“عمل عضوًا في الشرطة الوطنية الإسبانية من 1972 إلى 1983؛ بعدها أخذ إجازة لمدة عقد من الزمان، وخلال هذه الفترة أصبح رجل أعمال، يدير قرابة ستٍّ وأربعين شركة مختلفة بأسهم تزيد قيمتها على ستة عشر مليون يورو؛ وأعيد في عام 1993 إلى العمل، ووصل أخيرًا إلى منصب مفوض الشرطة”.
هذا، باختصار، هو الجزء الأول من حكاية خوسيه مانويل فياريخو بيريز. لكن في وقتٍ لاحق، ستصبح الأمور أكثر إثارة للاهتمام. بدءًا من عام 2014، تورط فياريخو في سلسلةٍ من القضايا الجنائية، حيث وجهت إليه تهمٌ بإفشاء أسرار الدولة، وعضوية تنظيم إجرامي، وغسل الأموال. كان لدى فياريخو مخزن من المحادثات المسجلة المتعلقة بالنخبة الإسبانية، وفي عام 2017، في محاولةٍ لإخراج نفسه من عملية التحقيق، سرّب محادثة حول ملك إسبانيا السابق، خوان كارلوس، الذي أشرف على الانتقال بعد الجنرال فرانكو في عام 1975 وحكم حتى تنازله عن العرش في عام 2014. ويبدو أن المحادثة أظهرت عشيقة سابقة لكارلوس، كورينا زوساين فيتجنشتاين، تتحدث بصراحةٍ عن علاقتهما معًا، وحول تلقي كارلوس رشاوى كبيرة من حكومات عربية. لكن كارلوس أنكر كل هذه المخالفات.
اعتقل فياريخو بعد تسعة أشهر، في 3 نوفمبر 2017، كجزء من التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام لمكافحة الفساد. أدّى تسريب المحادثة، من بين إجراءات أخرى، إلى توجيه مجموعة من التهم إلى فياريخو، بما في ذلك تسجيل المحادثات الرسمية، والتلاعب بها، ونشرها بشكل غير قانوني.
دفاعًا عن نفسه، جادل فياريخو بأنه تصاحب مع زوساين فيتجنشتاين، وتسلل إلى دائرتها الخاصة لمعرفة المعلومات الحساسة عن الملك، بناء على تعليمات فيليكس سانز رولدان، جنرال متقاعد الآن في الجيش الإسباني كان يشغل في ذلك الوقت مديرًا لمركز الاستخبارات الوطني، في الفترة بين عامي 2009 و2019. كما ادّعى فياريخو أن التسجيلات التي ضبطت لديه عندما ألقي القبض عليه، التي يبدو أنها تجرمه، كانت عبارة عن عمليات لمركز الاستخبارات الوطني. وقال في المحاكمة: “لقد راقبوني، على الرغم من أنهم أعطوني التسجيلات من أجل سلامتي”.
بيد أن الأدلة التي جمعت أثناء التحقيق القضائي لا تشير إلى مركز الاستخبارات الوطني في أي قضية، وقد أظهر فياريخو عدم دقة واضحة في الحقيقة. على سبيل المثال، في شرح روايته عن الأحداث لصحيفة “إل باييس”، قال فياريخو إن “الغالبية العظمى من التسجيلات ليست لي، بل هي من مركز الاستخبارات الوطني. في عام 2001، بدأت في الحفاظ على علاقاتي مع دول عربية، عندما قرر مركز الاستخبارات الوطني أنه من الأفضل إبقائي مراقبًا على مدار 24 ساعة في اليوم، وهو ما قبلته لأنني اعتقدت أنهم لن يكونوا أبدًا بهذا الجنون”.
ومع ذلك، ففي المقابلة نفسها، قال فياريخو: “لقد كان أرشيفي الشخصي. اعتقدت أنه عندما أبلغ الثمانين من عمري، سأكتب مذكراتي في هدوء، سأكتب تاريخ إسبانيا الحقيقي، وعلى أي حال كنت قد تحدثت بالفعل إلى عددٍ من الناس للبدء في كتابة مذكراتي بعد التقاعد طالما أنها لن تنشر قبل عام 2040 على أقرب تقدير”.
استمع موقع “عين أوروبية على التطرف” باهتمامٍ خاص إلى تصريحات فياريخو حول هجمات الجماعات الجهادية على برشلونة وكامبريلز في 17 أغسطس 2017. وخلال المحاكمة، ادّعى فياريخو أن جهاز الاستخبارات الإسباني كان يعلم أنه يجري إعداد هجوم، وترك الخطة مستمرة، بهدف زعزعة استقرار الحكومة الكتالونية. وأعلن المفوض السابق أن الأمر “في النهاية، كان خطأ جسيمًا ارتكبه السيد سانز رولدان، الذي أخطأ في تقدير العواقب المترتبة على بثِّ القليل من الذعر في كاتالونيا”.
وبصرف النظر عن عدم إمكانية تصديق مثل هذا الادّعاء، كان فياريخو قد تقاعد في أغسطس 2016، لذلك عندما وقعت تلك الأحداث لم يكن في وضعٍ يسمح له بالوصول إلى نوع المعلومات المباشرة التي سيحتاجها لتقديم مثل هذا الادعاء الخطير.
على الرغم من الافتقار التام إلى الأدلة، كان لمزاعم فياريخو تأثير خطير على السياسة الإسبانية. وطالبت الحكومة الكتالونية بإجراء تحقيقٍ عاجل في الأحداث. واستغلتِ العديد من الشخصيات البارزة في السياسة الكتالونية، خاصة الانفصاليين، مزاعم فياريخو في حربها السياسية ضد حكومة مدريد.
كان الانفصاليون الكتالونيون قد حثوا إسبانيا بالفعل على التحقيق في الصلات المزعومة بين أجهزة الاستخبارات وعبد الباقي الساتي؛ الإمام الذي يعتبر العقل المدبر لهجمات أغسطس 2017، الذي لقي حتفه في انفجار عرضي في مدينة الكانار، عندما أساءت الخلية الإرهابية التي كان جزءًا منها التعامل مع بعض معدات صنع القنابل في اليوم السابق للفظائع التي وقعت في برشلونة. وبعد تصريحات فياريخو، طالب رئيس إقليم كتالونيا الحالي، بيري أراغون، مدريد بالتحقيق في القضية مرة أخرى.
نظرية المؤامرة التي يؤججها فياريخو هي الادّعاء بأن الشرطة الإسبانية أخفت ملف الساتي حتى لا يعرف أحد أن الساتي كان مخبرًا لأجهزة الاستخبارات. تشير هذه الرواية أيضًا إلى أن جهاز الاستخبارات الإسباني تنصت على هواتف الإرهابيين قبل خمسة أيام من الهجمات؛ في الواقع، بدأ جهاز الاستخبارات في تتبع مكالمات الإرهابيين بعد الهجوم.
في هذا الصدد، يشرح أوسكار لوبيز فونسيكا، الصحفي في صحيفة “إل باييس” ما حدث لـ”موقع عين أوروبية على التطرف”:
“التحقيق القضائي الذي دام قرابة خمس سنوات في أنشطة أحد كبار قادة الشرطة الإسبانية خوسيه مانويل فياريخو مكّن من كشف ليس فقط مؤامرة “مافيا شبه شرطية” يزعم أنها أثرت نفسها ببيع معلومات سرية عن أشخاص، بل أيضًا عن الأنشطة التي يفترض أنها مخالفة التي قام بها ضابط الشرطة هذا خلال عشرين عامًا لصالح مختلف الحكومات. لقد اكتنز فياريخو، الذي يحاكم حاليًا على جزء من أنشطته، مئات الساعات من الصوتيات التي سجلها خلسة لسياسيين ورجال أعمال وصحفيين وسياسيين ومدعين عامين ومحامين وضباط شرطة آخرين”.
على غرار ذلك، يحذر الدكتور كارلوس إيجوالادا؛ مدير المرصد الدولي لدراسات الإرهاب:
“القضية المتعلقة بفياريخو معقدة وحساسة للغاية. لقد كان من أعضاء اللجنة الوطنية للشرطة، وقد تورط في عدة مؤامرات إجرامية مزعومة تنطوي على معاملة تفضيلية للسياسيين الإسبان. ولهذا السبب، كان في السجن على مدى السنوات القليلة الماضية. أعتقد أن اهتمام عين أوروبية على التطرف ينبع مما قاله مؤخرًا عن هجمات برشلونة وكامبريلز. أنا لا أولي اهتمامًا كبيرًا له: لقد قال فياريخو أشياء مختلفة كثيرة -دون تقديم أي دليل- وأعتقد أن ما يقوله لا يتمتع بمصداقية تُذكر. وعلى أية حال، فإن مثل هذه التصريحات تهدف إلى تقويض مصداقية المؤسسات الإسبانية، وأعتقد أنه لا يحترم ضحايا الهجوم”.
في السنوات القليلة الماضية، تكهن بعض المحللين والمعلقين الإعلاميين بأن هجمات أغسطس 2017 كانت تهدف إلى التدخل في استفتاء استقلال كتالونيا، الذي كان مخططًا له في 1 أكتوبر 2017. وهذا ليس مستغربًا، ولا تزال هناك حالة من عدم اليقين لأن إسبانيا لم تجرِ قط تحقيقًا علنيًا كاملًا في القضية.
لو كان فياريخو قد اقتصر على مجرد دعوة الحكومة الإسبانية إلى إجراء تحقيق كامل ومستقل وعلني في هجمات أغسطس 2017، لما كانت هناك مشكلة.
القضية هي أن فياريخو ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، مستغلًا وضعه كمسؤول سابق في الشرطة لإلقاء اتهام شائن ضد الدولة الإسبانية، مع عدم وجود أي دليل على ذلك. في عصر أصبحت فيه كل حقيقة موضع خلاف، يجب أن تحتل نزاهة المصدر مكانة بارزة في تقييم الادعاءات التي المقدمة، وفي التحليل النهائي يمكن القول إن فياريخو مصدر سيئ السمعة.