في فيلم الخيال العلمي “ريدي بلاير وان” “Ready Player One” للمخرج ستيفن سبيلبيرج، يهربُ البطلُ من الواقعِ القاسي لحياته اليومية، من خلالِ ممارسةِ لعبة الواقع الافتراضي، معتبرًا أن هذه اللعبة هي “المكان الوحيد الذي يشعر فيه بنفسه”، وأنه “المكان الوحيد الذي يمكن لخيالِ المرءِ أن يحدِّدَ واقعه الذي يعيشُه في هذه اللعبة (…) يأتي الناس إلى الواحة لكلِّ الأشياءِ التي يمكنهم القيامُ بها، ويواظبون عليها لكلِّ الأشياء التي يمكن أن يستمتعوا بها فيها”1. تُقدِّم لعبةُ الواقع الافتراضي ملعبًا تجريبيًّا لبناءِ الهوية والمعنى، ما يوِّفر شعورًا بالهدف ويغمر اللاعبين تمامًا داخل واقعٍ بديل. وفي حينِ أن معظم ألعاب الفيديو والألعاب عبر الإنترنت بعيدة كل البعد عن إعطاء الأولوية للحياة الافتراضية على الواقع، فإنها كانت، ولا تزال، تحظى بشعبيةٍ كبيرة ليس فقط بين الأطفال والمراهقين، ولكن المستخدمين البالغين أيضًا. فعلى سبيلِ المثال، في حين يلعب 60٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، في الولايات المتحدة، ألعاب الفيديو، فإن النسبةَ المئوية للفئة العمرية التالية، أي بين 30 و49 عامًا، أقل بنسبة 7٪ فقط؛ أي أنَّ أكثر من نصف البالغين، في هذه الفئةِ العمرية، يلعبون ألعاب الفيديو2.
كيف يستغلُّ الإرهابيون ألعابَ الفيديو؟
بما أنَّ الألعابَ أحدُ العناصر الأساسية للثقافة الشعبية، وبما أن المنظماتِ المتطرفة تسعى باستمرارٍ إلى استخدام المراجع والأدوات المستمدة من ثقافةِ العامة3، فلا غرابة في أن يتم استخدام ألعاب الفيديو من قِبل المنظمات المتطرفة لأغراض مختلفة، بما في ذلك تلقين الأطفال، ومناشدةِ جمهور واسع، وتسهيل التطرف وبناء واقعهم المثالي بشكلٍ تفاعلي. وقد طوَّرَت مجموعةٌ من المنظَّمَات المتطرفةِ ألعابها الخاصة أو عدّلتِ الألعابَ القائمة.
على سبيلِ المثال، أطلق حزبُ الله لعبةَ “القوات الخاصة والقوات الخاصة 2″، التي تسمحُ للاعبين بإعادةِ كتابةِ تاريخِ الانتفاضات، وقلبِ الطاولة على الجيش الإسرائيلي. لعبةُ التصويبِ، من منظورِ الشخص الأول، التي تم تصميمها على غرارِ لعبة “نداء الواجب” تُسمَّى “الدفاع المقدس”، وتركِّز بشكلٍ رئيس على هزيمةِ مقاتلي داعش4. كما استخدمتِ المجموعاتُ اليمينية الألعابَ وخوادمَ الألعاب لخدمةِ أغراضها. وفي هذا الإطارِ، طوّر موقع “ديلي ستورمر” Daily Stormer تعديلًا للعبةِ الشعبيةِ المعروفة باسم “دوم 2” Doom2، التي تسمح للاعبين بمكافحةِ مؤامرةِ اليهود العالمية، ولقيت استحسانًا من قِبل الجماعاتِ اليمينية المتطرفة، حيث علَّق أحدُ اللاعبين قائلًا إن هناك “العديد من الخيارات للإبادةِ الجماعية، والكثير من المرح”5. كما أصبح المشهدُ اليميني المتطرف الناطقُ بالألمانية يستخدم منصة الألعاب “Discord” كنقطةِ التقاءٍ مع حركةReconquista Germanica التي تستقطب قرابة 7,000 مستخدم إلى منصتهم. وفقًا لحسابها الخاص، تقول الحركة إنه ليس أكثر من لعبة لعب الأدوار الحية6.
ومع ذلك، فإنَّ داعش؛ التنظيم الأكثر شهرة في استخدام لغة الألعاب، ومنها النمط البصري لألعابِ “التصويب من منظورِ الشخصِ الأول”. استخدم داعش صورَ ألعاب الفيديو، والألعابَ الفعلية لخدمةِ أهدافه. فمن خلالِ إطلاقِ تطبيقٍ تعليمي يُسمَّى “حروف”؛ يهدف إلى تعليمِ الأطفالِ الأبجدية العربية، من خلالِ تشجيعهم على مطابقةِ الحروف مع المعدَّات العسكرية؛ مثل الدبابات والقنابل، سعى التنظيمُ إلى تمهيدِ الطريق إلى التطرفِ في أبكر سنٍّ ممكنة لدى المستخدمين الصغار7. كما استخدم داعش، باستمرار، الصور المرئية لألعابِ الفيديو الشائعة. على سبيلِ المثال، استخدم على نطاقٍ واسع لقطاتٍ تم تصويرُها بكاميراتٍ عاليةِ الدقة مثبَّتة على خوذات ومشاهد مأخوذة من ألعابٍ؛ مثل “نداء الواجب” في مقاطع الفيديو الدعائية الخاصة به8.
ومن المفترض أنه طوَّر لعبته الخاصة؛ “صليل الصوارم”، رغم أنه لا يزال من غيرِ الواضح، ما إذا كان قد أطلق اللعبة حتى الآن9.رغم أن استخدامَ ألعاب الفيديو يرتبطُ بالخطابِ حول التطرف، عبر الإنترنت، ويشكِّل جزءًا منه، لكنه لم يحظَ حتى الآن باهتمامٍ كبير؛ مقارنةً بالعوامل الأخرى التي تسهم في تسهيلِ عملياتِ التطرف. لذا، يمكن القول إن البحوثَ المتعلقة بالألعاب، في هذا السياقِ، لا تزال في مراحلها الأولى. في الفقراتِ التالية، نتناول اثنين من الآليات العديدة التي يحتمل أن تكونَ ذات صلةٍ بدورِ الألعاب في عمليات التطرف، ولكن من الضروري التوصُّل إلى نتائج بحثية أكثر قوة قبل أن نتمكنَ من تقييم مساهمةِ الألعاب في عملياتِ التطرف بمستوى كافٍ من اليقين.
نزع الحساسية تجاه العنف
من المحتمل أن الآلية الأكثر وضوحًا التي يمكن أن تسهم بها الألعاب في تسهيل عمليات التطرف -على الأقل لأولئك الذين بحثوا في الآثار النفسية لممارسة ألعاب الفيديو- هو أن ألعابَ التصويبِ، من منظور الشخص الأول، تُسهم في إزالةِ الحساسية تجاه العنف، وبالتالي فكّ الارتباط الأخلاقي. وفي حين أن العلاقة السببية بين ألعاب الفيديو العنيفة، والسلوك العنيف لا تزال موضعَ نزاع10، فقد أظهرتِ البحوثُ أن ألعابَ الفيديو العنيفة ترتبط بانخفاضِ التعاطف، وإزالة الحساسية تجاه العنف على كلٍّ من المستوى العصبي والسلوكي، والحد من الاستجابات المعرفية والعاطفية للمحفزات العنيفة11.
في هذا الصدد، يرى عالمُ النفس الكندي باندورا أنه يمكن تفعيلُ السيطرةِ الأخلاقية، وتعطيلها، بشكلٍ انتقائي. ويمكن خداع المنطق الأخلاقي أو تعطيله عن وعي من خلالِ إيجاد مبرراتٍ أخلاقية للعنف، وتوظيف مقارنات مواتية (مثل النموذج الكلاسيكي، “ولكنّ أعداءنا فعلوا أسوأ”)، وتوظيف الوسم المُلطف (“تحييد” الأهداف، وليس قتلهم)، وتجاهل أو تشويه عواقب العنف (في الألعاب، على سبيلِ المثال، من خلال عدمِ إظهار كمية دقيقة من الدماء أو حجم الجروح) أو إلقاءِ اللوم على الضحايا12. وقد ثبتَ أن العديدَ من أعلى ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول تصنيفًا تستخدم هذه الأدواتِ لفكِّ الارتباطِ الأخلاقي13 وبالتالي، يمكن أن تسهم ليس فقط في قبول العنف، ولكن في تحسينِ القدرة على تعطيلِ آليات الرقابة الأخلاقية للأشخاص. وقد ثبت أن فكَّ الارتباطِ الأخلاقي يسهِّل عملياتِ التطرف14 ويمكن للمنظمات المتطرفة التي تسعى إلى توجيه أتباعها لارتكابِ أعمال العنف أن تفاقم وتستفيد من تأثير إزالة الحساسية للعنف وفك الارتباط الأخلاقي المتأصلين في الألعاب العنيفة.
الكفاءة الذاتية المتصورة
علاوةً على ذلك، يمكن للألعاب أن تسهِّل التطرفَ من خلالِ تعزيز الكفاءة الذاتية المتصورة للاعبين في القيام بأعمالِ العنف. الكفاءةُ الذاتية المتصورة هي الإيمانُ بقدرةِ المرءِ على تحقيقِ النتائج المرجوة؛ وباختصارٍ، هي الاعتقادُ الذاتي في قدراته15. وقد تبيَّن أن المنظماتِ المتطرفة تسعى إلى زيادةِ الكفاءة الذاتية المتصورة لمجنديها المحتملين، من خلالِ الإقناعِ الاجتماعي، عبر الشخصياتِ المرجعية، فضلًا عن النمذجة الاجتماعية من جانب الأقران، من أجلِ زيادةِ ثقة المستهدفين من أنهم يستطيعون تحقيقَ توقعاتِ الجماعة منهم، والانخراط في أعمالِ عنفٍ، بنجاحٍ وفعالية16. ويمكن للألعاب أن تسهِّل معتقدات الكفاءة الذاتية، فيما يتعلق بارتكابِ العنف لأن الطبيعة التفاعلية للألعاب تؤدي إلى زيادة التماهي مع الشخصية التي يتقمصها المرءُ، وهو يلعبُ ويشاهدُ صورته الرمزية (آفاتار)17، التي غالبًا ما تكون نسخةً مثالية من نفسه، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بهويته18. ومع نجاحِ اللاعبِ على الشاشة، وحصوله على مكافأة لأفعاله العنيفة، تزدادُ ثقتُه في القدرةِ على الانخراطِ في أعمالٍ مماثلة. يرتبط زيادة التماهي مع شخصيات اللعبة -الناجم عن القدرة على تخصيص الصور الرمزية- بسلوكٍ أكثر عدوانية19، وإذا كان الآفاتار متطرفًا، فإن ذلك يرتبطُ بارتكابِ العنف لتسهيلِ أهداف متطرفة. وهكذا، في وقتٍ يمكن أن تقدِّم الآفاتاراتُ والألعابُ شعورًا متزايدًا للأشخاص بالقدرةِ على الفعل كلاعبين، والتحرُّك بحريةٍ في العوالم الافتراضية، واختيار المهام الخاصة بهم، يمكن للمنظمات المتطرفة الاستفادةُ من الألعابِ لتسهيلِ معتقدات الكفاءة الذاتية المتعلقة بالعنف، ومن ثمّ زيادة احتمالِ أن تلقى الموادُ العنيفةُ والمتطرفة صدىً لدى اللاعبين.
الخلاصة
هناك الكثيرُ من الآليات التي يمكن أن تسهِّل بها الألعابُ عملياتِ التطرف، والتي ينبغي على الباحثين اكتشافها. وبما أن إشارات التلعيب (أي استخدام عناصر اللعبة في سياقات خارج اللعب) والألعاب ستستمر في الانتشار في مختلفِ مناحي الثقافة الشعبية، فإن المنظمات المتطرفة سوف تولي اهتمامًا متزايدًا للفوائد التي يمكن أن تعودَ عليها من توظيف هذه الآليات. لذا، فمن الأهمية بمكان أن يشارك الأكاديميون والممارسون على حدٍّ سواء، بشكلٍ كامل وشامل في الدور الذي يمكن أن تؤديه الألعاب في نشرِ الدعاية المتطرفة، وتيسير عمليات التطرف في المستقبل.
*يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
**مستشارة في مكافحة الإرهاب في مؤسسة كونراد أديناور ببرلين
المراجع:
[1]Retrieved from: https://www.moviequotesandmore.com/ready-player-one-best-quotes/
[2] Brown, A., Younger men play video games, but so do a diverse group of other Americans, (2017) Retrieved from: https://www.pewresearch.org/fact-tank/2017/09/11/younger-men-play-video-games-but-so-do-a-diverse-group-of-other-americans/
[3] Hegghammer, T., Jihadi Culture: The Art and Social Practices of Militant Islamists, Cambridge University Press: Cambridge (2017)
[4] Rose, S., ‘Holy Defense‘: Hezbollah issues call of duty to video gamers, (2018) Retrieved from: https://www.middleeasteye.net/news/holy-defence-hezbollah-issues-call-duty-video-gamers
[5] Ebner, J., Radikalisierungsmaschinen: Wie Extremisten die neuen Technologien nutzen und uns manipulieren. Suhrkamp Nova: Berlin, p. 143 (2019)
[6] Ibid.
[7] Lakomy, M., Let’s Play a Video Game: Jihadi Propaganda in the World of Electronic Entertainment, Studies in Conflict & Terrorism, Vol. 42 (4), pp. 383-406 (2019)
Gramer, R., J Is For Jihad: How The Islamic State Indoctrinates Children With Math, Grammar, Tanks, and Guns, Foreign Policy (February 16, 2017), Retrieved from: https://foreignpolicy.com/2017/02/16/j-is-for-jihad-how-isis-indoctrinates-kids-with-math-grammar-tanks-and-guns/
[8] Scaife, L., Social Networks as the New Frontier of Terrorism: #Terror. Routledge: Oxon (2017)
Lakomy, M., Let’s Play a Video Game: Jihadi Propaganda in the World of Electronic Entertainment, Studies in Conflict & Terrorism. Vol. 42 (4), pp. 383-406 (2019)
[9] Al-Rawi, A., Video games, terrorism, and ISIS’s Jihad 3.0., Terrorism and Political Violence. Vol. 30 (4), pp.740-760 (2018)
[10] Gunter, W. and Daly, K., Causal or spurious: Using propensity score matching to detangle the relationship between violent video games and violent behavior, Computers in Human Behavior, Vol. 28, pp. 1348-1355 (2012)
Ferguson, C. and Wang, C., Aggressive Video Games are not a Risk Factor for Future Aggression in Youth: A Longitudinal Study, Journal of Youth and Adolescence. Vol. 48 (8), pp. 1439-1451 (2019)
[11] Brockmyer, J., Playing Violent Video Games and Desensitization to Violence, Child and Adolescent Psychiatric Clinics of North America, Vol. 24, pp. 65-77 (2015)
Funk, J., Buchman, D., Jenks, J. and Bechtholdt, H., Playing violent video games, desensitization, and moral evaluation in children, Applied Developmental Psychology, Vol. 24, pp. 413-436 (2013)
Engelhardt, C., Bartholow, B., Kerr, G. and Bushman, B., This is your brain on violent video games: Neural desensitization to violence predicts increased aggression following violent video game exposure, Journal of Experimental Social Psychology, Vol. 47, pp. 1033-1036 (2011)
[12] Bandura, A., Selective Activation and Disengagement of Moral Control, Journal of Social Issues. Vol. 46 (1), pp. 27-46 (2019)
Bandura, A., A Commentary on Moral Disengagement: The Rhetoric and the Reality, The American Journal of Psychology. Vol. 131 (2), pp. 246-251 (2018)
[13] Hartmann, T., Krakowiak, K.M. and Tsay-Vogel, M., How Violent Video Games Communicate Violence: A Literature Review and Content Analysis of Moral Disengagement Factors, Communication Monographs, Vol. 81 (3), pp. 310-332 (2014)
[14] Bandura, A., The role of selective moral disengagement in terrorism and counterterrorism in Moggahadam, F. & Marsella, A. (Eds.). Understanding terrorism: Psychological roots, consequences and interventions, American Psychological Association Press: Washington DC, pp. 121-150 (2004)
[15] Bandura, A., Regulation of Cognitive Processes Through Perceived Self-Efficacy, Developmental Psychology. Vol. 25 (5), pp. 729-735 (1989)
Bandura, A., On the Functional Properties of Perceived Self-Efficacy Revisited. Journal of Management. Vol. 38 (1), pp. 9-44 (2012)
[16] Schlegel, L., “Yes, I can”: What is the Role of perceived Self-efficacy in violent Online-radicalization Processes of ‘homegrown’ Terrorists?, Dynamics of Asymmetric Conflict. DOI: 10.1080/17467586.2019.1700539 (2019)
[17] Jenson, J., Taylor, N., de Castell, S. and Dilouya, B., Playing With Our Selves: Multiplicity and identity in online gaming, Feminist Media Studies, Vol. 15 (5), pp. 860-879 (2015)
Lin, J-H., Do video games exert stronger effects on aggression than film? The role of media interactivity and identification on the association of violent content and aggressive outcomes, Computers in Human Behavior. Vol. 29, pp. 535-543 (2013)
[18] Ducheneaut, N., Wen, D., Yee, N. and Wadley, G, Body and mind: A study of avatar personalization in three virtual worlds, (2009) Retrieved from: https://www.researchgate.net/publication/221516323_Body_and_mind_A_study_of_avatar_personalization_in_three_virtual_worlds
[19] Fischer, P., Kastenmüller, A. and Greitemeyer, T., Media violence and the self: The impact of personalized gaming characters in aggressive video games on aggressive behavior, Journal of Experimental Psychology. Vol. 46, pp. 192-195 (2010)