صُدِم العالم، في شهر مايو/أيار عام 2018، عندما شنت عائلات بأكملها سلسلة من الهجمات الإرهابية في سورابايا وإندونيسيا. وقد جرى استخدام أطفال لا تتجاوز أعمارهم 9 سنوات في تفجيرات ضربت كنائس ومراكز شرطة عدة. ولاحقًا تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هذه الهجمات.
في البداية كانت الفكرة مقلقة، فكرة أن تقوم عائلات بأكملها بما فيها الأطفال بتنفيذ هجمات إرهابية جهادية، ولكن ما هو غير جديد دور العائلات في التطرف. في الواقع، يمكن أن يكون دور العائلات مركزيًا في هذه العملية.
وكمثال آخر حديث، في شهر يونيو/حزيران الجاري، أُدِينت الشابة صفاء بولار (18 عامًا)، من فوكسهول في لندن، بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي على المتحف البريطاني في لندن. وكانت شقيقتها ريزالين قد اعترفت فعليًا بالتخطيط لهجوم بالسكين في لندن، فيما أقرت والدتها بمساعدتها. من ناحية أخرى، فقد تعرفت صفاء عبر الإنترنت على مقاتل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يُدعى ناويد حسين، وتزوجته في حفل زفاف عبر الإنترنت، حين كان عمرها لا يتجاوز 16 عامًا. وقد قُتِل حسين فيما بعد في سوريا بغارة جوية لطائرة بدون طيار.
وبالرجوع إلى الماضي قليلًا، يمكن النظر إلى أنّ مثل هذه التوجهات تعود إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول عندما انضم الإخوة السعوديون وليد ووائل الشهري، ونواف وسالم الحازمي إلى فرق الاختطاف.
ويختلف التطرف لدى الأفراد بشكل كبير ويتحدد بعوامل متعددة؛ كالبحث عن الشعور بالانتماء والبحث عن معنى للحياة، أو المظالم الشخصية، أو الصدمة الدائمة بعد تجربة أليمة. وأيضًا يمكن أن تتقاطع هذه العوامل معًا بطرق معقدة.
ومما لا شك فيه أن هذه العملية يمكن دعمها بمساحة اجتماعية تقدم روابط اجتماعية قوية؛ إذ يمكن للارتباط بين الأشخاص الذين لديهم معتقدات وخصائص متشابهة أن يخلق شعورًا بالهوية الجماعية، وأن يفتح باب التجنيد؛ إذ يمكن للأفراد أن يكونوا أكثر عرضة لاحتضان الأيديولوجية المتطرفة، عندما يتم الترويج لها من قبل أشخاص مقربين وثقة.
صحيح أنّه قد يكون للأفراد دوافع شخصية للتطرف، ولكن ضمن مجموعة قد تكون هذه المشاعر قوية، إذ تنتقل من خلال روابط الثقة الموجودة. وقد ركز د. محمد حافظ في مقاله المنشور على موقع “مركز مكافحة الإرهاب”، على أهمية استغلال الإرهابيين للروابط العائلية، وأشار إلى أن التطرف بين النظراء للبحث عن الدوافع الفردية قد لا يكون مفيدًا دائمًا في تفسير سبب تورط هؤلاء الأفراد في الإرهاب؛ لأنّ الحافز قد لا يكون لدى الأفراد أنفسهم، ولكن في البيئة المتطرفة الصغيرة التي ينحدرون منها.
وبالطبع فإنّ العائلات هي المجموعة الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الأفراد، ولهذا السبب فإنّ الأسرة توفر بيئة مثالية للتجنيد والتطرف، إذ يمكن استخدام الروابط القائمة والثقة بين أفراد العائلة لنشر الأيديولوجية المتطرفة وجذب المزيد من الأعضاء نحو المعتقدات المتطرفة، وكل ذلك يحدث في مكان لا يمكن السيطرة عليه من قبل السلطات. وعلاوة على ذلك، فإنه في حالة التطرف داخل الأسرة فغالبًا ما يكون أحد أعضاء العائلة بمثابة “الشخصية المؤثرة”، إذ يجلب الأيديولوجية إلى المنزل، ويستخدم قدرته على الإقناع لجذب أفراد العائلة الآخرين.
وفي أمثلة أخرى، تمكن عبد الحميد أبا عود، قائد المجموعة التي نفذت هجمات باريس في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015، من تجنيد شقيقه يونس البالغ من العمر 13 عامًا، فيما زعم أحمد حناشي، الذي قتل سيدتين في قطار في مارسيليا، أنه تم تلقينه وتعليمه على يد أخيه أنيس.
وبالمثل، فإنّ الخلية التي نفذت هجمات برشلونة شملت 4 مجموعات من الإخوة، وقد لعب العمر والقرابة دورًا في تشكيل الخلية، وتحديدًا مع الإخوة الأكبر يونس أبوعاقوب ومحمد هشام وإدريس أوكابير وربما يوسف أعلا، إذ لعبوا أدوارًا وظيفية أساسية، في حين كان أشقاؤهم الأصغر أكثر هامشية.
وقد برز أيضًا نموذج الزوج الثنائي في تنفيذ الهجمات. ومن أبرز هذه الأمثلة تفجيرات الفنادق عام 2005 في الأردن، عندما قام زوجان عراقيان، هما علي حسين الشمري وزوجته ساجدة الريشاوي، بتفجير أنفسهما داخل فندق راديسون.
ويمكن ملاحظة التطرف بين أفراد الأسرة في حلقات المقاتلات الأجنبية، إذ وجد تقرير للاستخبارات الألمانية عام 2014 أنّ 18% من المقاتلين الأجانب الألمان قد سافروا مع أفراد عائلاتهم إلى سوريا. وبالمثل في إيطاليا، فقد شملت العديد من القضايا رفيعة المستوى الخاصة بالمقاتلين الأجانب رحيل أسرهم نحو منطقة الحرب السورية.
ومن بين هذه الحالات حالة سيد فايق شبل أحمد، المصري الذي يبلغ من العمر 23 عامًا. غادر شبل أحمد منطقة كومو في شمال إيطاليا إلى سوريا، وقد كان ابنًا لمجاهد سابق قاتل في البوسنة في التسعينيات. وبحسب ما ورد، فقد ساعد الأب ابنه في الانضمام إلى ميليشيا متحالفة مع حركة تحرير الشام، وشجعه مرارًا على البقاء في سوريا والقتال، وتم إلقاء القبض على الرجل فيما بعد لارتباطه بالإرهاب، وتم ترحيل زوجته لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ويمكن العثور على قصص عائلية إضافية في قاعدة بيانات المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية للهجمات الإرهابية الجهادية التي نفذت في الغرب، من لحظة إعلان الخلافة من قبل الدولة الإسلامية في حزيران/يونيو 2014 حتى الوقت الحاضر، وتوفر هذه القاعدة فرصة لمزيد من التحليل المنظم.
ويتضح في قاعدة البيانات: من أصل 94 شخصًا شاركوا في 71 هجومًا، فإنّه ما لا يقل عن 10 أشخاص تعاونوا مع أحد أفراد العائلة المباشرين (أخ أو أخت أو زوج أو زوجة)، إذ كان ثمانية منهم إخوة، بينما كان اثنان منهم زوجًا وزوجة.
- هجوم يناير/كانون ثاني عام 2015 على شارلي إيدبو: شريف وسعيد كواشي (إخوة).
- إطلاق النار في ديسمبر/كانون أول عام 2015 على سان بيرانردينو: تاشفين مالك وسيد رضوان فاروق (الزوج والزوجة).
- تفجيرات مارس/آذار عام 2016، في المطار ومحطة الأنفاق في بروكسيل: إبراهيم وخالد بكراوي (إخوة).
- هجمات شهر أغسطس/آب 2017 على كتالونيا: يونس وحسين أبو يعقوب (إخوة)، عمر ومحمد هشامي (إخوة).
وكان متوسط عمر المهاجمين من أفراد العائلات 26.5 عامًا، وكان فارق السن بين أفراد العائلة حوالي سنة إلى 3 سنوات. وكان نصفهم من المقيمين القانونيين، بينما كان النصف الآخر من مواطني البلدان التي نفذوا فيها هجمات.
وتقريبًا كان جميعهم جزءًا من شبكات أكبر نفذت هجمات متطورة ضد أهداف متعددة، وكان مفجرو بروكسل إبراهيم وخالد بكراوي جزءًا من شبكة إرهابيين تعمل بين فرنسا وبلجيكا، في حين كان الأخوان أبو يعقوب وهشمي جزءًا من خلية كبيرة تضم حوالي 12 شخصًا مسؤولين عن الهجمات في كتالونيا.
علاوة على ذلك، فإنه في العديد من الحالات لم يقم أفراد العائلة بتنفيذ هجمات، لكنهم قدموا المساعدة، أو يعرفون شيئًا عن المؤامرة، أو على الأقل كان هناك تطرف لدى أحد أفراد العائلة، كما يتضح في الخلايا التي خططت لتنفيذ هجوم كتالونيا وباريس.
وعلى وجه الخصوص، تضمنت الخلية الإسبانية 4 مجموعات من الإخوة، لكن بعضها لم يشارك جسديًا في الهجمات ولعب أدوارًا داعمة فقط. فعلى سبيل المثال قُتِل يوسف العالي، شقيق سعيد العالي، في هجوم كامبريلز، فيما قُتِل محمد عالة، صاحب السيارة التي كانت تستخدم في هجوم كامبريلز، جراء الانفجار الذي وقع في المنزل الذي كانت المجموعة تعد فيه أجهزة متفجرة في الكانار.
وبالمثل، فقد شملت شبكة باريس – بروكسيل مجموعة أخرى من الإخوة هما إبراهيم وصلاح عبد السلام، لكن صلاح كان له دور داعم ولم يقم بتنفيذ الهجوم جسديًا. وبالمثل فإنّ التقارير أفادت أن أنيس حناشي لعب دورًا هامًا في تطرف أخيه، وشجعه على القيام بهجوم.
ولكن من الصعب تحديد كيفية نشوء عمليات التطرف لدى هؤلاء الأفراد، فمن الواضح أنه بعد أن نفذوا هجمات في شبكات أكبر، كان هناك عنصر اجتماعي لتطرفهم، إذ عمل المهاجمون من الإخوة جنبًا إلى جنب مع أشخاص يعرفونهم جيدًا. ويمكن للروابط أن تكون طويلة الأمد، ففي كتالونيا كان الرجال المتورطون في المؤامرة يعرفون بعضهم البعض منذ فترات الشباب ولو بدرجات متفاوتة، إذ أن معظمهم كانوا في المدارس المتوسطة والثانوية نفسها.
وقد تواصلت شبكة شريف كواشي بأميدي كوليبالي بينما كان يقضي الوقت في سجن فلوري-ميغوري، بعد اعتقاله لمحاولته السفر إلى العراق، في عام 2005، لمحاربة قوات التحالف. ثم بدأ كواشي وكوليبالي الاجتماع بانتظام مع جمال بيغال (متشدد جزائري كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة التخطيط لتفجير السفارة الأمريكية في باريس). وقد كان بيغال منتظمًا في مسجد فينسبري بارك في لندن، وكان يعتبر أحد كبار المسؤولين عن تنظيم القاعدة في أوروبا من قبل المخابرات الفرنسية والبريطانية.
وعلاوة على ذلك، فإن جميع الهجمات التي شارك فيها أفراد من العائلات جرى نسبها إلى منظمات متطرفة، فمثلاً تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هجمات سان بيرناردينو وبروكسل وكاتالونيا، في حين تبنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسؤولية هجوم تشارلي إيبدو.
وقد كانت هذه الهجمات مميتة بشكل خاص، فبحسب قاعدة بيانات المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية فقد أسفرت الهجمات عن 6 وفيات لكل هجوم. وبالنظر إلى هجمات أفراد الأسرة منفردة، فقد كان المتوسط 19 ضحية؛ ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الهجمات كانت بشكل عام مؤامرات كبيرة ومتطورة، نفذها أفراد عدة باستخدام الأسلحة النارية والمتفجرات والمركبات. باختصار فإن المهاجمين من أفراد العائلات لا يظهرون بشكل كبير في الصورة العامة والأكبر، لكنهم مهمون ومميزون لأن مؤامراتهم يمكن أن تكون قاتلة للغاية.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا