في أعقابِ “الربيع العربي” الذي بدأ في نهاية عام 2010، بدا الأمرُ لفترةٍ كما لو أنَّ الظروفَ في الشرق الأوسط تسير في مصلحة الإسلامويين. لكن المدَّ الإسلاموي بدأ ينحسر منذ عام 2013، وبالأمسِ القريبِ خسر معقله الأخير؛ حكومة الإخوان المسلمين في تونس. والآن، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها -الفرع الأم في مصر التي تعيش حاليًا في المنفى في تركيا- تنهار.
الصورة الإقليمية
اجتاحتِ الثورات العربية في عام 2011 الحكوماتِ في تونس ومصر وليبيا، وجاءت بحكوماتٍ تهيمن عليها جماعة الإخوان وفروعها. وبحلول عام 2013، كان لدى تركيا، التي لطالما استخدمت جماعة الإخوان المسلمين في سياستها الخارجية، تحالفات مع هذه الحكومات الثلاث، وسيطرة مهيمنة على التمرد السوري، وكانت تتوسع في مسارحَ مثل اليمن بالطريقةِ ذاتها. وفي الوقتِ نفسه، احتفظت قطر؛ الداعم البارز لجماعة الإخوان المسلمين خلال الثورات، بنفوذٍ كبير، ثم كانت هناك أنظمة إسلامية في السودان وإيران تتبع مخططاتها المختلفة في جميع أنحاء المنطقة.
ويمكن القول إن زوال حكومة الإخوان المسلمين في مصر في صيف عام 2013 أزال حجر الأساس من نواحٍ عدة. لقد انتقلت قيادة الإخوان إلى تركيا، حيث تبثّ التحريض في جميع أنحاء المنطقة، على الرغم من أن الجهود العملية لاستعادة السلطة لم تحقق حتى الآن شيئاً يُذكر. وفي ليبيا، أُزيحت حكومة الإخوان المسلمين باعتبارها السلطة الوحيدة. وكما ذكرنا، فإن الإخوان في تونس قد أزيحوا أيضًا، ويمكن رؤية مدى فشلهم في حقيقة أنهم بعد عشر سنوات من السيطرة على الدولة لم يتمكنوا من حشد أي دعمٍ جماهيري لمقاومة هذا التغيير.
في الوقتِ نفسه، نجحت الإجراءات الخليجية الحاسمة في ضبطِ سلوك قطر، وهي الآن تنتهج سياسة إقليمية أكثر طبيعية وأقل تعطيلًا. وانشق السودان عن المعسكر الإسلاموي وذهب إلى حدِّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن الوضع في اليمن مقلق للغاية، لكن تركيا والإخوان لم يعودوا على ما يبدو عوامل رئيسة.
لا تزال تركيا في نواحٍ كثيرة قضية مثيرة للقلق، ولكن حتى حاكمها الطموح رجب طيب أردوغان، يعاني سلسلة من الإخفاقات في السياسة الداخلية والخارجية، لدرجة أنه -على الأقل علنًا- يحاول التعامل مع الحكومة المصرية في مرحلة ما بعد الإخوان المسلمين التي سبق وأدانها.
الاستثناء الإقليمي الرئيس هو نظام الحكم الديني الإيراني الذي يواصل إمبرياليته الإسلاموية الإقليمية بلا توقف. وتسيطر طهران فعليًا على شمال الشرق الأوسط بأكمله، الذي يمتد من العراق عبر سوريا إلى لبنان، مع تحقيق اختراقاتٍ خطيرة في أفغانستان، والحالة المعلقة لليمن، حيث يواصل الحوثيون التابعون لإيران جهادهم بلا هوادة، الذي قد يغرق الدولة وجيرانها في أزمةٍ أسوأ من الحالية.
هل تنهار جماعة الإخوان؟
في خضم هذه الخلفية، من التدهور الاستراتيجي والرفض الشعبي للرؤية الإسلاموية، تجد جماعةُ الإخوان المسلمين نفسها معزولةً بشكلٍ متنامٍ، سياسيًا وماديًا. لقد تقلَّصت المساحة التي يمكن أن تتحرك فيها الجماعة حرفيًا: لا توجد أمامها سوى بضع مواقع في إسطنبول والدوحة، ومدينتين أخريين. ولكن في حين كان بوسع الإخوان في الماضي الحصول على قدرٍ ما من التعاطف الشعبي لتعزيز نفوذها، فإنها تواجه الآن مشهدًا من العداء خارج شبكات الدعم المباشرة.
وهكذا، فإن جماعة الإخوان المسلمين التي دأبت على تبنى نظريات المؤامرة، وبعدما تقلصت إلى حدِّ التعامل مع نفسها فقط، بدأت في تحويل هذه الشكوك إلى الداخل.
تجدر الإشارة إلى أن إبراهيم منير قد أصبح المرشدَ الأعلى بالإنابة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية منذ اعتقال سلفه محمود عزت في أغسطس 2020. والآن، تظهر جماعة الإخوان المسلمين، المنقسمة فعليًا على مدى السنوات الثماني الماضية؛ انقسامات “رسمية”، في الوقت الذي يحاول فيه قادة الجماعة المتمركزون في إسطنبول إزاحة منير المقيم في لندن، وتنصيب الأمين العام السابق محمود حسين مكانه.
الجدير بالذكر أن منير قد أعلن تعليق عضوية حسين في جماعة الإخوان، وأحاله -إلى جانب خمسة من حلفائه: همام يوسف، وممدوح مبروك، ومدحت الحداد، ومحمد عبد الوهاب، ورجب البنا- للتحقيق الداخلي على أساس “مخالفات مالية وإدارية”. لكن الإخوان في إسطنبول يرفضون الاعترافَ بسلطة منير، زاعمين أن تأجيل انتخابات مجلس الشورى (اللجنة التنفيذية لجماعة الإخوان المسلمين)، التي كان من المفترض أن تُعقد في يوليو، يعني أن شرعيته قد انتهت.
الطعن في منير لا ينحصر في هذه الأسس الإجرائية فقط: فالعديد من الإخوان يشعرون بأن التطورات في تونس، بالإضافة إلى الفشل في تحدي الحكومة في مصر، تثبت أنه غير قادر على أن يكون قائدًا فعالًا، خاصة أنه يعيش بعيدًا جدًا في المملكة المتحدة.
الخلاصة
لقد جرّب منير العديدَ من الطرق لاستعادة مكانة الجماعة مرة أخرى منذ بدء تراجعها في عام 2013، بما في ذلك من خلال التعاون مع الحرس الثوري الإسلامي؛ الجناح الإرهابي للنظام الإيراني. غير أن كل هذه السبل لم تجدِ نفعًا، ويواجه الآن تمردًا علنيًا من رفاقه القدامى، الذين يشكِّكون في حقِّه في شغل منصبه، وحتى في سلوكه خلال فترة ولايته.
من الممكن أن يصمد منير، فجماعة الإخوان في نهاية المطاف تنظيم هرمي صارم، ومنير يتمتع بسلطة رمزية. ولكن إذا نجا منير فعليه أن يقنع أفراد الجماعة باتباع أوامره؛ لأنه ليس لديه طريقة أخرى لإنفاذها.
وهكذا، وبغض النظر عن مصير منير، فإن هذا الانقسام يؤكد أن جماعة الإخوان التي عهدناها في الماضي قد ولّت إلى غير رجعة: ذلك أنه تحت ضغط الحكومة المصرية بالتحديد، والاتجاهات الإقليمية على وجه العموم، لم تعد جماعة الإخوان تنظيمًا متماسكًا، ناهيك عن أن آليات سيطرتها قد تآكلت بالفعل.