لورينزو فيدينو
جرى تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة من متطرفين معروفين لدى السلطات، فلماذا لم تتدخل أجهزة الأمن في الوقت المناسب؟
في الواقع، تقدّم بعض المراجعات الخاصة بعمليات مكافحة الإرهاب التي أعقبت تلك الهجمات العديد من النواقص والأخطاء التكتيكية؛ فعلى سبيل المثال، تقول المراجعة التي أعقبت هجوم 2017 في المملكة المتحدة إن جهاز الأمن البريطاني السري قد أهدر فرصة مراقبة سلمان عبيدي، الذي قتل 22 مواطنًا في ساحة مانشستر.
محدودية الإجراءات
يمكن القول إن إجراءات أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون الغربية محدودة بسبب عدد من العوامل. وهذا يساعد في تفسير سبب تمتع الأفراد المعروفين بـ”تطرفهم” لدى السلطات بالحرية، وفي بعض الأحيان القدرة على شن هجمات مستقبلية. وبالطبع، تختلف الأسباب الدقيقة من بلد لآخر، ولكن هنالك عاملين رئيسيْن متداخليْن يمنعان السلطات من “القيام بشيء” بشأن المتطرفين المعروفين.
أولًا: إن الحماية القانونية في الديمقراطيات الغربية تمنع السلطات من اعتقال أفراد بسبب معتقداتهم. في دول أوروبا، هنالك حق في أن تكون راديكاليًا، وأن تعبر عن وجهات نظر منحرفة وشاذة عن الأغلبية. وعلى عكس الأنظمة الاستبدادية، فإن التعبير عن هكذا آراء لا يكون عادة ضد القانون. ومع ذلك، وفي بعض الظروف، وفي بعض الحالات التي يصعب إثباتها، يمكن اعتبار التعبير عن وجهات نظر متشددة مذنبة بالتحريض والتجنيد وجرائم الكراهية. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، جرى سجن الواعظ المتشدد آنجم تشاودري بسبب دعواته لمناصرة تنظيم الدولة الإسلامية.
إن ما يمكن للسلطات أن تفعله عند تحديد فرد متطرف هو مراقبته فحسب. لكن حتى لو تلقت الأجهزة الأمنية أوامر قضائية لازمة لعمليات المراقبة، فإن مسؤولي إنفاذ القانون والمخابرات سيواجهون المشكلة الثانية: الموارد النادرة. في الحقيقة، التجربة الفرنسية الأكثر وضوحًا من تجربة جميع البلدان الغربية الأخرى تعكس هذا التحدي تمامًا.
تدرج السلطات الفرنسية حاليًا أكثر من 20,000 مواطن في فئة “فيش إس”، وهي الفئة المستخدمة للدلالة على الأفراد المتطرفين. شملت هذه القائمة “شريف شيكات” الذي قتل بالرصاص من قبل الشرطة بعد مواجهة رجال الأمن في شارع ستراسبورغ مساء الخميس الماضي.
لكن رصد كل هذه الأعداد من الناس المتطرفين يشكل تحديًا كبيرًا لا يمكن التغلب عليه. إن المراقبة المكثفة للمشتبه به على مدار الساعة تتطلب عادة حوالي 25 مسؤولًا في اليوم الواحد. وبالتالي، فإن مراقبة 20,000 متطرف على مدار الساعة تتطلب نصف مليون من مسؤولي الاستخبارات. في المملكة المتحدة، يقول جهاز الاستخبارات البريطاني إنه يدير “ما يزيد عن 500 عملية حية، تشمل 3000 فرد معروفين بانخراطهم بنشاطات متطرفة بطريقة أو بأخرى”.
وبسبب حجم أعداد المشتبه بهم، تقوم السلطات بتقسيمهم إلى طبقات، وفقًا لتقييم ميولهم لارتكاب العنف، وكذلك وفقًا للموارد المتاحة في الوقت الحقيقي. في معظم الحالات يكون التقييم صحيحًا، ولكننا نادرًا ما نسمع عنه. ولكن عندما تفشل السلطات في تقييمها، فسرعان ما نشهد هجومًا عليها.
مفاجئ وغير متوقع
تناضل السلطات الغربية باستمرار في كيفية التعامل مع الأفراد في تلك المنطقة الرمادية: أي أولئك المتطرفين الذين لم يرتكبوا جرائم ذات صلة بتطرفهم.
أصبحت هذه المشكلة أكثر دراماتيكية في السنوات الأخيرة بسبب زيادة عدد المشتبه بهم بشكل ملحوظ. وبالطبع، ازدادت هذه المشكلة صعوبة بعد أن تحولت الكلمات إلى أفعال – تنفيذ هجمات مفاجئة غير متوقعة وغير متنبأ بها. وقد شملت هذه النوعية من الهجمات أسلحة غير معقدة، وخططًا هجومية بسيطة انطوت على استخدام سكاكين وشاحنات. هكذا هجمات تفتقر إلى التخطيط المكثف الذي ميز معظم الهجمات الإرهابية في السنوات السابقة، وهذا ما يجعل إمكانية الكشف عنها أمرًا في غاية الصعوبة.
في إيطاليا، على سبيل المثال، تقوم السلطات بعمليات ترحيل إدارية للمتطرفين المعروفين ممن لا يمتلكون الجنسية الإيطالية: حوالي 350 شخصًا في السنوات الثلاث الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذا التوجه لا يتعامل مع المشكلة من جذورها، لأن غالبية الهجمات الإرهابية في أوروبا يجري تنفيذها من قبل مواطنين أوروبيين.
أما المملكة المتحدة فتستخدم تدابير مكافحة الإرهاب والتحقيق بتفويض من المحاكم للحد من تحركات واتصالات المتطرفين المعروفين. بينما لجأ المدعون العامون في بلدان أخرى إلى اعتقال بعض الأفراد المتطرفين بسبب جرائم تتعلق بالإرهاب، مثل التهرب الضريبي وانتهاك قوانين الأسلحة.
هذه الأساليب تخفف من حدة المشكلة، ولا تحلها في نهاية المطاف؛ فهنالك حدود لمقدار ما يمكن أن تقوم به الدول الديمقراطية لمحاربة الإرهاب. لقد اعتدنا سماع مناشدات هنا وهناك تدعو إلى سجن “كل المتطرفين” عند حصول هجوم إرهابي على يد شخص معروف مسبقًا بآرائه المتطرفة، ولكن هنالك خطوطًا حمراء لن تتخطاها الدول الديمقراطية.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا