخصص في القضايا الأمنية
المراجع:
[1] Ali Rajab, Turkish- Qatari role to build a MB’s army in Yemen, The portal: Foresight Studies on Islamist Movements Worldwide, July 21, 2019, accessible at: https://bit.ly/2JTCim6
[2] Andrew Hammond, Arab awakening: Qatar’s controversial alliance with Arab Islamists, Open Democracy, April 25, 2013, accessible at: https://bit.ly/2Y06vtE
[3] What Qatar’s role in Yemen tells about the Gulf crisis, Arab News, June 16, 2017, accessible at: https://bit.ly/2RwSUD8
[4] Kristian Coates Ulrichsen, Qatar and the Arab Spring: Policy Drivers and Regional Implications, Carnegie Endowment for International Peace, September 2014, (p. 18), accessible at: https://bit.ly/2Svosdu
[5] Gareth Browne, Al Qaeda chief Al Zawahiri defends Muslim Brotherhood in new video, The National, March 22, 2018, accessible at: https://bit.ly/30VjUAd
[6] Abdul Hakim Belhaj: Libyan rebel commander who got UK apology, BBC, May 10, 2018, accessible at: https://bbc.in/2y4YT9W
[7] Christopher M. Davidson, Shadow Wars: The Secret Struggle for the Middle East, (UK: Oneworld Publications, 2016), epub edition.
[8] Ibid.
[9] Exploiting Disorder: al-Qaeda and the Islamic State, International Crisis Group, March 2016, accessible at: https://bit.ly/2d8wNQG
[10] Mohammed Nuruzzaman, Qatar and the Arab Spring: down the foreign policy slope, Contemporary Arab Affairs, Vol. 8, No. 2, 2015, p. 232.
[11] Ronen Bergman and David D. Kirkpatrick, With Guns, Cash and Terrorism, Gulf States Vie for Power in Somalia, The New York Times, July 22, 2019, accessible at: https://nyti.ms/2M7gI02
[12] Qatar ‘informed’ al-Qaeda bombers says UAE diplomat, BBC, July 20, 2017, accessible at: https://bbc.in/32DS3pI
[13] Maseh Zarif, Terror Partnership: AQAP and Shabaab, Critical Threats, July 2, 2011, accessible at: https://bit.ly/2zTSJL1