عين أوروبية على التطرف
أعلنت المملكة المتحدة في يونيو/حزيران عن إستراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب، استجابة للطبيعة المتغيرة لهذه الظاهرة المقيتة. في الحقيقة، نادرًا ما يجري الكشف عن تقرير حكومي بهذا النوع وهذا المستوى الرفيع؛ فلم تقم الحكومة البريطانية بالإفصاح عن تقريرها الأخير سوى عام 2011. وهذا يعني أن التقرير الجديد يكشف عن الوجه المتغير للعدو الذي يواجه المملكة المتحدة وحلفاءها.
في الماضي، كانت القاعدة تميل إلى التركيز على عدد صغير نسبيًا من المؤامرات الخطيرة في المملكة المتحدة والدول الغربية الأخرى. وغالبًا ما كانت تنطوي نشاطاتها على روابط دولية مع جنوب آسيا والشرق الأوسط، ومراحل إعداد طويلة، وانخراط العديد من المنفذين، فضلًا عن استهداف مواقع متعددة من خلال هجمات منسقة. هذه المؤامرات المعقدة مكنت عملاء الأجهزة الاستخبارية من اعتراض الاتصالات، واختراق الشبكات وتفكيكها، وخفض نشاطات الخلايا بشكل واضح، بالإضافة إلى توفير حلول بسيطة وسهلة، أدت إلى تعطيل عمل الخلايا، من خلال استهداف المخططين بضربات جوية على بعد آلاف الأميال من أماكن الهجمات المستهدفة.
أما اليوم، فعلى النقيض من ذلك، إذ أصبح العدو متنوعًا وأكثر مراوغة، ولا يمكن التنبؤ به، ويصعب العثور عليه، وسريع الانتقال من التطرف إلى تنفيذ العمل. هكذا عدو يتخذ شكل الذئب المنفرد، الذي لا تربطه اتصالات دولية سوى متصفح الإنترنت. من الواضح أن طبيعة التهديدات تغيرت بشكل جذري عما مضى، ومن أجل التغلب عليها، هنالك حاجة إلى جهود حكومية محكمة وواسعة، مرتبطة بقطاعات المجتمع المدني.
وفقًا للتقرير المذكور، أصبحت التهديدات “كبيرة ومتعددة الأوجه، تتطلب تركيزًا أكبر على مستوى التنسيق المنظم في طيات القطاع العام”، ولهذا، ستكون أجهزة المخابرات البريطانية في صميم المهمات المقبلة. وبموجب الإستراتيجية الجديدة، سيشارك جهاز المخابرات الداخلي (MI5) المعلومات مع الإدارات الحكومية الأخرى، وحتى مع السلطات المحلية، بدءًا بالمناطق عالية المخاطر في لندن ومانشستر وويست ميدلاندز.
وحسب الخطة البريطانية، سيجري التركيز على الأفراد الذين “ربما يشكلون خطرًا، وليسوا على قائمة الأولويات العليا لأجهزة المخابرات والشرطة”. والسبب في ذلك، هو أن الكثير من منفذي الهجمات الأخيرة كانوا على الرادار الأمني، لكنهم لم يكونوا تحت دائرة المراقبة الدقيقة بوصفهم تهديدات وشيكة، وتمكنوا من التسلل باتجاه تنفيذ العمل. من شأن الشبكة الأمنية الأكبر أن تمنع هذا من الحدوث مرة أخرى، وفقًا للتقديرات الأمنية.
وبرغم أن الجهاديين يلجأون كثيرًا إلى الإنترنت في مراحل التخطيط والإعداد والتنفيذ، إلا أن السلطات البريطانية قررت الاستفادة من هذا المجال. وبحسب التقرير، سيسمح الذكاء الاصطناعي للأجهزة البريطانية بتصفية وتحديد المعلومات المهمة بشكل أسرع من أي وقت مضى. كما أن أنظمة الواقع الافتراضي ستساعد السلطات في التخطيط لمجموعة واسعة من السيناريوهات. علاوة على ذلك، ستساعد التقنيات في تعزيز قدرات الكشف والتحري في الأماكن المزدحمة والحدود والمطارات. أما شركات التكنولوجيا البريطانية، فستساعد في إنتاج أنظمة تحدد محتويات الإرهابيين على الإنترنت وخفضها تلقائيًا.
تقييم التهديدات الأمنية
يعرض التقرير تهديدات محددة رئيسة، وفيما يلي بعضًا منها:
أولًا: يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية هو “التهديد الإرهابي الأكثر أهمية” داخليًا وخارجيًا.
ثانيًا: تشكل عودة مقاتلي داعش قلقًا واضحًا لدى السلطات. ووفقًا للتقرير، يبلغ عدد المجندين البريطانيين في صفوف داعش حوالي 900 فرد، قتل منهم حوالي 20%، وعاد منهم 40%.
ثالثًا: يفيد التقرير بأن السلطات أجرت تحقيقات مع عدد كبير من الأفراد الذين عادوا في أوقات مبكرة، وأن “نسبة كبيرة” من العائدين لن يعتبروا “شاغلًا للأمن القومي” بعد اليوم. وحسب التقرير، أغلب العائدين هم من النساء والأطفال.
رابعًا: بعض العائدين يشكلون “تهديدًا محتملًا”، أما الذين لا يزالون في الخارج، فيعتبرون “الأكثر تهديدًا وخطرًا” على الأمن البريطاني، وذلك بسبب روابطهم مع الشبكات الخارجية، ومهاراتهم التدريبية العالية.
خامسًا: استبدل تنظيم داعش دعايته من “الخلافة” إلى “الضحية والسعي إلى تسليح المجتمعات”. وبالتالي، ستتعامل الأجهزة البريطانية مع “شبكة إرهابية مكتفية ذاتيًا بأنصارها، الذين ينشئون مواد تحفيزية وتدريسية، وينشرونها على الإنترنت”.
سادسًا: ستعمل الأجهزة الأمنية البريطانية على ضرب داعش في الخارج، وقد نشرت بالفعل أكثر من 1400 عسكري في الشرق الأوسط من أجل هذا الغرض.
سابعًا: يمكن القول بأن وضع القاعدة تدهور، لكن التنظيم عمومًا يشكل “تهديدًا عالميًا قويًا مرنًا، قادرًا على مهاجمة المملكة المتحدة وبلدان أخرى”. أما القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فتشكل مصدر قلق خاص، نظرًا “لقدراتها المتطورة في التعامل مع المتفجرات المعقدة”.
ثامنًا: سعت القاعدة إلى “إشراك نفسها في الصراعات المحلية، بهدف الحد من التأثير الغربي، وتنمية الرغبة في الحكم الإسلامي في نفوس السكان المحليين”.
تاسعًا: يشير التقرير إلى تنامي شبح الإرهاب اليميني المتطرف بشكل ملحوظ بعد عام 2014، ذلك الإرهاب الذي يعزز وجهات النظر المناهضة للهجرة، والتفوق الأبيض.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا