قبل أسابيع قليلة، عُقد مؤتمر في إسطنبول نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية؛ المعروفة باسم “ديانت”، بالتعاون مع المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث. وعلى الرغم من أن الاجتماع كان يتعلق في ظاهره بأوقات الصلاة فقط، فإنه يثير مخاوف بشأن تقارب الاستراتيجيات الإسلاموية في أوروبا. وقد حدث تلاقٍ ملحوظ في مواقف المنظمتين اللتين استخدمتا الخطاب نفسه في بيانيهما الختاميين. وظهر التعبير عن هذه المصالح المشتركة بشكلٍ متنام في السنوات العديدة الماضية.
تجدر الإشارة إلى أن المسلمين من شمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وتركيا، يشكلون غالبية المسلمين في أوروبا. وغالبًا ما تُقدم رئاسة الشؤون الدينية التركية نفسها باعتبارها جماعة مستقلة ذاتية التنظيم للمسلمين من أصل تركي، ولكنها في الواقع تتبع الحكومة التركية مباشرة. وغالبًا ما ترسل أئمتها إلى الجاليات التركية التي تعيش في الخارج، الذين يحاولون بدورهم كسب ود تلك المجتمعات من خلال إظهار التدين والتقوى.
ومع ذلك، وبمجرد كسب ود المجتمع، يبدأون في تنفيذ أجندة محسوبة، تبالغ في دور القومية التركية في العلاقة التي تربط بين تركيا- الإسلام. في هذه الأيديولوجية، لا يُنظر إلى الأتراك إلا على أنهم مسلمون، ومهمتهم الخاصة هي نشر الإسلام وتطبيقه.
ورغم أن الحكومات الأوروبية المختلفة قد تعاملت مع المجتمعات التركية الأصل في أوروبا بشكل مختلف، فإنها تنظر إليهم، بشكل عام، على أنهم شركاء ونماذج على الاندماج الناجح للمسلمين في المجتمع الأوروبي. وقد تدخل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث -الذي أسسه وترأسه لفترة طويلة جدًا يوسف القرضاوي العقل المدبر لجماعة الإخوان المسلمين- للعمل مع جميع المسلمين، بغض النظر عن موطنهم الأصلي. يتبع المجلس نهجًا عابرًا للحدود الوطنية، ويضم علماء من جنسيات مختلفة، بمن فيهم ممثلون عن رئاسة الشؤون الدينية التركية.
العلاقة التكافلية الحالية بين المنظمتين هي نتاج لعملية توحيد المصالح المشتركة وتعزيزها، نُفِّذت على مدار السنوات الخمس الماضية. وخلال هذه الفترة، زار العديد من المُنظرين البارزين لجماعة الإخوان المسلمين مساجد رئيسة في دول أوروبية مختلفة.
كما حضر المؤتمر الأخير في إسطنبول عناصر مشهورة من جماعة الإخوان المسلمين، مثل القيادي في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث علي القره داغي، الذي شغل بالفعل العديد من الأدوار الرئيسة في التنظيم. كما حضر خالد حنفي؛ رئيس الفرع الألماني للمجلس، وعميد المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومقره فرانكفورت، الذي يعتبره مكتب حماية الدستور في ولاية هيسن كادرًا في جماعة الإخوان المسلمين. والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية هو جزء من شبكة من المؤسسات التعليمية المقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين.
علاوة على ذلك، كان أتباع جماعة الإخوان المسلمين السورية حاضرين بشكل ملحوظ. ولهذه المجموعة علاقات جيدة وقوية بشكل خاص مع الحكومة الألمانية، ونظمت مؤتمرًا مماثلًا في مقرها الرئيس في ألمانيا في عام 2018، لكن لم يتم التدقيق في هذه الأنشطة.
ينبغي أن يثير المؤتمر قلق الحكومات الأوروبية من أن مثل هذه الجماعات تشكّل تهديدًا، ويمكن أن تخلق خلافات في المجتمع الأوروبي، من خلال الترويج لأجندة وهوية إسلاموية. وفي حين اعتبرت بعض الحكومات هذه الجماعات أمثلة على الاندماج الإسلامي الناجح في المجتمع، فإنه لا ينبغي أن تنخدع بذلك.
ومن جانبها، أخذت فرنسا على عاتقها مكافحة الإسلام السياسي، والنزعة الانفصالية الاجتماعية، وضيّقتِ الخناق على قدرة جماعة الإخوان المسلمين على العمل على أراضيها. بل وذهبت الحكومة الفرنسية إلى حد تجميد الحسابات المصرفية لفرع رئاسة الشؤون الدينية التركية في فرنسا في عام 2020.
يجب على أوروبا ألا تغضَّ الطرف عن التعاون المتزايد بين الجماعات الموالية للإخوان المسلمين التي تطوّر هوية مشتركة عبر وطنية، وتزداد مصالحها وأجندتها تقاربًا.
والأمل معقود على أن تلحق دول أوروبية أخرى بما أدركته فرنسا، وتتوقف عن النظر إلى هذه الجماعات على أنها قوى معتدلة ونماذج على الاندماج الإسلامي الناجح، قبل فوات الأوان.