أديتي بهادوري*
رحَّبتِ الهند بالقرار التاريخي الذي أعلنته إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بتطبيع العلاقات بشكلٍ كامل. وبعد وقت قصير من الإعلان عن هذه الخطوة في شهر أغسطس، اتصل وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان بنظيره الهندي جايشنكر لإِطلاعه على تطورات الوضع.
وفي هذا الصدد، قال أنوراغ سريفاستافا المتحدث باسم وزارة الشئون الخارجية الهندية “لقد دعمتِ الهندُ باستمرار السلامَ والاستقرار والتنمية في غرب آسيا، التي تمثل جوارها الممتد. وفي هذا السياق، نرحب بالتطبيع الكامل للعلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. الدولتان شريكان استراتيجيان رئيسان للهند”، وأضاف أن الهند “تواصل دعمها التقليدي للقضية الفلسطينية.. وتأمل أن يتم استئنافٌ مبكرٌ للمفاوضات المباشرة فيما يتعلق بحل الدولتين”.
الجدير بالذكر أن العلاقات مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تشكّل الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للهند في المنطقة. ومن المهم الإشارة إلى أن الهند لم تنشئ علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل إلا بعد مؤتمر مدريد في عام 1991 وإقامة هذه العلاقات من قبل بلدان عربية مثل مصر والأردن. ومنذ ذلك الحين، كان عليها أن تحافظ على توازن حساس بين إسرائيل والعالم العربي. ولذلك، رحبت الهند بإعلان اتفاق إبراهيم، خاصة أنه لم يقلل من التطلعات أو التوقعات الفلسطينية، وتمكنه من وقف خطط الضم الإسرائيلية.
غير أن هناك عددًا من الأسباب الأخرى التي جعلت الهند ترحب بتطبيع العلاقات بين البلدين في الشرق الأوسط، وهو أنه سيعزز التعاون الثلاثي والأمن الإقليمي.
تمهيد الطريق للتعاون الثلاثي
لقد عمّقتِ الهند والإمارات العلاقات الثنائية وعززتاها على مر السنين، ولم تكن علاقتهما أبداً أفضل مما هي عليه اليوم. ذلك أن الهند تعتبر غرب آسيا جوارها الممتد، وتمتد العلاقات بين الدولتين عبر قرون. ومع اكتشاف النفط وأعمال التطوير الواسعة التي قامت بها دولة الإمارات، كانت الهند مصدر عدد كبير من القوة العاملة لديها. إذ يشكل الهنود أكبر جالية للمغتربين في الدولة، حيث ترسل هذه الجالية تحويلات ضخمة إلى الوطن. وشكّل هذا المجتمع جسرًا رئيسًا بين الهند والإمارات.
وفي الآونة الأخيرة، ارتقتِ العلاقات مع دولة الإمارات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، التي شملت قطاعات التجارة والاستثمار والثقافة والدفاع والتعليم والعلوم والتكنولوجيا. وتعتبر الهند أحد أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، التي تعتبر بدورها مصدرًا رئيسيًا لأمن الطاقة في الهند.
وبالمثل، فإن علاقات الهند مع إسرائيل تشمل العديد من المجالات، لا سيما الدفاع والتعليم والعلوم والتكنولوجيا. ويستثمر كلا البلدين في الابتكار والشركات الناشئة. ويفتح اتفاق إبراهيم الأبواب أمام التعاون الثلاثي في عددٍ من المجالات التي يمكن أن تتضافر فيها الدول الثلاثة معًا لتعظيم الاستفادة من مواردها ونقاط قوتها.
فعلى سبيل المثال، أنشأتِ الهند وإسرائيل صندوقًا للابتكار التكنولوجي، ولا شك أن هذا الصندوق سيستفيد من مشاركة دولة الإمارات. وبالمثل، مهّد تفشي كوفيد-19 الطريق لتعاون أوثق بين الهند وإسرائيل. ويمكن لدولة الإمارات -التي تستثمر طاقة وموارد كبيرة في مكافحة الوباء، والتي لديها تعاون مع الهند في مجال الصحة- أن تكون شريكًا قيّمًا في هذا المضمار.
علاوة على ذلك، فهناك إمكانية مماثلة لمثل هذا التعاون في برامج الفضاء والتكنولوجيا. يأتي هذا في ظلِّ أن لدى الهند برنامج فضائي متطور، ولديها اتفاقيات لبرامج فضائية مشتركة مع دولة الإمارات، وكذلك مع إسرائيل.
