جورج لوندسكو*
حادثة إطلاق نارٍ جماعي أخرى في الولايات المتحدة، هذه المرة، أطلق شاب يبلغ من العمر 21 عامًا النار في 22 مارس على متسوقين في سوبر ماركت في حي بولدر، بولاية كولورادو، قرابة الساعة 14:30 بالتوقيت المحلي، ما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص. كان هذا هو إطلاق النار الجماعي السابع خلال سبعة أيام، وكان هناك أربع حوادث إطلاق نار أخرى قبل ذلك منذ الأول من يناير 12021.
وفي 24 مارس، بعد مرور يومين من الحادث الذي وقع في مدينة بولدر، أحبط رجل إطلاق نارٍ جماعيًا آخر على ما يبدو في سوبر ماركت في ضواحي مدينة أتلانتا، عندما سمع شخصًا يحشو أسلحته بالرصاص في حمامٍ عام، واعترضت الشرطة المهاجم الوشيك لدى خروجه من الحمام2. كما أدى إطلاق نار عشوائي، لم يكن متعمدًا، إلى مقتل شخصين وجرح ثمانية في حادثين منفصلين في 26 مارس في شاطئ فرجينيا، عندما خرجت حفلات عطلة الربيع عن السيطرة على ما يبدو3.
التفاصيل مختلفة، وجوهر القصة واحد. رجل يطلق النار، ويقتل عددًا من الأشخاص. استجابة المسؤولين الحكوميين هي نفسها دائمًا: نقدم تعازينا وصلواتنا إلى الضحايا وأسرهم. والاستجابة من جانب سلطات إنفاذ القانون المحلية هي نفسها دائمًا: فهم ما زالوا يبحثون عن دافع وراء الحادث. إنهم يبحثون في كل مكان، في محاولاتٍ بائسة عن شيء يشير إلى أن ما وقع حادث منعزل: نتيجة مرض عقلي، تعاطي مخدرات، اكتئاب، توّحُد، لون من الانتماء السياسي المتطرف. هذه التفسيرات هي أمور عارضة، وليست سببية.
لفهم عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة، نحتاج إلى شرح العامل المشترك بدلًا من الخصوصيات الفردية، وهو أن الذكور هم في الأغلب منفذو هذا النوع من العمليات. منذ عام 1966، ارتكب الرجال 97.4% من عمليات إطلاق النار الجماعي كافة4. الأمر لا يقتصر على مُطلقي النار في حوادث القتل الجماعي. الرجال يطلقون النار على الناس في حالات الخلافات التي تندلع بين السائقين على الطرقات، والسرقات، والعنف المنزلي. وبالاستعانة بتقرير الجريمة الموحدة الذي يصدره مكتب التحقيقات الفيدرالي5، توصلت إلى أن الرجال ارتكبوا 91.3% من جرائم القتل جميعها في عام 2019 (آخر تقرير متاح) و81.2% من جرائم العنف جميعها، وذلك باستخدام أداة تحليل بيانات مكتب الإحصاءات التابع لوزارة العدل6.
التوافر الواسع النطاق للبنادق يجعل من السهل إزهاق الأرواح، لكن لماذا الذكور الأمريكيون لديهم مثل هذه الإرادة والرغبة في القتل؟ حوادث إطلاق النار متكررة ومنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث لا يمكن اعتبارها انحرافًا أو شذوذًا على القاعدة. في حالة إطلاق النار الجماعي، اسمحوا لي بالقول إن المجتمع الأمريكي يخلق تيارًا رئيسًا من الأشخاص الذين يرتكبون العنف ضد الآخرين عشوائيًا كتأكيد على هيمنة الذكور على أي شخص يتمتع بسلطة أقل. في هذا النموذج، حوادث إطلاق النار هي تعبير عن الهوية الذكورية في الولايات المتحدة -تعبير متطرف- ولكن مع ذلك يشكل جزءًا كبيرًا جدًا من النزعة الذكورية الأمريكية، اليوم وفي الماضي.
لقد وسم استخدام السلاح الاتصال المبكر واللاحق مع القبائل الأمريكية الأصلية. بدأ هذا بعد وقتٍ قصير من إنشائهم أول مستعمرة فيما سيعرف في المستقبل باسم الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1609، اتضح أن المستوطنين الإنجليز من مستعمرة “جيمستاون” في ولاية فرجينيا غير قادرين على إعالة أنفسهم. لذا، أمر الحاكم جون سميث رجالًا مسلحين خلال ذلك الشتاء -“وقت انتشار الجوع”- بالاستيلاء على مخازن الأغذية في مجتمعات بوهاتان (السكان الأصليون) القريبة، واستخدام القوة المميتة إذا قاوم الهنود7. وسوف تتوسع المستعمرات الإنجليزية من خلال الغزو بقوة السلاح على مدار الـ 300 سنة التالية، متبعة النموذج الذي أرساه الإسبان خلال قرون سابقة. وبحلول أواخر القرن الثامن عشر، أصبح ملاحقة الهنود مهنة مربحة، كانت بمنزلة لعبة شائعة، بل أصبحت هواية. استمرت الإبادة الجماعية من خلال أحداث مثل “درب الدموع” (Trail of Tears) -سلسلة من مسيرات الموت في منتصف القرن التاسع عشر التي أدت إلى النزوح القسري للعديد من الشعوب الأصلية، وقتل مئات الآلاف- وعبر حروب مختلفة، بلغت ذروتها بمأساة قبائل الياهي (Yahi) في كاليفورنيا في نوفمبر 81908.
بعبارةٍ أخرى، كانتِ المستعمرات الإنجليزية والولايات المتحدة، في وقتٍ مبكر، أمةَ تخومٍfrontier nation (أي ذات نزعة توسعية) من الغزاة. كان مصطلح “ترويض الأرض” يعني الذبح الجماعي للبشر، وللحياة البرية. أنشأت أمة التخوم تلك “أمة تستخدم الأسلحة في القتل”، بحسب وصف ريتشارد سلوتكين9، حيث استخدم الرجال قوة الحياة والموت في صراع مرير من أجل البقاء، أو على الأقل هذه هي الطريقة التي مجدتها الثقافة الأمريكية في وقتٍ لاحق.
في نهايةِ المطاف، أغلقت التخوم، وأنهتِ الحرب الأهلية الوحشية العبودية في عام 1865. ومنذ ذلك الحين، ترسّخت البنادق كرمزٍ مقدس للنزعة القومية الذكورية البيضاء، ومؤخرًا، للقوة الذكورية بشكل عام. فرض البيض قوانين جيم كرو (الفصل العنصري)، وأرهبوا السود من خلال الاغتصاب، والقتل، والسجن الجماعي على نطاقٍ واسع الذي سرعان ما حوّل العبيد المحررين وذريتهم إلى شعبٍ مضطهد لا يمكن تمييزه عن العبيد. ومجّدت الحروب الخارجية العنفَ باعتباره الحل الأول والأفضل لأي شيء والوسيلة للحصول على ما يرغب فيه، سواء على المستوى السياسي أو الشخصي، وعادةً ما يكون مزيجًا من السلطة والثروة والمكانة.
على المستوى الفردي، لدى كل شخص من مطلقي النار بشكلٍ جماعي مزيج فريد من المظالم، بما في ذلك التطلعات الفاشلة، وكما يبدو في إطلاق النار في مدينة بولدر، نجاح مالي أقل من المنشود. وأيًا كانت المظالم، فإن العنف الذكوري المسلح هو العامل المشترك. كانت حالة الارهاصات الأولى لاستخدام البنادق هي إطلاق النار في مدرسة سانديهوك الابتدائية في نيوتاون، في 14 ديسمبر 2012. قتل مطلق النار عشرين طفلًا تتراوح أعمارهم بين ست وسبع سنوات من العمر، بالإضافة إلى ستةٍ من أعضاء هيئة التدريس والموظفين.
ما هو الأهم بالنسبة للأمريكيين، حياة أطفال المدارس الابتدائية، أم حقوق ملكية السلاح؟ كان الرد على الصعيد الوطني هو توسيع نطاق حقوق “حمل السلاح بشكل مرئي في الأماكن العامة”، وتسهيل ملكية الأسلحة النارية في ولايات متعددة، وليس تقييدها بأي شكلٍ من الأشكال10. مالكو الأسلحة يجادلون أن الأخطار التي يظهرها حدث مثل سانديهوك يعني أن الأمر الأكثر الأهمية هو أن البنادق تصل للأشخاص الذين يلتزمون بالقانون، والشخص المتهكم يقول إن ملكية السلاح حظيت بالأولوية على حياة الأطفال.
الأسلحة لا تحمل نفسها بالطبع، ومن منظور اجتماعي ونفسي، فإن حماية الأسلحة تعني حماية حاملها، وهو ما يعني هوية ذكورية تخاف من العالم وتكرهه، وتتوق إلى اليوم الذي يمكنها فيه تنفيذ العدالة العنيفة. يظهر البحث الذي أجرته أنجيلا ستراود11 وآخرون أن “مالكي الأسلحة من الأخيار”، و”مالكي الأسلحة من الأشرار”، يتشاطرون السمات الشخصية الاجتماعية-النفسية ذاتها، المتجذرة في القلق والاستياء- مخاوف من نظرة الضعف، الفشل في تحقيق النجاح أو الأسوأ تفوق شخص /أشخاص آخرين، والرغبة في العمل -ليصبح “رجلًا حقيقيًا”- لوضع الأمور “في نصابها”، أي في صالحه.
لا شك أن الغالبية العظمى من أصحاب الأسلحة الذكور لا يهددون أو يقتلون أي شخص: فهم ملتزمون بالقانون تمامًا، كما تشير بسرعة ودقة جماعات الضغط التي تعمل لصالح حمل الأسلحة كلما اقترح شخص ما فرض أي ضوابط ولو طفيفة على امتلاكها، وهو احتمال غير مرجح نظرًا للتعديل الثاني للدستور الأمريكي وتفسيره على مدى العقود القليلة الماضية الذي يكفل حق الأفراد بصورة تبدو غير مقيدة في امتلاك السلاح وحمله.
ويمكن القول إن التعديل الثاني هو أثر قانوني من ظرفٍ مضى، أي “عصر التخوم”، ولكن ذلك لا يحدث أي فرق عملي: فهو موجود وباق. علاوة على ذلك، فإنه يؤكد هذه النقطة: مع استثناءاتٍ نادرة وقليلة، لقد كان جميعُ مطلقي النار ملتزمين بالقانون، حتى بدأوا بإطلاق النار. وهذا يتركنا مع السؤال التالي: أيٌّ من أصحاب الأسلحة الحاليين الملتزمين بالقانون سيكون مطلق النار القادم؟
* أستاذ علم الاجتماع في جامعة جراند فالي في ألينديل، ولاية ميشيجن.
المراجع:
[1] Rocha, Veronica, Elise Hammond, Joshua Berlinger, and Adam Renton. 2021. “Multiple Dead In Shooting At Colorado Supermarket.” CNN: https://www.cnn.com/us/live-news/colorado-king-soopers-shooting/index.html
[2] Andone, Dakin. 2021. “An Instacart Shopper Believed He Heard Someone Loading Guns In A Bathroom Stall. Police Arrested A Man With 6 Guns.” CNN: https://www.cnn.com/2021/03/26/us/atlanta-guns-supermarket-witness/index.html
[3] Romero, Dennis. 2021. “Two Killed, Eight Injured In Separate Shootings Near Virginia Beach’s Oceanfront.” NBC News Online: https://www.nbcnews.com/news/us-news/several-injured-virginia-beach-shooting-police-say-n1262244
[4] Berkowitz, Bonnie, and Chris Alcantara. 2021. “The Terrible Numbers That Grow With Each Mass Shooting.” The Washington Post: https://www.washingtonpost.com/graphics/2018/national/mass-shootings-in-america/
[5] FBI-UCR. 2021. Crime in the United States: Expanded Offense. https://ucr.fbi.gov/crime-in-the-u.s/2019/crime-in-the-u.s.-2019/topic-pages/expanded-offense
[6] BJS 2021. Arrest Data Analysis Tool. https://www.bjs.gov/index.cfm?ty=datool&surl=/arrests/index.cfm#
[7] Dunbar-Ortiz, Roxanne. 2014. An Indigenous Peoples’ History of the United States. Boston, MA: Beacon Press.
[8] Hitchcock, Robert, and Charles Flowerday. 2020. “Ishi and the California Indian Genocide as Developmental Mass Violence.” Humboldt Journal of Social Relations (42): 69-85.
[9] Slotkin, Richard. 1998. Gunfighter Nation: The Myth of the Frontier in Twentieth-Century America. Norman, OK: University of Oklahoma Press.
[10] Associated Press. 2015. “States Expanded Gun Rights After Sandy Hook School Massacre.” NBC News Online: https://www.nbcnews.com/news/us-news/states-expanded-gun-rights-after-sandy-hook-school-massacre-n479216
[11] Stroud, Angela. 2012. Good Guys with Guns: Hegemonic Masculinity and Concealed Handguns.” Gender & Society, (26) 2: 216-238.