دانيلي جاروفالو*
تستغل التنظيمات الإرهابية الإسلاموية الاتجار بالمخدرات لتمويل نفسها عن طريق فرض ضرائب على عصابات الجريمة المنظمة أو الميليشيات المسلحة أو مهربي المخدرات. وفي حين تُعد هذه المسألة أكثر انتشارًا في مناطق؛ مثل أفغانستان وشبه القارة الهندية، فأحيانًا ما يبالغ في تقديرها في إفريقيا، ويستهان فيها بشكل خاطئ في أمريكا اللاتينية.
تجدر الإشارة إلى أن التجارة الدولية في المخدرات تشكّل سوقًا ضخمة ومصدرًا كبيرًا للدخل للجماعات الإرهابية نظرًا لعائداتها التي لا يمكن تعقبها. لذا، تبرم الجماعات الجهادية اتفاقات مع الميليشيات الإجرامية المنظمة. ومن بين المجالات التي تجد فيها هذه الاتفاقات أرضية خصبة أفغانستان وميانمار وسوريا ولبنان والعراق وليبيا ونيجيريا والمغرب وفنزويلا وفرونتيرا (منطقة الحدود الثلاثية)، حيث تتقاطع حدود باراجواي والبرازيل والأرجنتين.
مصالح متبادلة
تعلّم تجار المخدرات والجهاديون في مناطق عدة -إفريقيا على وجه الخصوص- التسامح مع بعضهم بعضًا (من الناحية الدينية، حيث ترفض جماعات جهادية عدة تجار المخدرات أو تعاديهم)، كونهم يدركون أن الصدام بينهم لن يكون في مصالحهم. علاوة على ذلك، فقد عزَّزت الحرب على الإرهاب التقارب بين بعض الجماعات الجهادية والمتاجرين، وفي العديد من المناطق.
يأتي هذا في ظلِّ أن التنظيمات الجهادية تحتاج إلى سيولةٍ كبيرة لتمويل عملياتها، وهو ما يوفره تجار المخدرات، الذين يحصلون، مقابل دفع الضرائب والرسوم، على الحماية والمرور الآمن والأراضي المحمية، حيث يمكنهم العمل والاتجار بها، والحصول على الأسلحة، والعمالة الموثوق بها، وتوسيع نطاق عملهم. ومن نقاط القوة في التعاون بين الإرهابيين والعصابات الإجرامية المنظمة إمكانية الحصول على دعم الشخصيات السياسية والأمنية الفاسدة، ما يتيح سهولة الوصول إلى قنوات غسل الأموال والطرق الآمنة نسبيًا لنقل المخدرات.
مناطق الإنتاج
لقد نما إنتاج الأفيون في أفغانستان -الذي سيتأثر بسقوط حكومة كابول في أيدي طالبان، ويمكن أن يغيّر العمليات والإدارة المتصلة بإنتاج الأفيون والاتجار به- على سبيل المثال، إلى قرابة 93% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2020 (أي مع سيطرة طالبان على نحو 40% من الدولة)، وفقًا للتقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة. ومع ذلك، تقلصت المناطق المعروفة باسم الهلال الذهبي (أفغانستان، وإيران، وباكستان) والمثلث الذهبي (ميانمار، ولاوس، وتايلاند)، التي تضم 240 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بخشخاش الأفيون، للعام الثاني على التوالي في عام 2019، مع حدوث تراجع في أفغانستان وميانمار.
تجدر الإشارة إلى أن المساحة المزروعة بالخشخاش في أفغانستان تصل إلى آلاف الهكتارات من الأراضي. وقد شجعت الربحية والسهولة النسبية لإنتاج الخشخاش المزيدَ من المزارعين الأفغان على تفضيل زراعة الخشخاش. وفي الواقع، ارتفعت نسبة زراعة الخشخاش بنسبة 36% في السنوات الاثنتي عشرة الماضية. وتفرض طالبان ضريبة على المزارعين تبلغ 10% من مجموع عائدات الأفيون المنتج، بالإضافة إلى ضريبة قدرها 30% على المحصول. كما تفرض ضرائب على المختبرات التي تحوّل الأفيون إلى هيروين، ومن التجار الذين يهربون المخدرات غير المشروعة. وتتراوح تقديرات العائدات السنوية لطالبان من اقتصاد المخدرات غير المشروعة بين 100 و400 مليون دولار، أي ما يناهز 60% من الدخل السنوي لطالبان.
وفي أول مؤتمر صحفي له بعد السيطرة على كابول في أغسطس 2021، دعا المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد إلى توفير “مساعدة دولية” لإمداد المزارعين بمحاصيل بديلة للخشخاش، ووعد بأن الحكومة الجديدة لن تحوّل أفغانستان إلى دولة مخدرات. ويبدو أن هذه الوعود مجرد حِيلة من جانب قادة طالبان الجدد لكي يبدوا أكثر اعتدالًا أمام العالم بهدف تأمين الدعم والاعتراف الدوليين.
طرق التهريب
بمجرد إنتاج الهروين، يُنقل إلى أسواق الوجهات النهائية عبر ثلاثة طرق رئيسة للتهريب: الطريق الشمالي، والطريق الجنوبي، والطريق الغربي. يمر الطريق الشمالي عبر الدول الثلاث المجاورة لآسيا الوسطى: تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، ثم ينقل إلى أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وروسيا. وفي طاجيكستان، تمول خلايا إرهابية عدة نفسها من عائدات الاتجار بالمخدرات، بما في ذلك حزب التحرير، وجماعة أنصار الله، وجماعة التبليغ. وفي أفغانستان، تقوم كتيبة الإمام البخاري، وهي جماعة أوزبكية، بنقل الهيروين وتوزيعه.
أما الطريق الجنوبي فيمر عبر باكستان، في منطقة بلوشستان، ويصل إلى الصين وتركيا وأوروبا عن طريق البر، وشرق إفريقيا وأوقيانوسيا وأمريكا عن طريق البحر. ويصل الهيروين المنتج في جنوب شرق آسيا إلى تنزانيا، وينقل بكمياتٍ كبيرة على متن قوارب صغيرة إلى زنجبار أو برًا إلى كينيا. ثم يُرسل إلى موزمبيق ومن هناك ينقل، بحرًا، إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، أو برًا إلى جنوب إفريقيا. وتُعتبر مدينة دار السلام الساحلية المركز الرئيس لتجار المخدرات الأفارقة الذين يسيطرون على تجارة المخدرات الدولية، ويوجهونها من هناك.
الطريق الغربي يقود إلى إيران وشبه القارة الهندية وجنوب القوقاز، وجنوب إيطاليا وألبانيا وصربيا والجبل الأسود ومقدونيا. وتتعاون الجماعات الإسلاموية المسلحة في مقدونيا مع مهربي المخدرات، والتنظيمات الإرهابية، في تأمين عبور الكوكايين الأفغاني مقابل المال.
الماريجوانا والكوكايين والمخدرات الاصطناعية
الماريجوانا مخدر آخر تستغله الجماعات الإرهابية لتمويل نفسها من خلال الضرائب. والطريق الرئيس لتجارتها هو من أفغانستان وباكستان إلى ألبانيا وهولندا، حيث يتم توجيه المخدرات إلى المدن الأوروبية الكبرى. تدير حركة طالبان هذه العملية في أفغانستان، فيما تتولى عسكر طيبة وجيش محمد هذه العملية في باكستان. عسكر طيبة أو “جيش الخير”، هي واحدة من أكبر التنظيمات الإرهابية وأكثرها نشاطًا في جنوب آسيا. وتنشط حاليًا بالقرب من لاهور، باكستان، وفي معسكرات تدريب عسكرية عدة في كشمير.
بالانتقال إلى إفريقيا، تسهل جماعة بوكو حرام وداعش والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة عبور شحنات أمراء الحرب والاتجار بالمخدرات مقابل دفع الضرائب والأسلحة، خاصة فيما يتعلق بالاتجار بالحشيش والكوكايين والقنب والمخدرات الاصطناعية (الترامادول على وجه الخصوص). هذه الضرائب المفروضة على الاتجار بالمخدرات مكّنت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وحركة الشباب من جمع ملايين عدة من اليورو لتمويل أنشطتها وعملياتها. وتغطي طرق تهريب المخدرات دول كثيرة، مثل المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر ومالي والنيجر وغينيا وبنين في غرب ووسط إفريقيا.
كارتلات أمريكا الجنوبية
كثيرًا ما يستهان بالدور الذي تلعبه الكارتلات في أمريكا الجنوبية. وهي تقدم دعمًا حاسمًا للتنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وحماس. والكارتل المكسيكي في سينالوا، والكارتلات الكولومبية؛ هما الأكثر تورطًا في صفقات غير مشروعة مع الجماعات الإرهابية الجهادية، وغسل الأموال وشراء الأسلحة، من خلال دعمهما في الاتجار بالكوكايين من فنزويلا وإكوادور وكولومبيا، حيث يتراوح حجمها بين 50 و70 طنًا سنويًا، ثم توجّه إلى الولايات المتحدة أو عبر بلدان الكاريبي إلى الرأس الأخضر وخليج غينيا، حيث تصل إلى مدن مالي الشمالية مثل جاو أو تمبكتو، ثم إلى شمال إفريقيا وإيطاليا وبقية أوروبا.
وفي أمريكا الجنوبية، هناك منطقة أخرى تلتقي فيها مصالح الجريمة المنظمة، والجماعات الإرهابية الجهادية، وهي منطقة الحدود الثلاثية، المعروفة أيضا باسم فرونتيرا الثلاثية- وهي منطقة تتقاطع فيها حدود باراجواي والبرازيل والأرجنتين. وتنشط في هذه المنطقة منظمات المافيا -لا سيما المافيا الصينية والكورية والتايوانية واللبنانية- وتجار المخدرات وخلايا الجماعات الإرهابية الإسلامية، خاصة تلك المرتبطة بتنظيمي القاعدة وحماس. ومن الجوانب المثيرة للاهتمام غسل الأموال من مبيعات المخدرات، الذي يحدث بشكل خاص في مدينة فوز دو إيجواسو البرازيلية، ومدينة سيوداد ديل إستي في باراجواي.
وتجدر الإشارة إلى أن الكوكايين في أمريكا الجنوبية ينقل على متن سفينة عبر المحيط الأطلسي إلى خليجي غينيا وبنين، ثم ينقل عبر المناطق الساحلية والصحراوية بدعم من الأَدِلاَّء الذين ينتمون لقبائل الطوارق، وحماية المقاتلين التابعين لمختلف الجماعات الجهادية التي تنشط في المنطقة. وبمجرد وصول الكوكايين إلى إفريقيا، ينقل عبر طريقين: الطريق الرئيس عبر موريتانيا ومالي والنيجر، إلى الجزائر، أو من غانا ونيجيريا إلى تنزانيا ومصر وليبيا، حيث ينقل كذلك بالسفن في حاويات من إفريقيا إلى مرافق الفرز التي تمتلكها جماعات المافيا في جنوب أوروبا، لا سيما في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهولندا وبلجيكا.
في أوروبا، يُنقل الكوكايين بطرق متنوعة، بما في ذلك عبر الرحلات التجارية، والنقل الجوي التجاري، والخدمات البريدية، والطائرات واليخوت الخاصة. أما النقل البحري فيستخدم للشحنات الكبيرة. وتشكّل الموانئ الأوروبية الرئيسة، مثل روتردام وأنتويرب، مقاصد مهمة لشحنات الكوكايين. تستخدم عصابات تهريب المخدرات إلى أوروبا الطرق الجوية أيضًا، بشكل أقل، التي تديرها جماعات إجرامية تتألف بالأساس من نيجيريين وغانيين يشحنون الكوكايين عن طريق خدمات البريد السريع. الطريق الثاني يؤدي إلى جنوب إفريقيا، ومن هناك إلى قناة السويس، ثم إلى البلقان وتركيا ورومانيا وبلغاريا.
الطلب على المخدرات وإنتاجها في الشرق الأوسط
بالتحول إلى الشرق الأوسط، يلاحظ أنه إلى جانب الهيروين والحشيش والماريجوانا، شهد الطلب على المخدرات الاصطناعية نموًا هائلًا في السنوات الأخيرة، لا سيما في سوريا ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. يتجاوز استهلاك المخدرات الاصطناعية القيود المفروضة على الكحول والمخدرات الطبيعية.
وعلى الرغم من أن المخدرات محظورة حظرًا باتًا وصريحًا بموجب الشريعة الإسلامية، فإن الأمر نفسه لا ينطبق على المخدرات التي تؤخذ عن طريق الفم. المخدرات الاصطناعية الأكثر استخدامًا هي الكبتاجون والميثامفيتامين. وقد أصبحت سوريا التي مزقتها الحرب أرضية مثالية لإنتاج المخدرات الاصطناعية والاتجار بها، لأنها دولة صناعية نسبيًا ولديها العديد من مصانع إنتاج الأدوية المنتشرة في أجزاء كثيرة من البلاد، حيث لا تخضع لمراقبة قوات الأمن المشغولة حاليًا بالمشاركة في الحرب. ويدير سوق المخدرات الاصطناعية في الشرق الأوسط إلى حد كبير حزب الله، الذي ينتج الميثامفيتامين والكبتاجون في مختبراته، التي توجد في معقله في وادي البقاع، ثم ينقلها إلى دول الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، يدعم داعش ويشجع تجارة المخدرات الاصطناعية في شمال إفريقيا، ومنطقة الساحل، والمنطقة الحدودية الأفغانية-الباكستانية، وذلك مقابل فرض الضرائب على المنتجين والمتجرين. في أوروبا، بالإضافة إلى ما سبق، تنقل المخدرات الاصطناعية عبر الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم إلى ليبيا، ثم تباع إلى منظمات إجرامية إيطالية مثل كالابريا ندرانغيتا وكامورا نابولي.
الخلاصة
لا يرتبط دور الجماعات الجهادية في الاتجار بالمخدرات بإنتاج المخدرات فحسب، بل بالتمويل الذي تحصل عليه من خلال فرض ضرائب على المنتجين في بعض المناطق، والمتجرين في جميع المناطق تقريبًا. وتحصل التنظيمات الجهادية على التمويل من قطاعاتٍ مختلفة من تجارة المخدرات تتراوح من توفير الحماية، إلى الدعم في النقل، إلى الوساطة. ومن ثم، يجب التصدي للاتجار بالمخدرات من خلال ثلاث طرق مختلفة: العسكرية، والتشريعية، والاقتصادية.
أولًا وقبل كل شيء، يجب ألا يقتصر الأمر على مكافحة غسل الأموال فحسب، بل يشمل التصدي إلى العصابات الإجرامية المنظمة أيضًا التي تتعاون مع الجماعات الجهادية، من خلال محاولة تفكيك النماذج الإجرامية التي يمكن للإرهابيين تكرارها بغض النظر عن منطقة عملياتهم الجغرافية. ويجب أيضًا تدعيم الأنشطة والأدوات اللازمة للتحقيق في تمويل الإرهاب المباشر وغير المباشر وتعقبه. ومن الضروري تعزيز الأدوات التكنولوجية في الموانئ والمطارات والجمارك.
فيما يتعلق بمنطقتي الساحل والصحراء، يجب أن تسعى دول المنطقة والجهات الفاعلة الدولية الموجودة هناك لتعزيز الاستخبارات المحلية، وأنشطة الرقابة المالية، ومكافحة الفساد، وأجهزة إنفاذ القانون، والقوات الخاصة، بهدف التصدي، باستمرار وفعالية، للجماعات الجهادية الكثيرة التي تنشط في المنطقة، ومنع عمليات الاتجار غير المشروع المذكورة آنفًا كافة.
في حالة أفغانستان والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية تحديدًا، يمكن اتخاذ إجراءاتٍ اقتصادية لدعم سياسات الرعاية الاجتماعية للمزارعين أو لتمويل سياسة زراعية مختلفة، حتى لا يجبروا على زراعة المواد الخام التي تستمد منها المخدرات من أجل البقاء. ويلزم أيضًا التدخل لمكافحة الفاسدين الذين يفضلون نقل المخدرات إلى خارج دولهم.
*باحث ومحلل أول في شؤون الجهاد والإرهاب بمركز Analytica for Intelligence and Security Studies