تعزيز العلاقات الدفاعية
لدى الهند علاقات دفاعية قوية مع كلٍّ من إسرائيل والإمارات. وفي حين كانت إسرائيل مصدرًا للمشتريات الدفاعية للهند، فقد انتقلت الدولتان الآن إلى شراكة دفاعية للإنتاج المشترك، مثل نظام صواريخ أرض- جو طويلة المدى من طراز باراك 8، وهو مشروع مشترك بين منظمة البحث والتطوير الدفاعية الهندية، وشركة صناعات الطيران الإسرائيلية. ورغم أن الهند ترغب في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل مثل معدات الحرب الإلكترونية والمعدات الكهربائية-البصرية، فإنها تريد في الوقت نفسه توطين الإنتاج الدفاعي. وتحقيقًا لهذه الغاية، دخلت في اتفاق مع شركات إسرائيلية هذا العام على الإنتاج المشترك للمركبات الجوية من دون طيار.
تواجه الدول الثلاث -الهند وإسرائيل والإمارات- العديد من التحديات المماثلة في مجالي الدفاع والأمن، مثل التهديدات العابرة للحدود والسواحل الطويلة. إن انحسار الوجود الأمريكي في المنطقة – مثل سحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق- يتطلب من دول المنطقة تطوير بنيتها الأمنية الخاصة بها.
الهند لديها أحد أكبر الجيوش في العالم، وتعمل على توطين الإنتاج الدفاعي، وإسرائيل لديها قاعدة تصنيع دفاعية متينة، والإمارات تعكف على تحديث قواتها المسلحة. ومن ثم، فإن اتفاق إبراهيم فتح فرصًا للتعاون في الإنتاج الدفاعي المشترك، وكذا التدريب والمناورات والبحث والتطوير بين الدول الثلاث.
مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف
من الأهمية بمكان ملاحظة أن الدول الثلاث كانت ضحية للتطرف ذي الدوافع الدينية والإرهاب الدولي بشكل أو بآخر. وقد أعطتِ الحكومة الهندية الأولوية لمكافحة الإرهاب الدولي، وتعاونت بشكلٍ وثيق مع كل من الإمارات وإسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب. ولا تزال قدرات مكافحة الإرهاب في إسرائيل واحدة من أفضل الخدمات في العالم، وستستفيد الدول الثلاث من التعاون في هذا المجال.
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، ثم هجمات مومباي الإرهابية عام 2008، إضافة إلى صعود داعش، عملت الهند والإمارات معًا بشكل وثيق. فلقد سلمتِ الإماراتُ إلى الهند عددًا من الأشخاص المطلوبين من قِبل الهند بتهمٍ إرهابية، وهو أمر تقدره نيودلهي تقديرًا كبيرًا. كما أرسلت الهند عددًا من الدعاة الدينيين إلى الإمارات للمشاركة في برنامج إعادة تأهيل المتطرفين. وفي عام 2015، أبرمت الإمارات والهند اتفاقية يلتقي بموجبها مستشاران للأمن القومي كل ستة أشهر لمناقشة قضايا مكافحة الإرهاب.
وفي حين أن الهند كانت بمنأى عن النزعة الجهادية العالمية إلى حد كبير، فإن هذا الوضع يتغير مع انضمام عدد من الرجال والنساء الهنود مؤخرًا إلى ولاية خراسان- تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان. وفي الوقتِ نفسه، عانتِ الهند هجماتٍ ذات دوافع دينية عبر الحدود. كما تواجه كل من الإمارات وإسرائيل تهديداتٍ من داعش والإخوان المسلمين؛ والجماعات المرتبطة بها مثل حماس والجهاد الإسلامي. وهناك تهديد مشترك آخر ناشئ يتمثل في تركيا، التي تدعم بنشاط الأنظمة التابعة للإخوان المسلمين مثل النظام في ليبيا، وتستضيف أيضًا قادة متطرفين من جماعات مثل حركة حماس.
ووفقاً لتقارير استخباراتية، يبدو أن هناك محاولة تركية لزرع التطرف في المجتمعات المحلية في الهند أيضًا. لذا، يتحتم على الدول الثلاث أن تتعاون وتتكاتف، وتتخذ تدابير مضادة فعالة لمجابهة هذه التهديدات.
تعزيز التسامح الديني والتعايش السلمي
رغم حوادث العنف المتقطعة، فلا تزال الهند مجتمعًا نابضًا بالحياة وتعدديًا. وفي الوقتِ نفسه، ركَّزَت دولة الإمارات بشكل خاص على تعزيز الوئام الديني والتسامح والتعددية، ما يؤسس لنموذجٍ يحتذى به في الشرق الأوسط. ومن شأن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل أن يساعد على تسهيل المزيد من التفاعلات بين الأديان، والانسجام والقبول، وإخماد نيران الكراهية ورأب الصدع الديني. وسيكون لهذا أثر إيجابي على المسلمين في الهند، فضلًا عن الاضطرابات في المناطق المجاورة للهند.
الخلاصة
ختامًا، تعتقد الهند أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات سيحقق اختراقًا دبلوماسيًا أكبر؛ الأمر الذي قد يمهد الطريق لتطبيع أوسع مع بقية العالم العربي، وعقد مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
– يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
* محررةً في موقع “International Affairs Review“، الذي يسلِّط الضوءَ على وجهات نظر الجنوب العالمي.